الكوفية الفلسطينية.. زيّ شعبي فلسطيني مصدر عزة وفخر لكل من يرتديها
المحاور الرئيسة.
شكر وتقدير لمكتبة قطر الوطنية، وللدكتور حمد، والقائمين على الفعالية.
زيارة شخصية للمصنع بالخليل.
تاريخ الكوفية الفلسطينية.
ارتباطها بالتاريخ النضالي، والثوري، ورمزيتها في المقاومة
لباس الأحرار في كل مكان
كوفية ياسر عرفات ورمزيتها
الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية.
الكوفية وعالم السياسة.
كيفية لبس الكوفية .
اليوم الوطني للكوفية.
كيف ومتى تُلبس.
الشعر والكوفية.
خاتمة.
بسم الله الرحمن الرحيم
يسعدني أن أتحدث إليكم من هنا من مكتبة قطر الوطنية ، هذه المكتبة التي تُعتبر معلماً ثقافياً مميزاً، بها تزدان المدينة التعليمية لاحتضانها أكثر من مليون عنوان لكل الفئات العمرية، ولثقافات متنوعة.
كما ويسعدني أن أقدّم الشكر والتقدير لسعادة الدكتور / حمد بن عبد العزيز الكواري رئيس مكتبة قطر الوطنية، ولكل القائمين على الأسبوع الثقافي الفلسطيني وأخص الأستاذة / رنا العاني.
إن تخصيص مساحة للكوفية الفلسطينية، ضمن الأسبوع الثقافي الفلسطيني والتي تقدمها مكتبة قطر الوطنية للمستمع والمشاهد على السواء، تعكس لغة التنوع الثقافي والفكري الذي تتبناه المكتبة، راجياً أن تكون هذه الندوة بما سنستمع إليه، إضافة جديدة في إثراء الموضوعات الثقافية التراثية الأصيلة في المجتمع الفلسطيني.
وأحب هنا، قبل أن أستعرض الموضوع، بأنني تشرفت بزيارة للمصنع الوحيد الموجود في مدينة خليل الرحمن بفلسطين عام 2017واطلعت على سير عملية صناعة الكوفية، بدءاً من التجهيز لها، بإعداد الخيوط التي يتم استخدامها بلونيهما الأبيض والأسود، وصولاً إلى تقطيعها حسب الحجم المعتمد.
الحرباوي، مصنع الكوفية الأخير في فلسطين - رصيف 22
وحتى نستطيع أن نضع الأمور في نصابها، فإن أصلها، أو مصدرها، فإن لاسمها "-الكوفية- نصيب من المدينة التي تُنسب إليها، وهي مدينة ( الكوفة) بالعراق، حيث عُرفت زمن العباسيين والأمويين، وكما يعلم الجميع، فإن الأمويين لهم شعر أبيض، والعباسيين لهم شعر أسود، فكانوا يضعون على الرأس ما يُشبه الكوفية بلون أبيض وأسود، ثم بعد ذلك أصبحت بلونين، الأسود والأبيض، ولكن السواد يطغى على البياض، وهذه تُسمى الكوفية العراقية، أما في فلسطين فأنها تختلف، حيث الأبيض يطغى على الأسود، أمَا كيف وصلت إلى فلسطين، نقول بأنها وصلت إلى فلسطين زمن الانتداب البريطاني، حيث كانت البلاد مفتوحة على بعضها دون حواجز أو حدود،
وقد لبسها الريف السوري، ولكنها أخذت الشكل النضالي والثوري في فلسطين، فأصبحت جزءاً من مكوّن الحياة فيها، وتحديداً منذ الثورة العربية الكبرى في فلسطين عام 1936.
"الاشي اللي بالصورة المرفقة ومع تداوله ولكن مش كوفية فلسطينية. ولكن اللي ظهر بالبرونز هي كوفية فلسطينية زي اللي كان بيلبسها ابو عمار.…
الكوفية العراقية الكوفية الفلسطينية
والشعب الفلسطيني كما تعلمون كغيره من شعوب الأرض، صاحب حضارة وتراث، وله ما يميزه عن غيره من الشعوب أدبهم ومأكلهم وملبسهم، فنقول هذا أدب فلسطيني مقاوم، وهذا طعام فلسطيني، وهذا زي فلسطيني، وهذا ثوب فلسطيني، أو كوفية فلسطينية، وهكذا باقي شعوب الأرض.
والكوفية وشاح أبيض وأسود يوضع عادة حول الرقبة، أو مع العقال على الرأس. أو حسب الموقف، والمناسبة، ثم أصبحت الكوفية الفلسطينية رمزا وطنيا فلسطينيا، وتجاوز استخدامها المنطقة العربية، واكتسبت شعبية بين الناشطين المتضامنين مع الفلسطينيين في الصراع مع إسرائيل بين الأفراد والساسة وخاصة في المحافل الدولية.
والكوفية أو أي ملبس هي رسائل سياسية واجتماعية دالة على مضامين، لها رمزيتها، وليست مجرد أغطية للستر أو التزين بها، وفي موضوع الكوفية تحديداً، لها رمزية خاصة.
وسابقاً كان الرجال في فلسطين يلبسون " طربوشاً أحمر فوق الرأس، حماية له من الشمس، كما أن النساء يلبسن الثوب الفلسطيني المعروف عربياً وعالمياً.
ومع مرور الزمن ارتبطت الكوفية الفلسطينية بالتاريخ النضالي الفلسطيني ارتباطاً عضوياً ومازالت، وخاصة بعد أن تخلى الرجال عن الطربوش لأسباب لها علاقة بالثورة، حيث تذكر كتب التاريخ أن الفلسطينيين عندما تخلوا عن الطربوش كان لتخفيف الضغط على الفدائيين من الاعتقال، ولحماية الثورة والثوار من النيل منها، بعد أن قام أحد الفدائيين بعملية عسكرية، قَتل وجرح عدداً من الجنود البريطانيين، وهرب أحدهم إلى قاعدته، وأخبر قائد القاعدة بأن مَن قام بالعملية هو رجل ملثم بما يشبه غطاء الرأس، فبدأ البحث عنه في كل مكان، فما كان من قيادة الفدائيين إلا أن أصدرت بياناً للجميع بالتخلي عن الطربوش، ولبس الكوفية حتى لا يتعرف الجنود على منفذ العملية، وانتشرت بين الناس مقولتين " الكوفية بخمسة قروش، والندل لابس طربوش، والثانية، الحطة والعقال بسبعة قروش، والعرص لابس طربوش" وفعلاً اعتمر الجميع بها للتخفيف عن الفدائيين.
فأصبحت منذ ذلك التاريخ، رمزاً مسانداً للثورة في مقاومتهم للمحتل، ولاحقاً للتعبير عن التحدي، ورفضاً للظلم والقهر والاضطهاد، وأخذت طريقها في الانتشار في جميع المناطق الفلسطينية، ويعتمرها الفلسطينيون في كل المناسبات، الاجتماعية والسياسية، وفي الحقول الزراعية والأرياف.
ومن الواضح فإنها مربعة الشكل ( 120سم x 120سم) ويزين محيطها شراشيب، وتُصنع من الحرير أو القطن أو الصوف.
لقد أخذ ارتداء الكوفية صورة جلية في المجتمع الفلسطيني حتى ولو كانت بدون عقال للجنسين على السواء، ويتم وضعها بأشكال مختلفة، فمنهم من يضعها على الرأس، ومنهم من يضعها على الكتف والصدر، ومنهم من يلفها على الرقبة، وفي كل الأشكال، تعكس رمزية وطنية للمتلحفين بها.
ففي عام 1974 اعتمرها الرئيس الفلسطيني، ووقف أمام العالم في الأمم المتحدة، وخاطب الجميع باعتزاز، فأصبحت منذ ذلك التاريخ أكثر انتشاراً بين فئات المناضلين في كل مكان، بل وأصبحت جزءاً من الذاكرة البصرية المرتبطة بنضال الشعب الفلسطيني، وكرمز للمقاومة الفلسطينية.
وأحسب في هذا المقام، بأن ارتداء الرئيس الفلسطيني للكوفية الفلسطينية سواء في المواقع العسكرية متنقلا بينهم في كل مكان، وكذلك مخاطبته العالم في الأمم المتحدة، تعكس رسالة ترمز إلى أن الثورة المعاصرة التي انطلقت عام 1965، ما هي إلا امتداد طبيعي للثورة العربية الكبرى التي قام بها الشعب الفلسطيني ضد الانتداب البريطاني عام 1936، فهي لم تكن موجودة أصلاً في أدبيات فتح أو أي تنظيم فلسطيني أخر.
وهنا أحب أن أوضح بأن الرئيس الفلسطيني لم يكن يضعها دون أن يكون لها مدلول وطني، فكما كانت حياته رمزاً للثورة، فأيضاً الكوفية عندما يضعها، تأخذ شكل قبة الصخرة من أعلى،
وعندما تنسدل على كتفه الأيمن، فإنك ترى خارطة فلسطين بشكل أو أخر.
