مقالات

دراسة حول كتاب لمحمود مرعي

 

د.الاغا ود.مواسي :كتاب العَروض الزاخر واحتمالات الدوائر لمرعي يذكرنا
بالفراهيدي


أرسلت في Saturday, April 17 بواسطة alwatanvoice




د.الاغا ود.مواسي :كتاب العَروض الزاخر واحتمالات الدوائر لمرعي يذكرنا
بالفراهيدي

غزة-دنيا الوطن

صدر حديثا كتاب "العَروض الزاخر واحتمالات الدوائر " للشاعر الفلسطيني محمود
مرعي. ومنذ ان اطل الكاتب والشاعر محمود مرعي على قراء دنيا الوطن شعرنا
بالتميز لانه متميز حقا فقد جمع بين شعر عربي افتقدناه وبين ملامسة هموم الشارع
العربي فاصبحت قصائده السياسية والوطنية يتجه اليها قطاع كبير من القراء واثبت
ان للشعر مكان يمكن ان يعود الى جانب المقال السياسي في عالم عربي سكنته الهموم
والام القهر الاتي من بلاد حددت العلاقة مع وطننا العربي بالهيمنة والاحتلال .

وننشر كلمة الدكتور يحيى زكريا الآغا وكلمة الدكتور فاروق مواسي حول الكتاب .

العروض الزاخر واحتمالات الدوائر / لمحمود مرعي
خلاصة تجربة في " 900 صفحة " و " 27 " بحرا شعريا جديدا
عرض : الدكتور يحيى زكريا الآغا / نشرت في صحيفة الشرق القطرية 11/ 5/ 2000

عَشِقْتُ الضَّادَ قُرْآنًا وَوَحْيًا = عَشِقْتُ الضَّادَ فِي كَلِمِ
الرَّسولِ
وَشَرَّفَنِي انْتِسابِي لِلْقَوافِي = وَحَسْبُكَ بِالْبَلاغَةِ مِنْ أُصولِ
وَمِمَّا زادَ فِي قَدْري عُلُوًّا = تَجاوَزَ قُبَّةَ الْفَلَكِ الْجَليلِ
قَوافٍ لَيْسَ يُدْرِكُها فَناءٌ = لأَنَّ مَعينَها بَحْرُ الْخَليلِ

ما أشبه اليوم بالبارحة ، هذه الـمقولة رددتها بعدما فرغت من قراءة كتاب "
مخطوطة " الأديب الفلسطيني محمود مرعي ، الذي جمع بين دفتيه موضوعا متميزا
يتكون من جزأين يتعلقان بعلم العروض ، فتذكرت الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي
اختلى بنفسه مدة عشر سنوات من أجل تهذيب الأذن واللسان معا ، عندما رأى الناس
يتخبطون في بناء النص الشعري ، وينظمون ما يحلو لهم دون قواعد ، فخرج إلينا
بمنظومة علم العروض ، التي جمعت أوزان الشعر الخمسة عشر والتي تدعى بحورا وقد
ضبطها لأول مرة الفراهيدي " 100 هـ / 170هـ " وقد قسمها إلى خمس دوائر :
1 ـ ( فَعولُنْ مَفاعيلُنْ فَعولُنْ مَفاعيلُنْ ) × 2
2 ـ ( مُفاعَلَتُن مُفاعَلَتُنْ مُفاعَلَتُنْ ) × 2
3 ـ ( مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ ) × 2
4 ـ ( مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مَفْعولاتُ ) × 2
5 ـ ( فَعولُنْ فَعولُنْ فَعولُنْ فَعولُنْ ) × 2
واستخرج من هذه الدوائر خمسة عشر وزنا أسماها بحورا ، ثم أدخل كل الأوزان
الـمستعملة ـ كما زعم ، في نطاق بحوره الخمسة عشر ، وقد استدرك الأخفش الأوسط (
سعيد بن مسعدة ـ ت 215 هـ ) الوزن السادس عشر ، استخرجه من الدائرة الخامسة
هكذا ( لُنْ ـ فَعو ـ لُنْ فَعو ـ لُنْ فَعو ـ لُنْ فَعو ) وتساوي ( فاعِلُنْ
فاعِلُنْ فاعِلُنْ فاعِلُنْ ) ومنذ ذلك الحين وحتى كتاب ( محمود مرعي ) لم يعرف
العرب غير هذه الأوزان ، مع الأخذ بعين الإعتبار التجديدات التي حدثت لبنية
القصيدة في الشكل ، سواء في العصر العباسي أو الأندلسي وحتى الحديث ، فقد أضاف
مرعي إلى الأوزان الـمعروفة أوزانا جديدة وهذا يدل على عدمية الجمود بكل أشكاله
ومساربه ، وإن كان التجديد بطيئا جدا قياسا بالقوافي ، وحسبي أنهم نظموا على
أوزان يمكن أن تخرج من الدوائر العروضية دون أن تكون لها مسميات ، ويؤكد ذلك
الـموقف من خلال اتصاله بالتراث اتصالا مباشرا ،مما يجعله قادرا على إثبات ودحض
الكثير من الـمسلمات التي عاشت معنا وبنينا عليها الكثير من أسس النقد العربي .
ويطل علينا هذا الكتاب الذي يضع فيه الكاتب خلاصة تجربته مع علم العروض ،
فيتفرغ لانجاز هذا العمل أربع سنوات ونيف ، كما فعل الفراهيدي ، ولسان حاله
يقول للفراهيدي : أنا أسير على خطاك ، ويستقل بسبعة وعشرين وزنا جديدا ، لا أظن
أحدا قد سبقه إلى هذا الانجاز الأدبي النقدي حسب تقديري ، وكنت قد عرضت لبحرين
منهما في رسالة الدكتوراة ، في صحيفة " الشرق " و الوطن " القطريتين في نهاية
العام السابق ، وهما " بحر المعجب " ومفتاحه :

