حصـــاد الجــوارح
حمزة نبيل خالد الأغا
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد طه الأمين،أما بعد،
ما دفعني لكتابة هذه المقالة هو ما رأيته في الفترة الأخيرة من كثير من تصرفات وأقوال وأفعال واعتقادات يفعلها الناس دون اكتراث أو انتباه لخطورة ما يقومون به. معللين ذلك بفتوى سمعوها أو في كتاب فراءوها أو عن صديق تناقلوها. دون محاولة التأكد من صحة الفتوى. وربما ما يزيد الأمر خطورة هو التحجج دائما بقول "على ذمة الشيخ فلان" وما أدراك ما هي ذمة الشيخ فلان؟ وان لم نكن متأكدين مما يقوله فلان أو ما نتناقلة عن فلان، فلم النقل بحد ذاته؟ ولم نأخذ بها ان لم نكن متأكدين منها! او اننا اصبحنا مثل الببغاء يردد الكلام دون فهمه؟!
ولم نحن دائما اجرء مانكون الا على الدين؟ فعندما يتعلق الأمر بالسؤال عن حكم مسألة في الدين فلا نجد اكثر من المتبرعين بالجواب، من يفقه ومن لايفقه بأمور الدين، وكأنها مسألة يستطيع الإجابة عنها كائنا من كان! ام أصبح أطلاق لقب الشيخ ملتصق بكل من اطلق لحيته او أطلع على بعض كتب الدين؟ وما أكثر ذلك في اجتماعات الأصدقاء والأقارب او الرحلات. فهل يا ترى ستكون ردة الفعل نفسها ان كان السؤال عن أمر بالفيزياء او الطب؟ قطعا لا! بل سيؤول الأمر الى أهل الاختصاص. فلم لا نرد أمور ديننا وهي اولى بأن ترد الى من هم فعلا أهل الاختصاص!
الامور الدينية في هذه المقالة ليست من كتابتي، فأنا لست بشيخ او محدث، بل حتى أفضل ان يقال عني ناسخ، نسختها من كتب اهداني اياها شيخي الذي تربيت على يديه منذ الطفولة ومن باب النصيحة والتعلم أحببت أن أطرح أمرا مهما، هذا الأمر أشار اليه العلماء في كثير من كتبهم وهو التحذير من الوقوع في الردة والعياذ بالله، فالردة هي قطع الإسلام والعياذ بالله إما بقول أو بفعل أو باعتقاد، ولأن من وقع في نوع من أنواع الردة ومات عليه يخلد الخلود الأبدي في النار بدليل قوله تعالى: {إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيرا} (سورة الأحزاب 64-65).
وأسأل الله ان يكون لهذه القالة من النفع الكثير لكل من يقرأها ويعلمها وينشرها بين الناس.
الردة وأقسامها (أقسام الكــفر)
والرّدة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: أفعال وأقوال واعتقادات كما نصّ على ذلك العلماء.
فالردة هي الرجوع عن الحق، عن الإسلام إلى الباطل، إلى الكفر والعياذ بالله إما بقول كمسبة الله أو النبي أو أي نبي من الأنبياء كسيدنا عيسى وموسى، أو الاستخفاف بالشريعة أو القرءان أو الصلاة أو الصيام، أو كالاعتراض على الله أو الاستهزاء بالملائكة الكرام أو شتمهم كمن يشتم ملك الموت سيدنا عزرائيل عليه السلام، وهذا النوع أي الكفر اللفظي هو أكثر أنواع الكفر إنتشارا، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "أكثر خطايا ابن ءادم من لسانه".