وسنتناول طريقة لبسها لاحقاً، وماذا تعني، أو ما رمزية ارتدائها .
من الانتفاضة الأولى " الحجارة"
وإذا ما انتقلنا إلى الانتفاضة الفلسطينية الأولى " انتفاضة الحجارة" عام 1987 وكذلك الثانية،
انتفاضة الأقصى عام 1988، كانت الكوفية هي العنوان، والحجر والعلم والزجاجة الحارقة، فقد تلثّم بها الشباب والشابات، بل والكل الفلسطيني بمن فيهم الأطفال لتغطية الوجه حتى لا يتعرف عليهم أحد، وحماية لهم كذلك من قنابل الغاز، والروائح الكريهة التي كان جنود الاحتلال يطلقونها عليهم.
انتفاضة الأقصى.. روح الثورة الحاضرة بعد 17 عاما - المركز الفلسطيني للإعلام
من الانتفاضة الثانية " الأقصى"
لقد أخذ شعار " اعتمر كوفيتك واتبعني" هو المحرك الرئيس للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، فتحولت الكوفية من كونها غطاء للرأس إلى رمز للمقاومة، بل وأصبحت جزءاً من التراث الفلسطيني يتساوى مع الإبرة الفلسطينية في خياطة الثوب الفلسطيني
عريقات: غدا نبحث اتخاذ قرار تحديد العلاقة مع اسرائيل
ولم يقف الأمر عند شباب الانتفاضة، بل دخلت عالم السياسة، وكان لتأثيرها على طاولة المباحثات على الطرف الآخر مساوٍ لمن يتلثم بها في ميدان المقاومة، فعندما اعتمرها المرحوم د/ صائب عريقات ( صورة لصائب) أثناء جولات المباحثات الفلسطينية الأردنية المشتركة طالب رئيس الوفد الإسرائيلي بألا يدخل د / صائب قاعة الاجتماعات وهو معتمرها، فرفض طبعاً د صائب هذا الطلب. وكأنها رسالة منه، بأننا نحاربكم في السياسة، كما الميدان من أجل هدف واحد، وهو التحرير وإحقاق الحق.
وهنا ملك السويد وحرمه يعتمراها، تعبيراً عن تضامنهما مع الفلسطينيين، وهي رسالة إلى الطرف الآخر بلغة بصرية.
وهذه صورة أخرى من المناصرين لفلسطين في الأمم المتحدة.
وقد كانت وما زالت تُثير استياءً لدى إسرائيل عندما يعتمرها أي فلسطيني أو غير فلسطيني من المناصرين للقضية الفلسطينية.
وتجاوز وضعها على الرأس والكتف، إلى لفّ الشهيد الفلسطيني بها من ناحية الرأس إلى مثواه الأخير، وهذه رمزية أخرى تضاف إلى رمزيتها الثورية.
فالكوفية مكانها الرأس أو الصدر، ولا مكان سواه، فلا توضع غطاء لمنصات أو على الطاولات لإلقاء الكلمات أو الخطب ، ولا توضع أيضاً أسفل الخصر لأداء حركات تُسمى لدينا " الدبكة الفلسطينية". وهنا أوصي بذلك حتى تبقى منصة للمقاومة الفعلية، وليس للخطب
هذا اللباس - الكوفية - ما زال منتشراً في القرى والتجمعات العربية البدوية وخصوصاً في منطقة النقب، كذلك في قرى الضفة الغربية وقطاع غزة وخصوصًا بين الفلاحين، وكما يقول أحد كبار السن كانت ومازالت الكوفية والعقال رمزًا لكبرياء الرجل ، وأقصى درجات الإهانة والتحقير أن تأخذ عقال أحدهم عن رأسه وتلقيه أرضًا، هي لحظات أهون منها الضرب بحد السيف، وكانت كفّارة عمل كهذا دفع تعويض كبير ومراسم صلح، أو العداء والصدامات ومحاولات الأخذ بالثأر.
يوم الكوفية في المدرسة الفلسطينية بدولة قطر
ونظراً لمكانتها، وما تمثله من رمزية نضالية، فقد حددت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية يوماً وطنياً للكوفية بتاريخ 27/11 من كل عام، وهذا اليوم يناسب ذكرى إعلان الاستقلال، حيث يرتدي الفلسطينيون الكوفية دون استثناء، باعتبارها رمزاً موحداً للجميع، وليعيد تعريف
النضال من خلال لبسها، مع إقامة الفعاليات المصاحبة لهذا اليوم، وربطاً للأزمنة النضالية بدءاً
من الثورة، وصولاً إلى الانتفاضتين، وغيرها من المناسبات المركزية للفلسطينيين، وليكون يوماً يستشعر به الفلسطينيون بالحرية وتعزيز الوعي الوطني الجمعي لدى الناشئة، مع إطلاقها رسائل رمزية للاحتلال الإسرائيلي.