مُعْجِبُ النَّغَماتِ يَزْخَرُ بْالْجَمالِ = فاعِلُنْ فَعِلُنْ مُفاعَلَتُنْ
فَعولُنْ

وبحر " المشتبه " ومفتاحه :

فِي رِياضِ الشِّعْرِ أَشْباهٌ فِي الْجَنَى = فاعِلاتُنْ فاعِلاتُنْ
مُسْتَفْعِلُنْ

وفي لغتنا نقول بأن الخليل قد أبدع ، كونه استطاع أن يضبط الإيقاع الـموسيقي
ويضع أصولا وضوابط لبنية القصيدة العربية حتى لا تفقد قيمتها الفنية ،
والـموضوعية ، ومنذ ذلك التاريخ بقيت القصيدة محافظة على هذا الإرث العربي
الخالد ، وسيظهر علم العروض كل الـمحاولات غير الجادة لبعض الشعراء الذين
يحاولون لباس أثواب دخيلة على تراثنا ، بل حاول البعض أن ينسب ما للعرب من دور
وريادة إلى الغرب ، وتلك الطامة الكبرى ، وَكأن الغرب أصبحوا أوصياء حتى على
لغتنا وثقافتنا وقيمنا ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، بل حاول البعض التلاعب
في بنية النص وأطلقوا مسميات شعرية على جمل نثرية لا تنتسب إلى الشعر ، كون
الشعر يعتمد أول ما يعتمد على الموسيقى ، وأقول هنا بأن أبلغ الشعر ما اعتدل في
مبناه ، وتناسق في معناه ، وبرزت عاطفته من خلال تجربته ، والتقت الأفكار
بالألفاظ ، وتفاعل اللفظ بالمعنى ، لتبدأ لغة جديدة داخل اللغة الأبجدية ،
مستندة على الموسيقى التي تمثل روح الشعر ، وعلى اللغَة التي تمثل جوهر الفكر .
فالذين لا يحسنونها ـ أي الموسيقى ـ ولا يجيدونها ، لا يملكون الروح السوية ولا
الشاعرية الخصبة ، ولا الابداع الخلاق ، ولا القدرة على العطاء والتجديد .
أما عن الشاعر مرعي فقد وقفت على بنائية شعره شكلا ومضمونا في غير هذا الـمكان
، وسأقف هنا على محطة ابداعية جديدة في فكر محمود مرعي من خلال كتابه محل العرض
، وأعتقد جازما ، بأن هذا الكتاب فور صدوره سواء في فلسطين أم في الوطن العربي
، سيثير حوله العديد من القضايا النقدية والأدبية ، على كافة المستويات ، خاصة
النقدية منها ، نظرا للآراء الجديدة والجريئة المطروحة للمتلقي .
الكتاب ـ أعتبره شخصيا ، من أفضل الكتب التي تصدر في العصر ، ليس كون الـمؤلف
تربطني به علاقة صداقة ، فمعظم شعراء ونقاد الجليل والـمثلث تربطني بهم صداقة
حميمة ، ميدانها الشعر والأدب وهدفها اثراء الـمكتبة العربية الـمتعطشة
للدراسات الجادة في هذا العصر ، وإنما لاعتبارات تليق بمنهجية الكتاب ، وما جاء
به من جديد في دراسة غير مسبوقة .
والكتاب الأول " الجزء الأول " يشتمل على البحور الستة عشر مؤكدا أن الـمتدارك
وضعه الخليل بن أحمد الفراهيدي ، وهو صاحبه ، وليس الأخفش كما هو معهود لدى
الأدباء والنقاد والـمثقفين ، وهذه قضية جديدة ستثير جدالا ، ويقول الـمؤلف :
إن وزن الـمتدارك بكافة أشكال " فاعلن " قديم منذ الجاهلية ، وقبل أن يؤسس
الخليل علم العروض ، وهذه قضية أخرى ، وتفعيلة " فاعل ×>> " التي في الـمتدارك
" الخبب " موجودة ومطروقة منذ الجاهلية ، وهذا ينفي ويدحض ادعاء الشاعرة نازك
الـملائكة والتي سبقها شوقي بخمسين عاما . وشوقي نفسه مسبوق كذلك ، ويثبت
الـمؤلف أن ايقاع بيت نازك الـملائكة { كان الـمغرب لون ذبيح ـ فعلن فاعل فاعل
فعلن } موجود على هذه الصورة حرفيا ، وبهذا التقطيع العروضي ذاته منذ القدم ،
وهذه قضية أخرى يثيرها هذا الكتاب المبدع .
