"الهيكل" المزعوم………………وماذا بعد؟
بقلم :د يحيى زكريا الأغا
المستشار الثقافي لسفارة دولة فلسطين- قطر
أعلن الكنيست الإسرائيلي في مثل هذا اليوم ضم المدينة المقدّسة بقسميها الشرقي
والغربي إلى الدولة العبرية، واعتبارها عاصمة لهم، ومنذ تقسيمها ظلماً عام 1947
بقرار أممي، وصولاً إلى احتلالها كاملة عام 1967 وإلى تاريخ الضم 30/7/1980
وحتى نشر هذا المقال، تعمل الآلة التحتية والفوقية الإسرائيلية بكل ثقلها وعلى
مدى الأربع والعشرين ساعة في سباق مع الزمن، لتهويد المدينة كاملة، إلى أن جاء
قرار المحكمة الدستورية منذ أيام ليتوج ويجسد الواقع الإسرائيلي على المدينة
الإسلامية كاملة، من خلال السماح للمتطرفين بدخول المسجد الأقصى، والصلاة فيه،
بل وزيادة التطرف فقد سمحت تلك المحكمة "لأمناء الهيكل" بوضع حجر الأساس
"للهيكل" المزعوم في نفس اليوم الذي أُعلن فيه ضم المدينة المقدسة للكيان
الصهيوني، وسيتم إحضار صخرة كبيرة محمولة على شاحنة ووضعها عند باب المغاربة
إيذانا بوضع حجر زاوية "رمزيا "، وذلك حسب ما أوردته وكالات الأنباء، وفي تصوري
أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشأن القدس سيأخذ منحىً آخر، وأبعاداً عقدية
تفرضها السياسة الإسرائيلية اليومية على أرض الواقع، من خلال ما تقرره جماعات
المتطرفين والعصابات بمختلف توجهاتها، وعلينا في مقابل ذلك الاستعداد لمثل هذه
التطورات المفاجئة، وعلى مراكز الدراسات العربية والفلسطينية المتعددة
والمختلفة، والتي تبدأ عملها تبعاً للحدث، وليس توقعاً لِما يمكن أن يحدث، أن
تبدأ وضع دراساتها لمواجهة الخطة الإسرائيلية الجديدة من اليوم لتفنيد كل هذه
الادعاءات عندما تلتقي أطقم المفاوضات.
وعودة إلى ذلك اليوم، فنذكر جميعاً الاستنكارات الغاضبة من جميع أنحاء العالم
الإسلامي عندما صدر قرار الكنيست الإسرائيلي بضم المدينة، وهي نفس الاستنكارات
التي أُطلقت قبل ذلك عندما قام أحد "العقلاء" الأستراليين من أصل يهودي بتاريخ
21/8/1969 بمحاول حرق المسجد الأقصى بالتعاون مع الحكومة الإسرائيلية أنذاك،
وكذلك عندما بدأ الشروع في بناء مستوطنة " أبو غنيم"، وهذا- الشجب والاستنكار
والإدانة- أقصى ما يُمكن أن تقوله الأمة الإسلامية في مثل هذه المواقف، على عكس
ما نتوقع لأمة شهد لها الله بالخيرية من فوق سماء سابعة.
ورغم يقيني بأن قرارات الضم باطلة في قاموسنا العربي والإسلامي قولاً، إلا أن
الخوف الذي ينتاب المتتبع العربي لمثل هذه القضايا المتصلة بفلسطين والقدس
تحديداً أن تتجسد فعلاً أعمال إسرائيل على الواقع، فتصبح حقيقة لا جدال فيها،
فمنذ الضم وإلى يومنا هذا، لم تواجه الخطة الإسرائيلية لا عربياً ولا إسلامياً
ولا حتى من الأمم المتحدة، وكنتيجة طبيعية أن تبدأ إسرائيل مرحلة جديدة من
عملها العدواني، فقد مهّدت لموضوع الهيكل وبأنها- القدس - عاصمة إسرائيل منذ
زمن بعيد، فأصبح لدى السواد الأعظم من شعوب العالم الغربي شبه قناعة بصحة ما
يذهبون إليه، فيتناسون أن هذه المدينة كغيرها من مدن فلسطين محتلة، وبالتالي
نبدأ مرحلة غير مخطط لها في عملية إثبات وإقناع العالم وإسرائيل بشرعية وجهة
نظرنا، ونخرج من الثوابت التي لا تحتاج إلى إثبات، إلى إثبات الفرضيات
الإسرائيلية الزائفة، فيمتد الصراع مع اليهود إلى ما لا نهاية، وهذا ما يسعون
إليه فعلاً، ونذكّر هنا ما أعلنه رئيس وزرائهم قبل " أوسلو" أنني قادر على جعل
المفاوضات تمتد إلى عشرات السنين.
وفي اعتقادي أن هيئة الأمم المتحدة التي تنص بعض قوانينها على نشر العدل
والسلام، نراها غير فاعلة إزاء القضية الفلسطينية والقدس تحديداً ، لهذا لم
تصدر قراراً واحداً ملزماً ضد الدولة العبرية، بل وذهبت إلى أبعد من ذلك، فهي
عندما تريد أن تمرر قراراً، لابد وأن تخطب ودّ إسرائيل، وتستشيرها في ذلك
وأحياناً تشارك في صياغة القرارات بصورة خِفية بما يتناسب مع مصالحها، وفي ظني
أن ذلك لا يرجع إلى ضعف أممي بقدر ما هو هيمنة خارجية على صُنّاع القرار، فإلى
متى يمكن لأعلى هيئة أممية أهْـلِـيَّة إصدارِ قراراتٍ ملزمةٍ ضد إسرائيل دون
خضوع لضغوط خارجية؟
وما دمنا بصدد الحديث عن القدس والضم "للدولة العبرية"، فيمكننا أن نعرض لجزء
من الأحداث التاريخية ذات الصلة بالموضوع ، ففي عام 1947 أصدرت هيئة الأمم
المتحدة قراراً ظالماً "في حينه" بتقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية، مع
وضع المدينة المقدسة تحت وصاية دولية، ولكّن اليهود رفضوا تدويل القدس، ولكننا
نستغرب اليوم عدم قدرة الأمم المتحدة على إلزام إسرائيل بأي قرار، كما تُلزم
دولاً أخرى قهراً وقسراً على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة.
وبعد أن أصدرت الدول الصناعية قراراً غير ملزم بشأن إرسال مراقبين دوليين إلى
فلسطين، تلبية لرغائب العديد من الدول العربية والإسلامية، وبعض الدول
الأوروبية، تضمّن هذا القرار موافقة الطرفين على ذلك، ليقين بعض الدول بأن
إسرائيل سترفض ذلك، ولكن متى سيواجه الرفض الإسرائيلي بضغط أوروبي حازم دون أخذ
رأيها، كما حدث في دول البلقان وغيرها؟.
وبنظرة فاحصة على واقع المدينة، نجد بأن القدس الشرقية أو كما يُطلق عليها
القدس العتيقة، هي الموجودة داخل سور سليمان القانوني، ومساحتها 8.71 دونم،
وطول السور 4.20 كم وتقوم على أربعة جبال ، يقوم الحرم القدسي الشريف على
أحدهما وهو جبل الموريا، ثم أضاف إليها المسلمون نتيجة الازدياد السكاني أحياء
منها" حي الشيخ جرّاح، وباب الساهرة، وحي وادي الجوز".
أما القدس الغربية فاتسعت مساحتها عمّا كانت عليه عام 1946، فصارت مساحتها 19
كم مربعاً، أي بأكثر من ثلاث وعشرين ضعفاً من القدس الشرقية، ولكن اليهود بعد
حرب 1967 سيطروا على المدينة كاملة، وبدأت عملية تغيير معالم المدينة، وتقول
بعض الدراسات التاريخية: أن عمّال الآثار والجيولوجيا بدأوا عملية الهدم والحفر
والتنقيب في المدينة يوم 9/6/1967، وهذا يؤكد نيّتهم بفرض واقع جديد على
المدينة، فظهرت في القاموس السياسي الإسرائيلي عبارة( القدس الموحدة) وأعلنوها
عاصمة أبدية لإسرائيل!.
ولم يقتصر الأمر على الحفر داخل المدينة، بل بدأت عملية توسيع مساحة المدينة
خارج السور الذي بُني عام 1542 في عهد السلطان العربي سليمان القانوني، لأسباب
استراتيجية، سواء من خلال ضم القرى المحيطة بالمدينة، والتابعة لبلديات مجاورة،
أم من خلال بناء المستوطنات حولها، على حساب قرى فلسطينية، مثل قرية شعفاط
وسلوان وعين كارم وبيت حنينا، ومن ثمّ ربط المستوطنات ببعضها البعض، ليدخل
قاموسهم الجديد عبارة أخرى( القدس الكبرى) وتقول إحدى الدراسات : أن الحكومة
الإسرائيلية دمجت مستوطنة غفعات ومعاليه أدوميم ومناطق الخط الأخضر لاحتواء
حوالي 30 ألف مستوطن جديد داخل المدينة المقدسة، كما بنت 142 ألف شقة في القطاع
اليهودي لزيادة حجم السكان فيها.
وتحاول اللجان التابعة للكنيست الترويج لملء الشقق المحيطة بالمدينة من خلال
معتقدات يهودية وضعية لمضاعفة أعداد اليهود، وتشير آخر الإحصاءات الرسمية أن
عددهم وصل إلى 436.7 ألف مستوطن، أما عدد الفلسطينيين فقد يصل إلى 215 ألف
نسمة، أي ثلث عدد المستوطنين، وهذا مؤشر خطير جداً على فرض السياسة التهويدية
على المدينة كما خططت لها تماماً، وتعمل الحكومة الإسرائيلية جاهدة كما تقول
الدكتورة " سارة" رئيسة قسم التخطيط الاستراتيجي في بلدية القدس التي يرأسها
أحد أعضاء الليكود: يجب ألا تتعدى نسبة العرب بالمدينة عن 28/"، والسؤال: ماذا
خططنا نحن بشأن المدينة المقدسة؟
إن الأمر لا يقتصر هنا على ذلك، بل تحاول إسرائيل من خلال البلدية ورئيسها
الإسرائيلي منع إعمار المدينة، أو ترميم ما أتى عليه الدهر، مع هدم العديد من
المنازل بحجج أمنية، أو عدم الترخيص ووضع القوانين التي تساعد على التفوّق
العددي لليهود على حساب الفلسطينيين لتغيير التركيبة السكانية، بعدم الموافقة
على تصاريح لم شمل العائلات، وعدم عودة مَن يسكن خارج المدينة لمدّة خمس سنوات،
مما يضطر البعض للهجرة خارجها أو قريباً منها.
إن المدينة المقدسة التي تحتفظ بذكريات في نفوس كلّ زوّارها العرب والمسلمين
قبل احتلالها عام 1967 حباها الله بموقع جغرافي متميز، وترتبط بالمدن
الفلسطينية بشبكة مواصلات عالمية، ، فهي تبعد عن عكا قرابة 150كم، وعن مدينة
يافا 62كم، وعن غزة 94 كم ، كما أمّها ملايين المسلمين من مشارق الأرض
ومغاربها، من خلال اتصالها بالعواصم العربية القريبة منها مثل المملكة الأردنية
الهاشمية، حيث تبعد عنها 90 كم، ودمشق 290كم، وبغداد 825كم، ورغم أن بغداد أبعد
دولة من الدول المحيطة بها بعد القاهرة، فقد استطاعت صواريخها أن تضرب العمق
الإسرائيلي، وفي اعتقادي أن أي محاولة جديدة بشأن القدس وفلسطين سوف تتحرك
العديد من القوات العربية والإسلامية لضرب العمق الإسرائيلي، ليس لأننا دُعاة
حرب بل لأننا دعاة سلام، والسلام الذي يمكن أن يسود المنطقة يمكن أن يتحقق من
خلال فرضه بالقوة، فهل فعلاً نحن فاعلون؟! أعتقد ذلك، وعلينا أن نذكر ما قامت
به قوات ( كيفور) في البلقان.
وتبقى في النفس أسئلة كثيرة، ومتنوعة، ولكن السؤال الأخير الذي يطرح نفسه : إلى
متى سنبقى نواجه المدّ والتهويد الإسرائيلي بقرارات وتنديدات؟ هل ننتظر إلى أن
يتم هدم المسجد الأقصى بكامله، والشروع في بناء الهيكل المزعوم الذي بدأ فعلاً
اليوم ؟ ألم يحن الوقت لمواجهة الصلف الإسرائيلي بقوة قرار من البيت العربي
الجديد؟ ألم يحن الوقت لترجمة أفعالنا إلى أقوال؟ وهل فعلاً ستتحرك القوات
العربية؟ وأخيراً ماذا عسانا القول للأجيال القادمة عندما نُسأل : هل القدس
التي ذكرها الله في القرآن الكريم وربطها ربطاً محكماً بعقيدتنا، وبرسولنا محمد
" يهودية أم إسلامية!؟ وإذا كان جوابنا إسلامية ، فلماذا تركتم اليهود يعيثون
فيها فسادا؟!!!!.
انتهى