كثير من الناس ما يقع في هذا النوع من الردة، فما أكثر أولئك الأشخاص الذين يتلفظون بأقوال خطيرة قد تودي الى الكفر، كثير منهم يفعل ذلك بقصد التفاخر أمام الغير أو إظهار نوع من الرجولة واثبات الذات أمام او في معظم الاحيان بقصد المزاح وإظهار خفة الظل أمام اصدقائه وان كان ذلك على حساب دينه. وان سألته او راجعته قال، ما كان قصدي...،يعني شو اطلع صغير وما بفهم قدام الناس وما أجاوب على السؤال...،او لا تكون حنبلي.... كله على النية...انا نيتي كانت صافية....الخ. فأنا على يقين ان معظمنا مر بمثل هذا الموقف او سمع كلاما مشابها بالاسواق او السهرات الشبابية او تجمعات الأصدقاء فمن الناس من يورّط نفسه في الكفر والعياذ بالله لأنّه يردّد بعض العبارات التي يسمعها من التلفزيون مثلاً. وهذا هو ما نبه منه عليه الصلاة والسلام في حديثه
"إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا (أي لا يعتبرها معصية) يهوي بها في النار سبعين خريفًا" (أي سبعين عامًا) رواه الترمذي، أي أن الإنسان قد يتكلم بالكلمة لا يراها ضارةً له يستوجب بها النزول في قعر جهنم وهو مسافة سبعين عامًا وذلك محل الكفار.
فالتساهل في الكلام الذي قد يخرج من بعض الناس بألفاظٌ تخرجهم عن الإسلام ولا يرون ذلك ذنبًا فضلاً عن كونه كفرًا .
قال الله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}.
وقال تعالى: {ومن يرتدِدْ منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} (البقرة 217).
ومن باب التحذير الواجب ان شاء الله اردت ان اسرد بعض ما بتداوله الشباب من مزاح وكلمات على ألسنتهم على سبيل الذكر لا الحصر.
1- كقول بعض الناس (الجنة من دون ناس ما بتنداس)
الجنة التي لا موت فيها ولا مرض ولا نكد ولا غم ولا هم ولا نغص ولا ظلام ولا بول ولا غائط، الجنة التي لما أخبر عنها حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم أقسم برب الكعبة، أقسم بالله العظيم أنها نور يتلألأ وريحانة تَهتز إلى غير ذلك مما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم، كيف يقولون عنها أنها لا تداس .فاحذروا وحذّروا من هذه العبارات الفاسدة واعلموا أن الكلام الذي فيه استخفاف بالجنة كفر وخروج عن دين الله .
2- وكذلك احذروا من قول بعض الناس: (كل طويل لا يخلو من الهبل) والعياذ بالله تعالى .
من الأنبياء من كان طويلاً كسيدنا آدم وهود عليهما السلام. فتبين أن هذه الكلمة فاسدة لا تقال، لأن الطعن بالأنبياء ووصفهم بالهبل ضلال والعياذ بالله.
3- التحذير من قول بعض الناس بالعامّيّة " يسلم لي ربّك " لأنّ هذه العبارة معناها الدعاء لله بالسلامة . الله تعالى منـزّه عن كلّ عيب، الله منـزّه عن النقص عن العجز والجهل والتغيّر وكلّ ماهو من صفات الخلق ، الله هو السلام أزلاً وأبدًا، فالله لا يُدعى له بل يُدعى ، أي عباده يدعونه أي نحن ندعو الله نقول اللهمّ إنّا نسألك السلامة أي السلامة لنا، أمّا من قال :" يسلم لي ربّك " هذا خرج عن الدين والعياذ بالله تعالى .وكذلك ليس بمسلم من قال لشخص ءاخر : " الله يظلمك " لأنّه نسب الظلم إلى الله ، والله تعالى منـزّه عن الظلم قال الله تعالى : وما ربّك بظلام للعبيد أو بعض الناس يقولون والعياذ بالله :" الله يفتري عليك " فهذا أيضًا لا شكّ كفر وخروج عن الدِّين
4- وكذلك يكفر من استهزأ بنبي من أنبياء الله بأن نسب إليه القبائح والرذائل كالذي يقول عن سيدنا ءادم يشبه القرود ، أو يقول عن سيدنا يوسف أنه قصد الزنى أي نوى ،او ان يقال ان سيدنا ابراهيم قد شك ولو للحظة في وجود ووحدانية الله سواء قبل او بعد النبوة. فالانبياء معصومون من الكفر قبل وبعد النبوة. أو يقول عن سيدنا موسى أنه عصبي المزاج بمعنى سيء الخلق ، أو يقول عن سيدنا محمد (نسونجي) وما أشبه ذلك.