وفي الكتاب الأول بحر اللاحق الذي ذكره حازم القرطاجني وشطره { مستفعلاتن
مستفعلاتن } وقد وقف الـمؤلف على ما جاء في الـموشحات والشعر العامي ، وكذلك
أوزان الزجل الـمنتشرة في بلاد الشام { سوريا لبنان الأردن فلسطين } حيث أثبت
الـمؤلف بالتطبيق العملي أنها أوزان الخليل بن أحمد الفراهيدي لا غير ، بل إنها
تنحصر في بضعة أوزان من أوزان الخليل ، وكذلك الـموشح والقوما والدوبيت والكان
وكان ، وكل ذلك بصورة موسعة مبسطة وسهلة ، تتيح لجميع الأجيال فهم الأوزان
والأنواع الشعرية بصورة جيدة ، كذلك شعر التفعيلة ـ الحر ـ يقول المؤلف :
إنه موجود منذ العصور القديمة الزاهره وليس ابن القرن العشرين كما يعتقد الناس
، وقد وقف الـمؤلف على نصوص تعود إلى القرن الرابع الهجري ، ترتكز على التفعيلة
، وليس البيت في النص الشعري ، وما جاء في القرن العشرين ، وقضية الابتكار
والابداع والسبق ليس إلا محض ادعاء ، والاختلاف ينحصر بين مضمون النصوص قديما
ومضمونها حديثا لا أكثر ، وهذه قضية جديدة ، وربما تكون من أكثر القضايا إثارة
للجدل والنقاش .
الكتاب يطرح العديد من القضايا كما ذَكرت ، مستندا إلى الخارطة التراثية
الصحيحة .
إن المحاولات الجادة والهادفة تخرج أدباءنا وأدبنا من عباءة الغرب شَكلا
ومضمونا ، وتجعله رائدا في بنيته أسوة بريادة علمائنا في شتى فروع الـمعرفة {
الرياضيات والكيمياء والطب وحساب المثلثات } .
ويبقى القول : بأن الابداع بكافة أشكاله لا يعرف نقطة النهاية ، فقد استطاع
الباحث بجهوده أن يشق أصعب الـمسالك في البحث والتنقيب ، مستندا إلى التراث
الأدبي ، واقفا على علم العروض ، سالكا الدرب الذي سلكه الفراهيدي ، مقتفيا
أثره ، فامتلك ناصية الـموسيقى الشعرية والعروض الشعري ، مما جعله مؤهلا إلى
اقتفاء أثر الفراهيدي ، فوقف على الأوزان الشعرية الـمعروفة كاملة ، معتبرا أن
الـموسيقى مجموعة من الوحدات الزمنية المنتظمة التي يمكن من خلالها تحديد وزن
معين تفرضه التجربة الشعرية والحالة النفسية للشعر ، فجاء كتابه الثاني " الجزء
الثاني " يضم ستة وعشرين وزنا جديدا من اجتهاده ووضعه ، استنبطها من دوائر
العروض وما تتيحه هذه الدوائر من الأشكال والصور الوزنية بالاضافة إلى وزن آخر
استنبطه من بحر اللاحق ، وهذه الأوزان السبعة والعشرون ، خرجها الـمؤلف تخريجا
عروضيا ، ووصل بعضها إلى عشرة أشكال وأكثر في الوزن الواحد ، وهذا اثبات قاطع
على أن اعروض العربي متجدد وليس جامدا ، وهو في نفس الوقت متطور ويفوق ما لدى
جميع الأمم مجتمعة ، السابقة واللاحقة من غير العرب ، والجمود والتخلف المزعوم
ظلما وعدوانا وزورا وبهتانا ليس في العروض البريء من هذه التهمة براءة الذئب من
دم يوسف الصديق ،وإن كان هناك جمود وتخلف فهو فينا نحن ليس إلا.
ويؤكد المؤلف أن حازم القرطاجني في كتابه " منهاج البلغاء وسراج الأدباء " قد
وضع ما يصح أن نطلق عليه بكل فخر واعتزاز قانون العروض العالمي وليس العربي فقط
، وقد سبق عصره وعصرنا في هذا ، ولأولئك الذين يهيمون حبا في العولمة ويحلو لهم
التغني بها نقول : إن حازم القرطاجني قد سبق إليها منذ قرون عديدة ، وإن كان في
جانب معين ، ويحق لنا أن نردد بملء الفم :

