مقالات

حفظة القرآن، منارات خان يونس    د/ يحيى زكريا الأغا

قال تعالى" إنّا نحن نزّانا الذكر وإنّا له لحافظون" صدق الله العظيم

ربما لمدينة خانيونس مكانة في الجغرافيا والتاريخ لا تتشابه مع أي مدينة من مدن فلسطين، وعليكم بقراءة التاريخ والجغرافيا، ولها كذلك منزلة خاصة في قلب أبنائها، اعتزازاً وافتخاراً، وحباً بل وعشقاً.

ما أن ترتحل عنها اختياراً أو قصراً، إلا وتحب العودة إليها مهما امتد بك الفِراق، وإن طال السفر، هي هكذا، مسكونة في جوارحنا، ومحفورة في قلوبنا، ومع دقات وجيبنا، وفي دمائنا.وهكذا فلسطين التي نعشقها.

كُتب علينا أهل هذه المدينة أن نحبها، وإذا سألت، جاءك الجواب مسرعاً بحديث هامس مع النفس بضرورة حُبها، هذه خان يونس مدينة الشهداء، وقلعة الأحرار، ومنبت الرجال، وحافظة الأسرار، أرضها مسك، ومواصيها خير، وأهلها طيبون، وعائلاتها متماسكون.

لم أستغرب أبدأ عندما قرأت في موقع العائلة " النخلة" أن وزارة الأوقاف تُكرّم حفظة القرآن الكريم، ولكني وجدت أن المدينة تتربع على عرش المدن  من حفظة القرآن قياساً بعدد سكانها، فتكريم عدد  (147) حافظاً للقرآن هذا العام، غير الذين تم تكريمهم سابقاً في سنوات خلت، يعكس مدى ارتباط هذه المدينة بكتاب الله، وحفظه.

مدينة خان يونس التي تتكئ على صفحة مياه بحر غزة من ناحية الجنوب، تمددت بشكل كبير عما كانت عليه منذ عشرات السنين، نظراً لزيادة عدد سكانها بشكل كبير، ولكن عائلاتها الضاربة في أعماق التاريخ، المتجانسة في مكونها الاجتماعي والاقتصادي، سواء الذين تأثروا بالنكبة، أم الذين كانوا يعيشون على أرضها،  يمثلون حجر الزاوية في  مكوّن فلسطين بشكل عام، فجميعهم توزعوا في جغرافيا المدينة بشكل كبير، وتجانسوا مع بعضهم البعض الأخر، وتناسبوا، وتناسلوا، وتزاحموا في المدارس، والجامعات، والمعاهد، وكذلك بالخريجيين في جميع التخصصات التي تحتاجها المدينة، وتحتاجها فلسطين بشكل عام.

رجالها الراحلون منها، تركوا بصمة في مسيرة المدينة، والحاليون، يسيرون على درب من سبقوهم، ونساؤهم حرائر، وقفوا ومازالوا مساندين  بقوة لرجالهم، أما شبابهم، فهم منارات على طريق العزة والكرامة، العزة المستمدة من فلسطينيتهم، والكرامة من انتمائهم لفلسطين،  على مدار عقود خلت، عانوا معاناة شديدة، ومروا بتحديات أحسبها صعبة، ولكنهم تجاوزوها بعزيمة وإصرار، وإباء.

يشهد عليهم ظلم الاحتلال، وقسوة المعاملة، ودماء الشهداء على جدران القلعة، واختلط دمهم بتراب المواصي عام 1956 وفي مثل هذه الأيام تحديداً 3/11/1956،  ولكنهم صمدوا، ووقفوا كالطود في وجه المحتل، وأصبحوا عنواناً للتحدي والصمود، وسُميت بمدينة الشهداء حيث فقدت في أيام معدودة قرابة (700) شهيد فكانت ومازالت أكبر مجزرة في تاريخ فلسطين.

إن خانيونس كطائر العنقاء، يخرج من الرماد أكثر عنفواناً وقوة، وقف أهلها بشيبهم وشبانهم، ونسائهم، ليستمدوا القوة من الله، ومن دم الشهداء، ومن تاريخهم، وتراثهم، وفلسطينيتهم، ليزدادوا قوة ، وها هم اليوم يواصلون الدرب من أجل بناء حياتهم، فتوزعوا في أنحاء العالم من أجل بناء المستقبل.

بعيداً عما يعانيه أبناء المدينة كغيرها من مدن القطاع بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعيشها الجميع، إلا أنهم لم يستسلموا للواقع، فأردوا التعلق بالله، وبكتاب رب العباد، ليكون لهم نبراساً وهدى.

إنني وما أن قرأت  خبر التكريم  (147) حافظا لكتاب الله ً،  استشعرت أن هذه المدينة محفوظة بحفّاظ كتاب الله، محفوظة بشبابها وشاباتها، ورجالها ونسائها، وشيوخها، والقائمين على تحفيظ كتاب الله، سواء في المساجد، أم في البيوت.

إنني ومن منطلق ما أكرمني الله من حب لكتاب الله، فأقول لكم أيها الحفّاظ :

هنيئا لكم بكرم الله لكم،  فقد عمّرتم قلوبكم بكتاب الله، وأقبلتم على مأدبته التي لا تنضب،  والتي بها علو المكانة، والرفعة،  فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: (إن هذا القرآن مأدبة الله فخذوا منه ما استطعتم ، فإني لا أعلم شيئا أصغر من بيت ليس فيه من كتاب الله شيء، وإن  القلب الذي ليس فيه من كتاب الله شيء خرب كخراب البيت الذي لا ساكن له).

هنيئاً لكم، فقد عقدتم العزم ليكون القرآن ربيع قلوبكم، فحققتم ذلك، وضياء عقولكم، فاستجاب لكم الله،  والفوز في الدنيا والأخرة، وأرجو لكم من الله ذلك.

يا حفظة كتاب الله من أهل مدينتي الغالية،  مبارك عليكم حفظ كتاب الله،  وهنيئاً لكم ولوالديكم، وليجعله طريقكم  إلى الجنة .

فاللهم انفع حافظ القرآن نفسه، وأهله، ووطنه، واجعلهم ممن يستمعون ويحفظون ويعملون به، وأن يلبسهم  لباس التقوى والعفة والعفاف، ويجعلهم من أهل الفردوس الأعلى. اللهم أمين أمين.

كما وأتقدم بالتهنئة لأكثر من (70) عائلة من عائلات خانيونس لحفظ بعض أبنائهم  كتاب الله، وما أرجو أن تقوم كل عائلة بتكريم أبنائها تكريماً يليق بكتاب الله.

كما وأسجل هنا بكل فخار والشكر والتقدير  للسادة الكرام من أبناء عائلتي  الأحبة ( الأخ رامي/  وابنتيه رزان، ونهيل، والأخ / محمد زكي  وابنته ريم، والسيد / بلال عدنان ، وابنته  دانا، والسيد  محمد أمين، وابنته مروة، والسيد/ سعد عاشور، وابنته سندس، والسيد / محمد عدنان وابنته رنا، والسيد  / بشار عيسى وابنته رنا.

هذا الجيل، هو استكمال للجيل السابق الذي حفظ القرآن الكريم، وتم تكريمهم في حفل العائلة السنوي بما يستحقون من تكريم، فبارك الله فيكم وعليكم، وفي العائلة التي تتبنى هذا التكريم، وفي موقع العائلة الرائد الذي يُبرز هذه الأنشطة المتميزة للعائلة، وللعائلات الأخرى.

اضغط هنا للتواصل أو التعرف على السفير يحيى زكريا إسعيد حمدان الأغا

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد