أبو رامي معلّماً بقلم: المنتصر بالله حلمي الأغا
الأستاذ /عمر عودة الآغا
قد يكون من الصعب الكتابة عن إنسان وترجمة بعض الأشياء عنه ، وخصوصاً إذا كنت منقطعاً عنه مدة كبيرة من الزمن فتصبح - وأنت تعرفه - كأنك غريباً عنه . وها أنا أكتب أقل القليل عن استأذنا الكبير الإنسان عمر عودة الآغا أبو رامي أطال الله عمرة بالصحة والعافية عرفاناً له بما علّمنا بالرغم من انقطاعي الطويل عنه ، وأترك هذا الباب مفتوحاً لمن هو يكون ألصق وأَعْرَفَ به أو قريباً منه ، وهو يستحق وجدير أن يكتب عنه ، فهو المعلّم للكثيرين من أبناء العائلة والبلد عموماً ، وخصوصاً أنّه كما عرفته من الذين يحملون حبّاً واحتراماً لأبناء عائلته بل للجميع . وأقول أنه جدير أن يُكتب عن الكثيرين من أمثاله من أبناء العائلة الكريمة كلٌ في سجاياه ، فهناك المعلّم ، وهناك العَلَم والكبير . وأنا هنا اُثنِّي على دعوة أبا خلدون الأستاذ نبيل خالد في كتابة تأريخ الكثيرين من أبناء العائلة الكرام الذين قدّموا الكثير من عمرهم وحياتهم لعائلتهم وغيرهم ولبلدهم ، فمن عرفهم تترسخ عنده المعرفة وتزداد ، ومن لم يكن يعرفهم يصبح عارفاً بهم . أمّا هنا فأقول أنني قصدت أن يكون العنوان كما هو أعلاه ( أبو رامي معلّماً ) لأنه كان فعلاً معّلِّماً بمعانيها ، فقد كان معلّماً ولم يكن مدرساً أو أستاذاً لمادة اللغة العربية فقط .
أبو رامي ، أرى صورته في موقع النخلة في بعض الأحيان وأسْعَدُ بهِ متحدثاً في المناسبات المختلفة ، فأتذكر وقفته في الفصل أمامنا نحن تلامذته في المرحلة الإعدادية - وقد مضى على ذلك أكثر من أربعين عاماً - وأنا شخصياً ومعي كثيرون حُرمنا منه في المرحلة الثانوية لانتقالنا إلى المدرسة الثانوية شرق البلد ( العلمي ) و بقي في مدرسة القسّام الثانوية ( الأدبي آنذاك ) ، ثم انتقل إلى ثانوية الإناث مديراً كما اعلم ، وقد سعد به كثيرون غيرنا .
كان أبو رامي أول من علّمنا اللغة العربية بكل معانيها في المرحلة الإعدادية ، - وللأسف نسينا الكثير منها - وكان أول من علّمنا قواعد اللغة العربية وأساسيّاتها ، وعلّمنا الكتابة والتعبير بأسلوب جميل كان يتميّز ويتمتع به وما زال كما اعتقد ، ولا أظننا نرتقى إليه الآن .
كان درس التعبير من أحب الدروس إلينا - على الأقل أنا شخصياً وقليل من الزملاء - ، فكان في درس التعبير تتجلى عنده عبقرية اللغة العربية ، وكنا في بعض الأحيان نحاول تقليده في كتابته لموضوع التعبير ( الإنشاء ) أيٍ كان الموضوع . ولا أستطيع نكران فضله في هذا ، وكنت مع بعض الزملاء في الفصل نتنافس على أعلى علامة ، وكان من بين الزملاء معنا في الفصل أخيه خالد الذي كان من الأصدقاء المقربين آنذاك ، وفرقتنا وأبعدتنا الأيام ، أطال الله عمر الجميع بالصحة والقوة . لم نشعر يوماً أن معلّمنا الأستاذ عمر يميز أخيه خالد عن غيرة من الطلاب والتلاميذ بميزةٍ أو مكانةٍ ، بل كان يعامله مثل كل التلاميذ ، وكان يُعاقب إذا استحق العقاب ، والثناء إذا استحق الثناء .
كان أبو رامي ، ولم يكن آنذاك أبا رامي فلم يكن قد تزوج بعد ، بل كان الأستاذ / عمر عوده أطال الله عمره وحفظه لأبنائه وعائلته وحفظهم له يأتي باكراً إلى المدرسة وربما قبل تلامذته بالرغم من سكناه البعيد نسبياً عن المدرسة في السطر ، وقد يأتي ماشياً تلك المسافة . كان يحب مهنته فأحبَّ تلامذته ، وكان تلامذته يحترمونه ويحبونه ، وقليل آنذاك من الأساتذة كان يستطيع أن يكسب تلك الخصلتين ، الاحترام والحب ، فبعضنا آنذاك كان يحترم بعض المدرسين لأننا كنا نخاف منهم ولا نحبهم ، أمّا أبو رامي فقد كان يبادل تلامذته الحب بالحب والاحترام بالاحترام ، نفس الشعور والأحاسيس ، فلم تكن لديه الفوقية والتسلط على تلامذته الصغار - آنذاك - ، كان مخلصاً لهم في عطاؤه ، بارّاً بهم ، من أجل هذا كان له المكانة المميزة عندهم .
