مقالات

رد على محطات عبدالعزيز أبو الملا

 


نشرت صحيفتكم الغراء للأستاذ/ عبد العزيز الملا موضوعاً بعنوان( ما على السلطة وفتح قبل فوات الأوان) في العدد 6251 يوم الخميس 28/7/2005 وجاء المقال ملاصقاً لمقال متميز في موضوعه وأسلوبه للأستاذ/ أسعد عبد الرحمن.
وإيماناً بمبدأ حرية الرأي، ومن موقع المسؤولية والواجب في سفارة دولة فلسطين، يأتي ردنا على التطاول غير المبرر على السلطة الوطنية الفلسطينية، التي نمثلها في دولة قطر، آملاً ألا تتكرر مثل هذه المواضيع التي لا ترتكز على ثوابت.
أولاً: الموضوع يبتعد  عن الموضوعية والمهنية، وثانياً: يفتقر إلى الثوابت، وثالثاً: يخرج عن دائرة حرية الرأي والفكر، إلى التطاول على كيان يضم ثلاثة ملايين نسمة، وسلطة منتخبة. ورابعاً:  لا أريد نقد أسلوب الكاتب الذي يفتقر إلى مقومات كتابة المقال فهذه قدراته، وخامساً: أعتب على صحيفة الشرق نشر كل ما يرد إليها دون تمحيص أسلوبي وموضوعي، ولكن ربما للصحيفة ما يبررها في نشر مثل هذه الموضوعات.
قرأت الموضوع في أول يوم لي بعد مباشرتي لعملي صباح الخميس، لأكون جزءاً من الواقع القطري الذي أعيش فيه وأتعامل معه، بدولة قطر، وذلك بعد رحلة عمل إلى فلسطين، استمرت قرابة الشهر، لأكون شاهدا على الواقع الفلسطيني خلال تلك الفترة، مسجلاً الكثير من الانطباعات السلبية والإيجابية، وراصداً لكل آراء الشارع الفلسطيني خلال الفترة الحالية، التي تسبق الانسحاب الإسرائيلي غير المتوقع من قطاع غزة، وجزءاً من شمال الضفة، وانعكاس العمليات المسلحة غير المبررة الآن على الشارع الفلسطيني، وما تسببه من معاناة لا يعلم بها إلا أهلها، والمجال هنا لا يسمح برصد الرحلة كاملة، لكنني سأتناول ما حدث بين أخوة الدم والمصير ( حماس والسلطة )، وتناوله الأخ/ الملا في موضوعه.
لا يختلف اثنان أن ما حدث كان جزءاً من مؤامرة تُحاك ضد الشعب الفلسطيني، أطرافها شخوص من ابناء الوطن لا يريدون للسلام أن يسود، والاستقرار أن يعم، ولإظهار عجز السلطة عن القيام بسؤولياتها أمام شعبها، والعالم في منطقة لا تتجاوز 365 كم مربع، وبعيداً عن السبب والمسبب في هذا الموضوع، فإن الحكماء من أبناء فلسطين، تجاوزوا المحنة التي أفضت لذلك لنزاع المقيت بين الطرفين، وتغلب العقل على المآرب الشخصية، ووأدوها في مهدها، لينتصر الشعب الفلسطيني بكامله على المحنة، وليس فصيل على آخر، ولا حكمة فصيل أو تنظيم أو حركة جهادية على آخر، كما يقول كاتب الموضوع، "وكم كانت الفرحة والسعادة حين شاهدنا الأخوة غير المتفاهمين, والمختلفين في إدارة الثوابت الفلسطينية يتعانقون ويتصافحون ويمارسون دورهم في رأب الصدع بعيدا عن رغبات فئات معينة لا يروقها هذا التسامح ولا تريد للحوار سبيلا لحل الخلافات".
انتهت الفتنة، وسينسى الشعب ما حدث، ولن يضمر فصيل لآخر سوءاً كما توقع الكاتب وكما يحدث في دولٍ من عالمنا الثالث.
  إن السلطة بما تمتلك من إمكانيات محدودة رغم تدميرها من إسرائيل، لم تسع في حينها لجرجرة فتح لهذا النزاع كما يقول الكاتب، لأن السلطة هي فتح، وبالتالي " لم تنته الأزمة على أساس توقي شر السلطة، ولا النضج السياسي والقيمي لحماس" كما يقول الكاتب ، لأن الذي لا يعلمه حتى كاتب المقال أن الجميع ينتمي إلى شجرة طيبة واحدة، أصلها واحد وثابت وفرعها في السماء، والجميع في مثل هذه المواقف يتنازل، لأن الرصاص لا يفرق بين حماس وفتح، والذي استشهد كان طفلاً لا ينتمي إلي فصيل، وهنا جاء القول الفصل لحل النزاع، حتى استجاب الجميع لهذا النداء.
لهذا أتمنى على أستاذ / عبد العزيز أن يقرأ الواقع تماماً، ويحلل جوانبه المختلفة، ولا يركن إلى التصريحات، والمقابلات، والفضائيات، والمؤتمرات الصحفية، لأن ما يدور داخل الغرف، غير ما يُقال أمام الكاميرات، فأمام عدسات التصوير، يريد كل فصيل أن يبرهن أمام الجميع بأنه الأقوى، ولهذا علينا أن نقرأ النتائج، وليس الاتهامات. وهنا لا أقول لك أيها الأستاذ/ ( ينبغي على السلطة!) كما بدأت موضوعك، لكنني أقول: أتمنى عليك أن تفتح كتب التاريخ والجغرافيا المتصلة بالقضية الفلسطينية، والشعب الفلسطيني، لتقرأ تراثه، وتاريخه، وأصوله، وثوابته، ونضالاته، حتى تستنتج الرؤيا الصحيحة عندما تراودك نفسك للكتابة عن فلسطين والفلسطينيين.
ثم إنني أعجب تماماً من قول الكاتب " بأن النضج السياسي لدى حماس هو الذي أوقف إراقة الدماء"   ولكن، حتى وإن كان الأمر هكذا، فهذا يدل على وعي كامل من الأخوة في حماس بالمسؤولية، واعتراف بالخطأ الذي وقعوا فيه عندما وجهوا بنادقهم وصواريخهم لمصفحات السلطة التي خرجت لحماية الممتلكات الخاصة والعامة، وليس لقتل الأبرياء، وهنا أتساءل: سواء كان نضجاً حمساوياً أم سلطوياً، هو نضج للشعب الفلسطيني، ولا يمكننا الفصل بين فصيل وآخر، لأننا جميعاً في بوتقة واحدة، والتاريخ شاهد، وسيشهد مستقبلاً عملية انضمام التنظيمات المسلحة، والحركات الجهادية كاملة تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، وهي تسعى الآن بقوة إلى الانضمام للمنظمة، وتتحول كافة القوى إلى جبهة معارضة أو سلطة، حتى لا يبرز على الساحة العربية من يكيل التهم جزافاً للشعب الفلسطيني، أو يحاول تجزئته بين حماس والجهاد وفتح والسلطة، وغير ذلك.
إن واجب السلطة هو حماية الشعب الفلسطيني، وتنفيذ الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل برعاية مصرية أو عربية، وعلى السلطة واجب حماية الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة حتى لا يُفضي ذلك إلى انعكاسات خطيرة، لكن تجاوز البعض لمثل هذه الاتفاقيات يجعل الشعب الفلسطيني بأكمله عرضة لطائرات ودبابات وصواريخ إسرائيل، وإحراج لمصر ، وهنا ماذا سيجني الشعب الفلسطيني من هذا كلّه، إلا مزيداً من الدمار، ومادة للمحطات الفضائية، ولبعض الأقلام التي تصطاد في الماء العكر، لتصور أن السلطة تمنع مقاومة الاحتلال، وتبرز على الوجه الآخر نضال الحركات الجهادية.