5- من يقول: (أخت ربك)، أو (ابن الله)، فهذا يقع في الكفر ولو لم يعتقد أن لله أختًا أو ابنا لأنه شتم الله عز وجل. وكذا يكفر من يقول لزوجته: (أنت أحب إليّ من الله) والعياذ بالله تعالى. ويكفر من يقول: (يلعن ربك)، وكذا يكفر من يقول (يلعن دينك)، أو يقول: (فلان زاح ربي)، وكذلك يكفر من يقول: (خوت ربي)، ويكفر من يقول: (عايف الله) أي كرهت الله والعياذ بالله تعالى. ويكفر من يقول: (الله يظلمك) قال تعالى: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ) ويكفر من يقول: (الله يأكلك)، ويكفر من يقول: (يلعن سماء ربك)، لأنه استخف بالله تعالى. وقولهم (نيال ربك) وقولهم (يسعد لي ربك)
6-ويكفر من يقول عن الجنة: (خشخاشة الصبيان)، أو يقول عن النار: (نتدفأ بها في ذلك اليوم) فهذا استخفاف.
ويكفر من يقول: (أكون قوادًا إن صليت)، ويكفر من يقول: (صمّ وصلّ تركبك القلة)، أو يقول والعياذ بالله تعالى: (ما أصبت خيرًا منذ صليت)، وكذا يكفر من شتم نبيًا من الأنبياء أو ملكًا من الملائكة.
7-وكذا يكفر من قال لكافر جاءه ليُسْلِم: (اذهب فاغتسل ثم أسلم) لأنه رضي له البقاء على الكفر تلك اللحظة لأن الرضا بالكفر كفر والغسل ليس شرطًا في صحة الإسلام.
8 - فبعض الناس والعياذ بالله عند الغضب يتلفظ بهذه العبارات يقول لولده يا ابن الله، وليعلم ان الغضب ليس بعذر مقبول ، وبعضهم إذا راجعته قائلا : هذا الكلام فاسد أخرجك عن دين الله، عليك بالرجوع إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين يقول لك أنا لا اعتقد أن لله ابنا، يقول لك باللهجة العامية (كلمة وطلعت) أو يقول: "الكلام ما عليه جُمرك" أو يقول: شو بدكن تحاسبوني على كل كلمة؟ أو يقول ما إنتو اللي بتحاسبوني وإنما الله يحاسبني !! قل له لو لم تعتقد أن لله ابنا خرجت عن دين الله بدليل قوله تعالى: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ﴾ التوبة 74.
أما الكفر الفعلي فكرمي المصحف في القاذورات أو الدوس عليه أو على الكتب الشرعية، او القاء الجرائد او الكتب التي علم وجود اسم الله فيها، كصفحات النعي، فما أكثر ما يحدث ذلك هذه الايام. فكثير من الناس من يستخدم الجرائد والمجلات للأكل عليها بعد قراءتها ومن ثم القاءها في الزبالة دزن أي اكتراث لما هو موجود فيها. فاحذروا من ذلك ولا تأخذوا بالفتاوى التي تقول انه جائز، فهي باطلة مردودة على اهلها. فرمي تلك الاوراق في الزبالة هو تحقير واستخفاف واهانة لأسم الله عز وجل. كيف لا واسمها قمامة او زبالة او قاذورات؟
فلا يجوز رمي ورقة فيها اسم الله في المستقذر والذي يفعل ذلك استخفافا يكفر. قال تعالى: {قل أبالله وءاياته كنتم تستهزءون* لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم} [سورة التوبة]. قال ابن عابدين: يكفر من رمى المصحف في القاذورات ولو لم يقصد الاستخفاف لأن فعله يدل على الاستخفاف. وفي شرح الرّملي مع المتن: (كإِلقاء مصحف أو نحوه ممَّا فيه شىء من القرءان أو اسم معظّم أو من الحديث).
وأما الكفر الأعتقادي فكاعتقاد أن الله جسم أو ضوء أو روح أو جالس على العرش، هذا ما عرف ربه أي عبد شيئا توهمه والعياذ بالله، فالله لا يشبه شيئا ولا يشبهه شىء، (ليس كمثله شىء وهو السميع البصير)( الشورى11)، ومن صدر منه شىء مكفر يعود إلى الإسلام بالنطق بالشهادتين: "أشهد أنْ لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله".
أما إذا قال استغفر الله هذا لا يرجعه إلى الإسلام، يتشهد أولا ثم يستغفر الله ما شاء. ليس كما ينتشر بين عامة الناس فيقولون لمن صدر منه الكلام استغفر ربك. فلا يجوز الاستغفار على الكفر. بل يجب التشهد ثم الاستغفار.
وربنا تبارك وتعالى يقول في القرءان الكريم: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} (سورة البقرة ءاية/217).
بعض الأحكام التي تتعلق بالردة:
ليس كل كلام يخطر في بالنا نتكلم به، وليس كل كلام نسمعه من بعض الناس أو من التلفزيون مثلا نتكلم به، فليكن ميزاننا ميزان الشرع.
وزن بحكم الشرع كل خاطر *** فإن يكن مأمـوره فبـادر
زن الكلام بحكم الشرع قبل النطق به حتى لا تورط نفسك بكلمة قد تكون سببا لك بالهلاك والعياذ بالله. وربنا تعالى يقول في القرءان الكريم: ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾
وقال تاج الدين السبكي في مقدمة الطبقات: لا خلاف عند الأشعري وأصحابه بل وسائر المسلمين أن من تلفظ بالكفر أو فعل أفعال الكفار أنه كافر بالله العظيم مخلد في النار وإن عرف قلبه، وأنه لا تنفعه المعرفة مع العناد ولا تغني عنه شيئاً، لا يختلف مسلمان في ذلك"
فمن الأحكام التي تتعلق بالمرتد أن صيامه يبطل وكذا تيممه ونكاحه قبل الدخول وإن رجع إلى الإسلام ، أما بعد الدخول فإن رجع إلى الإسلام قبل انتهاء العدة تعود له زوجته من غير أن يُشترط تجديد عقد النكاح . وكذلك نكاح المرتد لا يصح على مسلمة ولا يهودية ولا نصرانية ولا غيرهنّ ، ويحرم أكل ذبيحته ، ولا يرث ولا يورث ، ولا تجوز الصلاة عليه ، ولا يجب غسله ، ولا يجب تكفينه ، ولا يجوز دفنه في مقابر المسلمين ، ومالُه فيء أي يصرف في مصالح المسلمين .
فهناك من الناس من يعيش عمره وهو على كفرية واحدة وهو يظنّ بنفسه أنه من خيرة المسلمين، فالحذر الحذر من ترداد أيّ عبارة نسمعها غير موافقة لدين الله تعالى ، فمن الناس من يورّط نفسه في الكفر والعياذ بالله لأنّه يردّد بعض العبارات التي يسمعها، دون ان يزنها في ميزان الشريعة.
شــرح معنى النــيـة:
ليعلم أن النية إذا خالفت الشرع فهي باطلة وكذلك العمل ، فيجب تطبيق الأمرين على ما يوافق الشرع ، فليس الأمر الذي كلف به العباد النية فقط ولا العمل فقط بل كلفنا بأمرين تحسين النية وتحسين العمل فلا يجوز أن نهمل واحداً من الأمرين ، والعجب أن بعض الناس يوردون هذا الحديث : ( إنما الأعمال بالنيات ) في غير محله فيضلون ويضلون غيرهم ، فإنهم يوردونه لدفع تكفير من يتكلم بالكفر عمداً على وجه المزاح أو في حال الغضب . ومن فرط الجهل المؤدي إلى الكفر احتجاج بعض هؤلاء بقول الله تعالى : ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ) ( سورة البقرة ) فظنوا أن هذه الآية معناها أن الإنسان لا يكفر إذا لم يقصد بكلام الكفر الكفرَ ، ومعنى هذه الآية أن من حلف بلا إرادة كقول لا والله وبلى والله بدون إرادة لا يكتب عليه ذلك ، وفرق بين الأيمان التي هي جمع يمين وهو القسم وبين التلفظ بكلام الكفر ، فلا مناسبة بين هذه الآية وبين مسألة من تلفظ بالكفر وهو لا يقصد الكفر . وهؤلاء لم يعرفوا معنى الحديث ، وإنما معناه أن الأعمال التي أمر الله تبارك وتعالى عباده بها لا تكون معتبرة إلا بالنية كالصلاة والصيام والزكاة والطهارة عن الحدثين والحج والجهاد ، كل هذا لا يكون مقبولاً عند الله إلا بالنية
وكلّ كلمة كفرية تصدر من مسلم تخرجه من الإسلام سواء كان مازحا أو جادا أو غاضبا.
علـى ذمـة الـشـيــخ فـلان!
إن من أعظم ما ابتليت به الأمة هذه الايـــام، أناس دعاة علىأبواب جهنم اندلقت ألسنتهم بالباطل واندلعت أصواتهم بالضلال والعياذ بالله.
وعلى مثل هذا نبَّه الحديث الصحيح :"إن الله لا يقبض العلم ينتزعه انتزاعًا من بين الناس ولكن يقبض العلم حتى إذا لم يبق عالم إتخذ الناس رؤساء جهَّالا فاستفتوهم فأفتوهم فضلوا وأضلّوا" رواه البخاري والترمذي وغيرهما.
وأنا لست هنا للحديث عن من يستحق لقب شيخ او لا ولكن هنا لانبه كل من يقرأ هذا الموضوع بالحذر الحذر من أخذ الفتاوى بما يتناسب وهوانا، ومن اناس قد يضلونا. هذا هو نفس الموضوع الذي دفع الأزهر الشريف الى التفكير في انشاء محطة تلفزيونية خاصة بالفتاوى الدينية، للحد من الفوضى التي نلقاها من كل من ادعى المشيخة واصبح يلقى دروسا ويفتى بعلم او بغير علم. فالله اعطانا عقلا لنميز به الخطأ والصواب. فا والله ان من واجبنا ان نبحث عن مشايخ الحق لا مشايخ الشهرة والمال. فالفوز العظيم هو باتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم اتباعًا كاملاً وليس باتباع الهوى والنفس الأمّارة بالسوء، فلقد صدق الشيخ العبدري رضي الله عنه حين قال: "من اتبّع الهوى هوى"
فمن أفتى فإن كان مجتهدًا أفتى على حسب اجتهاده، وإن لم يكن مجتهدًا فليس له أن يفتي إلا اعتمادًا على فتوى إمام مجتهد منصوص له. فمن سئل عن مسئلة ولم يكن عنده علم بحكمها فلا يغفل كلمة لا أدري . فقد جاء عن مالك رضي الله عنه أنه سئل ثمانية وأربعين سؤالاً فأجاب عن ستة وقال عن البقية لا أدري .
وروي عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه سئل عن شىء فقال: "وابردها على الكبد أن أسأل عن شىء لا علم لي به فأقول لا أدري" .
فإذا كان هذا حال أعلم الصحابة علي رضي الله عنه الذي قال سيدنا عمر رضي الله عنه فيه: "نعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن" فكيف حال من سواه . فما حالنا نحن هذه الايام؟!!
فكم وكم من الناس يهلكون أنفسهم ويهلكون غيرهم بسبب فتوى بغير علم ، بسبب فتوى ما أنزل الله تعالى بها من سلطان .ما أسهل قول "شو رأيك يا ابو فلان؟ او أفتنا يا ابو فلان؟ وابو فلان لا يعلم بأنه محاسب حساب شديد على كل فتوى يفتي بها. وتذكر قول الصحابة: "أجرؤكم على الفتوى أجرؤكم على النار" .
لذلك إن سئلت عن مسئلة ما ثبت لك فيها نقل ، ما سمعت بها قل : لا أدري . فليس هناك خجل أو حرج من قول ذلك، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "العلم ثلاثة: كتاب ناطق، وسنّة محكمة، ولا أدري" .
ولا ننسى قـــول الله تعالـــى {ولا تقف ما ليس لك به علم}اي لا تقل قولاً بغير علم لأن من معاصي اللسان التي هي من الكبائر أن يفتي الشخص بفتوى بغير علم ، وقد صحّ وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سُئل عن بعض الأشياء فقال: "لا أدري" ثم سأل جبريل فقال: "لا أدري أسأل ربّ العزة" فسأل الله تعالى فعلّمه جواب ذلك السؤال ، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ماذا علّمه ربه ، وهذا السؤال كان عن خير البقاع وشر البقاع ، وفي لفظ عن خير البلاد وشرها. فقال جبريل عليه السلام: "خير البلاد المساجد" وفي لفظ: "خير البقاع المساجد وشرّ البقاع الأسواق" .
وأسأل الله تعالــى ان يجيرنا من النــار ويثبتنا على دين الاســلام
ولا تنسوني من الدعاء بارك الله فيكم
حــمزة نـبيـل الأغــا