كان في كثير من الأحيان يحمل دفاتر الواجب لتلامذته أو ما كنّا نسميه آنذاك ‘‘ الوظيفة المنزلية ’’ إلى بيته المسافة الطويلة لتصحيح الواجبات المدرسية ليعيدها إليهم في الدرس القادم أو اليوم التالي ، وكان يمكن أن يصححها في المدرسة في وقت فراغه أثناء الدوام المدرسي ولكن قد يتأخر إعادتها للتلاميذ . وكان كثيراً ما يقف خطيباً في طابور المدرسة الصباحي ، وربما أدركنا بعد سنين ومرور الزمن المعاني الجميلة من تلك الوقفة . فقد كان وأظنه ما يزال مخلصاً وفياً لتلامذته ومهنته التي رفعت من قدره ومقامه ، وبعد هذا العمر المديد إن شاء الله تعالى انتقل إخلاصه ووفائه إلى أهله وعائلته بل إلى أهل بلده جميعهم ، فنراه يقف بينهم خطيباً بكلامه المميز ، ففي الفرح يشاركهم فرحهم ويسعدهم ويدعو لهم ، وفي أتراحهم يشاركهم أحزانهم فيصبرهم ويختم بالدعاء ، وما أجمل هذا .
في المدرسة - آنذاك - كان أبو رامي يمسك عصاه المميزة من شجرة اللوز أو الليمون ! يشير بها ولا أذكر أنه ضرب بها أحداً ، وكانت له مشيّته المميزة ، وربما أتذكر الآن أنه كان فيها نوعاً من الفخر والزهو والاعتزاز بالنفس . كان كلامه ينساب من بين شفتيه ناعماً قوياً ، والإشارة بيديه أو سبابته تعكس وتعبر عن معاني الكلمات ، يعلمنا الحرف والكلمة والجملة ، وكان أول من علّمني وعلم الكثيرين غيري الكتابة ، فكان خير معلّم ، وكان أحسن معلّم ، كان في الدرس يتكلم باللغة العربية الفصحى بطريقة جميلة يحببها إليك ، وأقول أن له الفضل الأول في قدرتي المتواضعة على الكتابة وربما غيري كثيرون مثلي . وها هو اليوم نراه خطيباً مفوّهاً في كل المناسبات الأفراح والأتراح ، فكلماته قوية وجميلة ومؤثرة ، فيها ما قلَّ ودلَّ من الكلام ، وبأسلوبه الجميل يجذب انتباه مستمعيه .
كان أطال الله عمره بالصحة والعافية ، يطلب من احدنا الوقوف فيسأله عن اسمه ، وإذا بدأ التلميذ بالنطق باسمه أكمل هو الاسم حتى ربما الجد الخامس أو السادس ، وكأنه قاموس في معرفة الأنساب ، فيقول له : أنت فلان بن فلان بن فلان وهكذا حتى سادس أو سابع جد ..... .
ما زلت أذكر عندما كنت أعود إلى البلد من غربتنا القصرّية في بعض الأوقات في الصيف وكثيرون مثلي ، كان من أوّل القادمين للسلام والتهنئة بسلامة الوصول ، وهكذا كان مع الجميع القادمين أو المسافرين لوداعهم ، فقد كان وفياً لنفسه وأهله وعائلته ومن يحبهم ويحبونه ، وهو هكذا اليوم كما عهدناه ... نراه في الأفراح أو الملمات يقف خطيباً ومتحدثاً ، فنراه مسترسلاً بأحلى الكلام ، يعطي المناسبة حقها وبما يناسبها .
أطال الله عمرك أستاذنا الكبير والجليل أبا رامي بالصحة والسلامة ، وفقك الله وجعلك ذخراً لأهلك وعائلتك ، وبارك الله تعالى فيك وفي أبنائك وأهلك ، وجزاك الله تعالى عنا خير الجزاء .
تلك وقفة قصيرة من العرفان ، وأسأل الله تعالى أن يكون كل ما علمتنا من خير في ميزان حسناتك ، اللهم آمين ، وأرجوك أن تسامحنا إن نسينا أو أخطأنا في رفع المنصوب أو نصب المرفوع أو تنوين المجرور ! ، فنحن لن نكون مثلك ، ومن مِثْلك أبا رامي إلاّ أنت . وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين .
|
[1] حمدان فريد حمدان الأغا | تعليق | 20-10-2009
[2] عيسى حامد حسين الأسطل | الأستاذ الفاضل أبو رامي | 20-10-2009
[3] نائل اسامة صبحي الاغا | الاسطورة | 20-10-2009