هكذا أصبحت الكوفية مجمّعة للفلسطينيين في الداخل وفي الشتات، ونظراً لِما تمثله من أهمية كبيرة وما ترمزه من معانٍ ودلالات وتأثيرها المباشر على المحتل، أراد أن يسلب هذه الرمزية المضمون، ويحوّلها إلى مجرد لباس يوضع في أي مكان، فعمل بكل الطرائق على سرقتها بأسلوب أحسبه ماكراً، كما سرق ويسرق الأرض، والتراث وذلك من خلال طمسٍ لمعالمها، بتغيير ألوانها لتدخل عالم الموضة بدلاً من عالم المقاومة، فأدخل ألواناً مختلفة عليها ( صورة).
وتحولت من اللون الأبيض والأسود إلى مزيج من الألوان، ولا ننكر بأن هذا اللون انتشر كثيراً بشكل كبير عندما دخل عالم الموضة العالمية، ولكن كل هذا لم ينل منها، ولا من شكلها الأصلي، فيقول الشاعر محمود درويش:
ولون الشعر فحمي
ولون العين بُني
وميزاتي على رأسي
عقال فوق كوفية.
وإذا أردنا أن نقف على آليات اعتمارها، والأشكال المختلفة التي يتم وضعها على الجسم، فإنها لا تأخذ شكلاً واحداً، بل يتم لبسها حسب الزمان والمكان والمناسبة:
فمثلاً: الرسمية: يتم وضعها على الرأس وتحتها أحياناً قحفية لتثبيتها، ومن ثم عقال فوقها وقمباز
أبو عمار: ولها مدلولاتها كما تقدم.
الثائر : في ميدان المواجهة مع المحتل: صورة للشباب والفتيات
في العمل: توضع على الرأس حماية من الحرارة، وفي المزارع.
في المناسبات : على الكتف والصدر على السواء، في المناسبات
أما لدى السيدات فتأخذ أشكالاً مختلفة تجسد الفتاة من خلاها رمزية الكوفية، بتأييد الفلسطينيين في مقاومتهم للمحتل..
ونرى في الآونة الأخيرة بأنه تم دمجها مع الثوب الفلسطيني.
وفي الشعر يقول الشاعر: موسى أبو غليون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بيضا ومونسة بأسود ..
موشحا وبرجال محمية
هالكوفية العربية ...
فيها مجد وحريـــــة
فيها وفيها وشو فيها...
فيها أرض وهوية
لما لبسناها ثوار ...
وايد بتتحمل هالنــــار
وايد بتحمل كوم حجار...
وصفونا إرهابية
كوفية أبو عمار...
فيها التحدي وإصـــرار
لما العادي بشوفك...
بتصيبو قشعيريــــة
رحمة ربي عالختيار...
ياسر يا بو كوفية
كوفية وفيها الإصرار...
ولقد رأينا في الآونة الأخيرة وبعد انتشار وباء كورونا، استخدم الفلسطينيون كمامة من خيوط الكوفية، لرمزيتها:
وفي جميع الأحوال: تبقى الكوفية رمزاً من رموز السيادة والهوية والوجود والثورة، يعتمرها من يعتمرها على الرأس، أو الصدر، أو ملثماً بها، حيّاً أو ميتاً، فهي الموحد للشعب الفلسطيني، وهي اللغة المشتركة بينهم في الداخل والخارج، وحيث ما هو، فهي عنوان الثورة، والمقاومة.
فهي كوفية فدائيو الثورة العربية الكبرى
وهي كوفية الشهيد الرمز ياسر عرفات
وهي الحامية للشعب الفلسطيني من أوامر الاعتقال.
وهي سفير الفلسطينيين إلى العالم
وهي رمز للقضية الفلسطينية
وهي تراث للأجيال
ورمز لجميع حركات التحرر والنضال
و فخر الشعب الفلسطيني وتاج فوق رأسه
وتبقى الكوفية هي الرمز والهوية.
وقبل أن أختم، فهذا المغني الفلسطيني في الأمم المتحدة يشدو بأغنية " عليّ الكوفية" أمام الجميع، أرجو الاستمتاع بها.
وفي الختام أرجو أن أكون قد وفقت في تغطية مساحة لا بأس بها، وأضفت جديداً بشأن الكوفية
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.