ورحل عميد العائلة في الخارج الحبيب يونس عبد نعمات الأغا جسورة
كتب د. يحيى الأغا
قال تعالى: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
فجر هذا اليوم السبت 5/1/2021 الموافق 19 من رمضان المبارك، أسلم الروح لبارئها، وصعدت إلى حيث أراد لها الله، "قل الروح من أمر ربي" أسلمها راضية مرضية، " فادخلي في عبادي وادخلي جنتي" برحمته. فاللهم يا رب العرش العظيم، اجمعنا به في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
اليوم أراد الله لروحه الطاهرة أن تصعد إليه، ضيفة عزيزةً عنده، وحق على المضيف أن يُكرم الضيف، فاللهم أكرم نزله، وأكرم روحه، وغسّله بالماء والبرد، ومُدّ له مدّ البصر، واجعل قبره روضة من رياض الجنة.
اليوم صعدت الروح التي حلّق بها في سماء فلسطين مولداً 3/9 ، ولبنان دراسة، والدوحة عملاً، والقاهرة استجماماً وراحة نفس بعد رحلة عمل طويلة، لتسكن روحك تراب مصر التي أحببتها عشقاً.
رحلت أيها الحبيب بعيداً عني وعن أحبابك، فتركت في نفسي جرحاً عميقاً لن يندمل، ففراقك صعب، ورثاؤك أصعب، ولكني مؤمن بقضاء الله وقدرة، وعلى يقين تام بأنك ذاهب لمن هو أفضل منا على هذه الأرض، عند خالقك، فالحياة نهايتها حياة أبدية في عليين بإذن الله، عند مليك مقتدر.
يا أيها الحبيب استسمحك أن أسرد جزءاً من شريط الذكريات، فذكرياتك معنا، ومناقبك الإنسانية التي تعكس أصالة في التربية، ودافعية ذاتية للشهامة ، وخصال حميدة، تمثل مدرسة في السلوكيات العليا من القيم، فيكفي أن تذكر اسم " جسورة " لتكون الإحالة إلى قامة أغوية رائعة، رائعةُ بعطائها في السرّ والعلن، وخلقها في الوفاء والإباء، وكرمها الحاتمي ، وإنسانيتها مع الصغير والكبير، والقريب والبعيد، وكم كان هذا الإنسان معطاء دون منّة.
البيت المضياف: لا أبالغ عندما أقول بأن النار لم تنطفئ في بيته يوماً، يرد بيته الجميع برحابة صدر، وابتسامة شفاه، وترحيب عالي للجميع في الدوحة ومصر، وأينما حلَّ، حلَّ الجود بين يديه.
علاقة خاصة: على مدار أكثر من ثلاثين عاماً، ازدادت علاقتنا ارتباطاً، ومحبة، وتقديراً، ربما لا أبالغ بأن أقول بأن روحه تسكن جوارحي، وهكذا هو، وربما على مدى أربعين عاماً – بعد سفره لمصر، وهو يبادلني الكلمات في كثير من المناسبات الوطنية والاجتماعية، والخاصة، فيكتنز حباً لا مثيل له لمن يُحب، ونتبادل كل هذا بروعة نفس، وسمو روح، وهذا جزء من روحه التي يتحلى به هذا الإنسان الرائع في كل شيء.
قبل ثلاثة أعوام فقدت شقيقتي الثانية- الدكتورة / حياة رحمها الله، وكان حينها في القاهرة، وأول زيارة للدوحة، قَدم من المطار لبيتي معزياً قبل الذهاب للبيت، هذه هي الدروس التي نتعلمها في مثل هذه المناسبات، وهذه هي الإنسانية التي يتعامل بها مع الجميع، فهل لنا بمثل هذا الإنسان من العائلة.
ويكفي أن تقول في الدوحة التي أحبَها حبّا شديداً " يونس الأغا" فتنساب كلمات المديح لهذا الإنسان من كل مَن تعامل معه، أو سمع عنه، وهم كثير.
اليوم ماذا سيقول " آل الخليفي" الكرام، الذين عملت معهم وليس عندهم، لأكثر من أربعين عاماً، مخلصاً وفياً، وملتزماً، ومنضبطا، حتى أصبحت شركة الخليفي من أكبر الشركات في الدوحة.
لم يعتبروك موظفاً عندهم، بل سمعتهم يقولون: يونس أبن من أبنائنا، عاصر الكبار من العائلة، وأسهم في نجاح الشركة فأصبحت واحدة من الشركات العملاقة في قطر، حتى أن حبهم انعكس علينا أبناء العائلة من كثرة مديح أبو العبد لهم، فأحببناهم ومازلنا لهذه العائلة .
اليوم ماذا ستقول عائلة الأغا في فراقك يا أبا العبد، وماذا سيقول كل محبيك في كل مكان، فقد رسمت البسمة على شفاه الجميع، الصغير والكبير، والطالب والمريض، والمحتاج والمسكين.
فالعائلة خسرت شخصية تتسم بشهامة الموقف، ورجاحة العقل، وجسدت بحيويته المعهودة وعلاقاته الواسعة والمميزة وتواضعه الجم قيماً تربى عليها أبناؤك البررة " عبد المعز، وعاهد وعمرو والصبايا، سميرة وهادية، الذين نقدّم لهم خالص العزاء وعظيم المواساة، وكذلك إلى الفاضلة الأخت فادية، والأخت ميسر.
غادرتنا في رمضان شهر الكرم والجود، الشهر الذي كنا نلتقي في الدوحة جميعاً على مائدتك في الجمعة الأخيرة من رمضان لجميع أبناء العائلة، والأصدقاء المقربين، يجمعنا محبتك للعائلة، ولأبنائها، فكان بيتك مضيافاً للزائر القريب والبعيد.
وكذلك عهدك بهذه العادة في بيتك العامر بمصر، حيث بيتك المجواد سيبقى مفتوحاً للكل الأغوي كما هو عهدنا به.
يا فلسطين، اليوم افتقدت محباً ومخلصاً لك، افتقدت إنساناً أكرمه الله بسريرة نقية، ووطنية عالية، وانتماء للوطن لا حدود له، أحب فلسطين، وأحب رجالاتها وقادتها دون استثناء وصولاً للرئيس محمود عباس.
ويا خان يونس الشهداء، اليوم تودعين ابناً باراً من أبنائك، ورجلاً قدّم الكثير لك بما أنعم الله عليه من الخير، فأياديه البيضاء أجادت الكثير من الخير على الكثير من المحتاجين.
ويا شارع " الأغا" ماذا تقول الآن وقد فقدت أحد رجالاتك البررة، وماذا يقول جيرانك وأبناء أعمامك وأخوالك، وكل المحبين في هذا الشارع العتيد.
وماذا أقول أنا، وأنا الذي انصهر في حبك، واقتدى بك منهجاً وسلوكاً، ومحبة، ووفاء، هل أجزع، يحق لي، هل أتألم، يحق لي، هل أبكي، يحق لي، ولكني سألقي بكل هذا جانباً حتى لا يأخذ مني الألم مأخذاً بالانصراف عنك، لتبقى في ذاكرتي محفوراً وخالداً، أحكي لنفسي وأواسيها بذكرياتي معك على شاطئ الوكرة، وشاطى الدوحة، والجلسات الرائعة في بيت أبو علي ناهض الأغا أيام الشتاء، هكذا كنا نلتقي أسبوعياً على مائدة الأدب عندما ينتصف ليل الخميس أسبوعياً ، يُخرج " أبو العبد " من عبائته مقالاً جديداً للأديبة الرائعة " أحلام مستغانمي، ليقرأه علينا بمشاعرها التي كانت جزءاً من مشاعره، فيذوبان في بعضهما بعضا.
رحل الصديق العزيز والصاحب الكبير، وابن العم الرائع، ليرحل معه رمز الاخلاص والوفاء، وعزاؤنا انه ترك أبناءً يحملون إرثه بكل شموخ، حيث مهد لهم دربا يسيرون عليه وينهجون مدرسته القيمية.
رحلت يا حبيبي يا أبا العبد متجاوزاً وباء كورونا، لترحل روحك دون عذاب، وتركتنا وحدنا نُصارِع أمواج العذابات من " وباء كورونا" .
مات " جسورة" وسَيموتُ غَيرهُ الكثيرون، وسَنَموت نحنُ عن قريبٍ أو بعيد، وننزِل منازِل كما نزلت، ونقف بين يدي الملِك يوم العرض، وهذهِ سُنَة الله تعالى في خلقه.
رحمك الله يا أبا العبد لقد رحلت عن عالمنا بأمن وأمان، فنمْ قرير العين، فقد أديت الرسالة على الوجه الأكمل..تجاه وطنك، وتجاه عائلتك الكبيرة " الأغا" وتجاه عائلتك الصغيرة، لقد قلت لي يوم 25/4 قبل أيام عين الله ترعاك، وأنا أقول: عين الله ترعاك، فأنت في ضيافته.