بسم الله الرحمن الرحيم
رحمانيّات ربانية للأمة المحمدية
(1) الإخلاص في النيّة
بقلم : المنتصر بالله حلمي الآغا
الحمد لله ربَّ العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم العربي الأميّ المرسل إلى العالمين كافة سيدنا محمد بن عبد الله ، مبشراً ونذيراً وسراجاً منيراً ، بيّن لنا طريق الإسلام ، طريق الهدى والخير والإيمان ، ونحمده حمداً كثيراً طيباً أن أعزنا بالعبودية له وأكرمنا فجعلنا من أمة سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم.
قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:‘‘ إنّما الأعمال بالنيّات وإنّما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه’’. وقال سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنهما: ‘‘ لا يصلح قول ولا عمل إلاّ بالنيّة ، ولا يصلح قول ولا عمل ولا نيّة إلاّ بالسنّة ’’. وروى سهل بن سعد الساعدي عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم أنه قال:‘‘ نيّة المؤمن خيرٌ من عمله وعمل المنافق خير من نيّته وكلٌ يعمل على شاكلته ’’.
من أجل هذا يدرك الكثير أن الإخلاص في العمل والنيّة الطيّبة شرط لقبول الأعمال ، فالله سبحانه وتعالى يقبل الأعمال الطيبة والصادقة والخالصة لوجه تعالى ولا يقبل سبحانه وتعالى عملاً يختلط فيه الرياء أو المراءاة.
وقد منَّ الله عليّ بهذه الزاوية الربانيّة ( رحمانيّات ربانيّة للآمة المحمديّة ) في منبر ‘‘ النخلة ’’ في محاولة للتحدث عن مدارك ومسالك صحيح الإيمان. وبين أيدينا بعضٌ مما رحم الله تعالى به عبادة المؤمنين. والرحمات الربانية للمؤمن ثواب لقيامه بأعمال تحتاج إلى النيّة والهمّة والعزيمة وقليل من الجهد والبعد عن الكِبْر ليرحمنا الله تعالى برحمته ، والعمل بما أوصانا به رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ، وسنجد إن شاء الله خيراً كثيراً لا حدود له في الدنيا والآخرة.
والرحمانيّات الربانية تتنزل على عباد الله المؤمنين إذا أخلصوا النيّة ، فالله سبحانه وتعالى يرحم عباده المؤمنين برحمات كثيرة لا حصر لها إذا قاموا بأعمال قد تكون في ميزان الجهد بسيطة ولكنها في ميزان الله سبحانه وتعالى كبيرة ، فالله تعالى يرحم عباده من أمَّة محمد صلّى الله عليه وسلّم إذا أخلصوا النيّة والعمل ، ويرحمهم إذا ذكروه مخلصين ، ويرحمهم إذا استغفروه ، ويرحمهم إذا ذكروه فسبحوه وحمدوه وكبروه ، ويرحمهم إذا صلّوا على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم ، ويرحمهم إذا أحسنوا وإذا تصدّقوا وإذا تعاملوا مع الآخرين بحُسْنِ خُلُق ، ويرحمهم إذا مشوا في جنازة ، وإذا صبروا على الابتلاء ، ويرحمهم إذا واسوا مصاباً ، وإذا أكرموا ضيفاً ، وإذا زاروا مريضاً ، ويرحمهم إذا أغاثوا ملهوفاً ، ويرحمهم إذا أصلحوا بين الناس ولم يمشوا في نميمة ، والله تعالى سبحانه يرحمهم ويستجيب لهم إذا رفعوا أيديهم إليه يسألونه حاجاتهم فيعطيهم أو يدّخر لهم في ميزان حسناتهم ليوم القيامة... وأعمال الخير والفضائل كثيرة لا حصر لها. ومن رحمة الله جلَّ شأنه بأمّة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن السيئة تُسجَّل عليها بواحدة ، والحسنات يضاعفها بعشرة أمثالها ويضاعف الله لمن يشاء أضعافاً مضاعفة ، والشقي من غلبت سيّئاته على حسناته.
ورُوِيّ في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:‘‘ يؤتى بالعبد يوم القيامة ومعه من الحسنات أمثال الجبال الرواسي فينادي منادٍ : من كان له على فلان مظلمةً فليجيء فليأخذها ، فيجيء أناس فيأخذون من حسناته حتى لا يبقى له من الحسنات شيء ، ويبقى العبد حيران فيقول له ربه : إن لك عندي كنزاً لم أُطلع عليه ملائكتي ولا أحداً من خلقي ، فيقول : يا رب ما هو ؟ فيقول بنيّتك التي كنت تنوي من الخير ، كتبتها لك سبعين ضعفاً ’’.
ويقول جلَّ شأنه أيضاً في سورة البقرة (آية 284):‘‘ لِلّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَإن تُبْدُوا مَا فِي أنفُسِكُمْ أو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ ’’. لذلك فإن حُسن النيّة والسريرة مطلوبة من المسلّم ليبدأ في صعود مراتب الإيمان.
من أجل هذا يُعمِل المؤمنون عقولهم ، وإعمال العقل والتفكّر مطلوب من المؤمنين ، فالمؤمن يتفكر ويحضّر نفسه ليومٍ ترجف فيه الراجفة ، وتتبعها الرادفة ، يوماً قمطريراً ، تشخص فيه الأبصار ، يومً تذهل كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ، ولكن عذاب الله شديد ، وهول المشهد رهيب... ذاك هو يوم القيامة ، يوم الحسرة والندامة على ما فات من سوء العمل ، يوم يتمنى المرء أمنيات كثيرة ، فيتمني الكافر لو كان في الدنيا من الأنعام أو الحيوانات ليكون في الآخرة تراباً كالحيوانات فينجو من عذاب جهنم ، عندما يرى يوم القيامة بأم عينه أن الله سبحانه وتعالى يقتص للجمّاء من القرناء ثم يقول لها كوني تراباً ، وذلك قوله تعالى فيهم في سورة النبأ (آية 40):‘‘ إنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابَاً قَرِيبَاً يَوْمَ يُنْظُرُ المَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابَاً ’’.
والله تعالى أنزل قرآناً إلينا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه إبلاغٌ وإنذارٌ ، لنتفكّر ونُعْمِل به عقولنا ، فنعمل بما جاء فيه ، وهذا قول الله تعالى في سورة إبراهيم (آية 52):‘‘ هَذَا بَلاَغٌ لِلنَّاسِ وَليُنْذَرُواْ بِهِ وَليَعْلَمُواْ أنَّمَا هُوَ إلَهٌ وَاحِدٌ وَليَذكَّرَ أُولُواْ الألْبَابِ ’’.
والمسلمون والمؤمنون يحمدون الله تعالى حمداً كثيراً في كل وقت أن جعلهم من أمّة محمـدٍ صلى الله عليه وسلم ، تلك الأمة المرحومة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم:‘‘ أمتي أمّة مرحومة ’’ ، ووُجِدَ في الأثر الكثير عن فضل هذه الأمة العظيمة ، وحتى سيدنا موسى عليه السلام تمنىّ أن يكون من هذه الأمة المرحومة التي فضلّها الله تعالى على كل الأمم التي قبلها. ونسأل الله تعالى أن نكون دائماً من زمرة المؤمنون والأمة المرحومة آمين.
وحتى تكون النيّة صادقة ، فإني اخترت أن تنشر هذه السلسلة من المقالات في كل يوم 27 من كل شهر تخليداً لذكرى بن أخي الحبيب المعتصم المرحوم إن شاء الله تعالى الشهيد شادي المعتصم بالله وأهب ثواب من ينتفع منها بمعلومة أو فائدة إلى روحة الطاهرة وروح والدي وأرواح المؤمنين رحمهم الله جميعاً ، وكذلك في ميزان حسنات والدتي أطال الله عمرها بالصحة والسلامة آمين. قد يتأخر النشر أو يتقدم كيفا ترى إدارة التحرير لموقع ‘‘ النخلة ’’ حسب الظرف في حينه ، وما كان لله اتصل وما كان لغيره انفصل.‘‘رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ’’(سورة البقرة 127) . وإلى لقاء آخر في منبر الرحمانيّات الربانية نتحدث فيه عن سُبل الإيمان. وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.
[1] سمر العسولي ( أم عبدالله) | جُزيت خير الجزاء | 27-05-2009
[2] مــي مصطفــــى كــامــل يوسـف الأغــا | بـــارك اللــه فيـك... | 27-05-2009
[3] Helmi Almutasim Billah Helmi al Agha | Jazaka allah | 07-06-2009