مجيد الأغا أو المكلل بالاحترام في طريقه الى الموت" لروحه في ذكرى وفاته الأولى "
ان الموت حق هكذا هو الأمر وببساطة ، أما الناس فبمقدورهم فقط أن يتألموا ويرتعدوا من هذا الحق الحاسم الذي لا يمكن تفاديه بأي حال ، غير أن هناك فروق بين موت وموت تتحد بماهيه الموت وسياقه وما يحيلنا اليه الموتى من استذكار لمعانيهم التي تركوها لنا بعد أن يذهبوا ونودعهم الثرى بعهده خالقهم العظيم .
وفي هذا النحو لم نذهب مع مجيد الأغا في مشواره الأخير بمشاعر الفقد والحزن والأسى فقط، لقد كنا أيضا برفقة حشد من المعاني الطيبة التي تركها فينا ولنا الراحل الكبير : طيف من رهافة الحس والنظرة ، ولياقة عالية ، ودماثة خُلق (تشير لمنشأ شخصي وعائلي له صلة طيبة بالأصول والقيم) ، وذكاء موفور ، وقدرة على ابداء الأسى النزيه على من كانوا يَضيعِون في طريقهم لأنفسهم .
ورغم ما أصاب حياة الفلسطينيين من تقلبات وانقلابات وتحولات وانفلاتات في الأوضاع والأحوال، وتدهور خارطة القيم والأصول ، الا أن مجيد الأغا ظل معادلا لنفسه ومخلصا لقيمها الأصلية ، ولم ينبت أو يخرج عليها أو ينقلب . وقد كشف في هذا المستوى عن حزم ويقظة وتجنب شديد للالتباسات .
وفي منعطف قاس يطوينا بلا رحمة ، منعطف يهتكنا ويدمر المعاني والصور ويسلمنا للغبار والسأم والركام ، ثمة رجال ( قليلون بكل حال ) يذهبون الى نهاياتهم وهم مكللون بالاحترام وجدارة الاعتراف ، وهكذا ذهب مجيد الأغا .
* * * ...لا يرى الناس والعالم على نحو لائق ومختلف الا صاحب رؤية أصيلة للذات ووراث لأشياء ثمينة ، ولطالما كان مجيد الأغا تعبير بالغ الحيوية عن أصالة الرؤية بالسليقة وبالاختيار معا، وفي مواجهة حلف الرداءة والانحطاط والتردي والهوان كنا نعرف موقفه وموقعه بدون سؤال .
وعندما مات مجيد الأغا أثقل كاهلنا بمشاعر الفقد وكان قد أثقل كاهلنا في حياته من فرط لطفه وترفعه وترفقه وعنايته بما كان أخرون يرمونه وراء ظهورهم .
...رجل كريم أخر كان يجد تحققه وراحته الخاصة والعالية من خلال قدرته على تكريم الجديرين بالكرم من الناس وكان صاحب قدرة مميزة في ذلك تشير لما يسكن جنابته من كرم فائض، تركنا ومضى مكلل بالاحترام.طوبى.... وهنا فما من عظمة تفوق عظمة القول" انا لله وانا اليه راجعون "
* كاتب واستاذ جامعي من فلسطين
|