{ أُولئِكَ أَجْدادي فَجِئْنِي بِمِثْلِهِمْ = إِذا جَمَعَتْنايا أَرِسْطُو
الْمَجامِعُ }
والمعنى الذي يقبع خلف كلمة " أرسطو " واضح بعد استبداله بالأصل " جرير " ،
بقِي أن نشير إلى أن هذا الكتاب سيكون إضافة جديدة إلى الـمكتبة العربية لقيمته
الفنية والموضوعية ، كونه أيضا ، أضاف ايقاعات موسيقية جديدة أمام الشعراء ،
واضافة إلى ذلك فإنه سيثير الكثير من القضايا مع النقاد .
كلمة أخيرة : متى سيكون للعقل العربي مكانه الريادي دون تأثر بأدب أو علم دخيل
على تراثنا وفكرنا لنعيد سيرتنا الأولى .

كلمة د . فاروق مواسي
لن أغالي إذا قلت إن هذا " الكتاب " أذهلني بقدر ما علمني ؛ فهو غزير الفائدة ،
محيط بالشاردة والواردة ، لم يقتصر على بسط مذاهب القدامة والاتباع ، بل شرع في
مسالك الجدة فالابتداع – تُعجب بذلك أو تَعجب لذلك ، هذا شأنك .
وأيًا كان الأمر فليس في بلادنا كتاب بسعته وبمعرفته ، بل نادرة هي الكتب التي
صدرت في العالم العربي على غراره ، وإن كان بعضها أسبر غورًا فإن هذا الكتاب هو
أكثر تجديدًا وأوضح منطلقًا ومنحى .
قد لا يرضي هذا الحكم اولئك الذين يفرون من العروض ومتطلباته والتفعيلة
وتحويلاتها ، فلهؤلاء " إيقاعهم الداخلي " الذي يحاولون أن يقنعوا به غيرهم قبل
أن يقتنعوا به .
ولن يرضي هذا الكتاب أولئك الذين يدورون في دوائر الرفض لتراثنا اللغوي والشعري
؛ ومن العجيب أنني لاحظت أن ثمة تسامحاً يبديه " الوزنيون " أو " الجرسيون "
إزاء ( الشعراء النثريين ) أكثر مما يبديه هؤلاء الشعراء نحو سابقيهم ؛ حتى أدى
الأمر ببعض المجلات أن ترفض القصائد " التقليدية " لا لسبب ، إلا أنها تقيدت
بالأوزان ، والشعر في عرفهم بوح ، والبوح لديهم خروج عن كل قيد .
قلت " أذهلني وعلمني " وأنا أقرأ هنا أن شعر التفعيلة له أصول قديمة – في الشكل
الصرف – حيث نجد له نماذج سابقة لتلك النماذج التي طلع علينا بها السياب أو
نازك أو حتى من سبقهما من المحدثين على رأي البعض ( باكثير ، بطّي ، الشرقاوي ،
...الخ ) .
إن الكتاب بتيسيره رغم تخصصه وبتأنيه رغم اعتماده البحث ، وكذلك بتقديمه
تقطيعًا عروضيًا خاصًا به - يدعو القارىء الجاد إلى العودة نحو الأصول – على
الأقل من باب المعرفة ولا الجهل به . فهو مصدر لا غنى عنه لكل دارس ، وكتاب
بهذا القدر قد تعد معايبه ، ومع ذلك فإن مؤلفه – كما أعلم - يتسع صدره لكل نقد
.
أهنيء المؤلف على سفره الذي أخرجه بعد معاناة كنت شهدت مؤتنفها ، فشددت من أزره
، وصحبته في أكثر من خطوة ، آملا أن يكون هذا الكتاب ثمرة مريئة لشداة العروض
ورواة القريض .
 

اضغط هنا للتواصل أو التعرف على السفير يحيى زكريا إسعيد حمدان الأغا

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد