كاد( غصوب) أن يكون رسولا
د/ يحيى زكريا الأغا
المستشار الثقافي
سفارة دولة فلسطين-قطر
رحل في صمت، كما عاش، جذبته المدينة إلى حياة أكثر عطاءً عندما حطت به سفينة الترحال الفلسطينية إلى أرض مصر طالباً للعلم فتفوق بامتياز على اقرانه، ومتميزاً بشهادة أساتذته، ثم رست مؤقتاً سفينته على أرض الجزيرة العربية مدرساً، وموجها، ثم اتجهت سفينة الترحال، ليستقر به المقام والعيش بدولة قطر أكثر من عقدين، فشق حياته العملية مع أسرة وزارة التربية والتعليم، فكان بعد مرور سنوات قليلة، أحد العلامات البارزة في الوزارة، فتبوأ منصب رئيس توجيه اللغة العربية، ليحمل على كاهله عبئها، وعبء العاملين عليها، ولكنه كان الأجدر بهذه المكانة، ورافقته في تحمل المسؤولية سعادة الأستاذة/ شيخة المحمود كنائبة لتوجيه اللغة العربية- وهي الأجدر بها ، فكان- رحمه الله- أستاذاً متعلماً، ومعلماً أستاذاً، ساهم بشكل فاعل في تطوير البنائية التعليمية لمادة اللغة العربية، ووضع مع أسرة الموجهين أسساً سليمة قويمة لتدريسها، ومازالت الكتب المدرسية التي شارك في تأليفها، ومراجعتها، تُدرّس في مدارس الدولة، لقيمتها العلمية، بل وامتد علمه ليشمل شريحة كبيرة من طلاب جامعة قطر، فدرّس اللغة العربية لطلابها وطالباتها الذين يدينون له بكل التقدير والوفاء، بل وساهم في تطوير كتب تعليم الكبار، بشكل كبير من خلال أسلوبه المتميز في التأليف، وسيبقى الوفاء له موصولاً من هؤلاء الدارسين جميعاً.
إننا عندما نقف على بابه نحاول أن نتلمس جزءاً من فكره، وخلقه وعلمه، ومنهجه ، فإننا نعجز أن نعطيه حقه، ولكننا نذكره بكل خير لِما قدّمه من خدمات للغة العربية، حتى أصبح علامة فارقة في تاريخ وزارة التربية والتعليم، ويصدق عليه حديث رسولنا الأعظم، إنه لم يتعلم العلم من أجل أن يُقال أنه تعلّم، بل ليُعلّم ما تعلّم، وهذه هي شيم الأنبياء حتى كاد ينطبق عليه قول شاعرنا الكبير: كاد ( غصوب ) أن يكون رسولا.
خطفه فراق الترحال من بيننا قبل بضع سنوات، ليتكئ على خاصرة فلسطين بين أحضان سوريا، يتواصل معه وطنه عبر المتوسط، فيحلو ماؤه كلما تهامسا عن الوطن، ويعذب صوته كلما همست موجة قادمة من بحر غزة، فأقترب من الوطن فلسطين بفكره ووجدانه، ومارس العشق الأبوي له من خلال ذكرياته، وكثيراً ما تأمل في عودة إليه بكل اعتزاز وشموخ، ولكن سهم الموت كان أقرب إليه من العودة، تاركاً لأبنائه وأحفاده الوصية التي حملها من أبائه وأجداده.
أسلم الروح لله راضياً مرضيا، بعد أن صارعه المرض وكاد أن يصرعه، تاركاً لنا تراثاً علمياً متميزاً، كصفوان لن يندثر.
إنني هنا أعترف له بالجميل، وأدين له بالفضل وبالعرفان لوقفته معي في دراسة الماجستير، ووفاءً وتقديراً له، هاتفته في سوريا بعد رحلة الدكتوراة، فشعرت بأن فرحته امتدت من سوريا إلى الدوحة، وهذا هو غصوب الإنسان، غصوب الدكتور، غصوب الأب، والأخ، غصوب الذي لقي احتراماً من الجميع أينما وطئت قدماه، فلقي ربه راضياً مرضياً.
رحمك الله يا استاذنا الكبير، ولن تطوى صفحات مجدك من ذاكرتنا، بل ستتمدد من خلال ما سنذكره لأبنائنا وأحفادنا ، فكل من عرفك، وتعلمّ منك لن يقول إلا رحمك الله رحمة واسعة، وأسكنك فسيح جناته، وغفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر.
رحمك الله يا أستاذ الجميع، أحببناك في حياتك، وسنبقى نحبك بعد رحيلك، وقلة هم أولئك الذي يتركون بصمات على ورق التاريخ، وإن لله وإن إليه راجعون.
[1] الدكتورة_شيرين غصوب خميس محمد غصوب | رحمة الله عليك ياوالدى | 03-07-2011
[2] دكتورة رسمية خميس محمد غصوب | شكرا لك يا دكتور يحيى | 28-06-2012