إن المطلوب من الجميع الآن سلطة ومعارضة ترتيب البيت الفلسطيني والاستعداد لاستلام الأراضي التي ستنسحب منها إسرائيل، لهذا جاءت الدعوة لحماس والجهاد للدخول في تشكيل وزاري، ثم دعوة أخرى بتكوين لجنة مشتركة لاستلام الأراضي التي ستنسحب منها إسرائيل، وقوبل كلهّه بالرفض من الأخوة في الحركات الجهادية لأسباب تُحترم من قِبل السلطة الفلسطينية.
وأستغرب من قولك" تظن السلطة أن هذا يجعلها مهابة في نظر الفصائل.. وأن الجميع لن يهاب السلطة...."  ما هذا الهراء ؟ وما هذا التطاول على نضال الشعب الفلسطيني الممتد لأكثر من قرن من الزمان، وأتساءل لِما لا تكون  السلطة مهابة في نظر الفصائل جميعها، ونظر الجميع، أليس للسلطة رئيس ومجلس تشريعي منتخب؟ ووزراء وسفراء؟ ، أليس للسلطة كيان يسعى لتطبيق القانون؟ أليس للسطة جواز سفر ودستور وتشريعات وقوانين تنظم العمل الإداري والمالي  والسياسي والاقتصادي والدبلوماسي والاجتماعي والتنظيمي والأمني؟ أليس للسلطة علم وشعار، وكيان ووجود، أليس للسلطة شعب يحميها ؟ أليس للسلطة زعيم يستقبل كغيره من زعماء العالم؟  أليس الجميع هم فلسطينيون اصلاً من هذه الأرض التي نبتوا فيها وترعرعوا عليها، ولم يفدوا إليها من أماكن مجهولة ؟ فلِم لا تكون مهابة في نظر الجميع؟! لِم لا يحترم الأقلية رأي الأكثرية؟ أم تريد أن يبقى الصراع دموياً بين الشعب الفلسطيني حتى يجد القلم مادة للكتابة والنيل من هذا الشعب الذي يستحق التقدير لنضالاته وشهدائه. وأتساءل هنا: هل يوجد دولة في العالم، لها سلطتان، وسلاحان وعلمان، ودستوران، ووو؟!
الأستاذ/ الملا : إن العلاقة بين السلطة والشعب لم تقم على أساس "التخويف والترهيب"، بل الاحترام والتقدير، ولم تستخدم السلطة العصا الغليظة للنيل من الشعب رغم مخالفة البعض لِما تم الاتفاق عليه في القاهرة، ولكن ربما تكون السلطة غداً مضطرة لاتخاذ أي إجراء يضمن أمن وسلامة المواطن الفلسطيني بعد الانسحاب من قطاع غزة، لأنه لا سلطة غير السلطة الفلسطينية وسلطة القانوان الواحد، ولا يوجد لدينا إلا علم واحد، ووطن الواحد، ورئيس منتخب واحد.
أما إسداء النصائح للسلطة فإنهاا تتقبلها بدءاً من الرئيس، وحتى الإنسان العادي، وإن كانت صادرة من كاتب المقال، ولكن إذا كانت في محلّها، لكن أن يأتي النصح كما ورد في الموضوع، لا يمكن أن يكون نصحاً، "  لا يجوز أن يسجل على السلطة – تاريخيا- أنها نسيتها أو غفلت عنها أو تجاوزتها  وهو أمر غير مقبول في المنظور السياسي التقني المهني ولا في المنظور الوطني الثوري والجهادي هو أنه لا يجوز أن يسمح للعدو أن ينسحب من غزة  والذي هو انسحاب استراتيجي وحدث تاريخي  وحق عام لكل الشعب الفلسطيني....أنه مكرمة صهيونية. " الكلام للكاتب" أقول بأن الفلسطينيين وقعوا اتفاقيات برعاية مصرية، ويجب أن يلتزموا بها، ومصر هي الوسيط معنا، وعليها التزام تجاهها، ومن هنا جاء التدخل المصري السريع، ولهذا دوماً أقول قراءة التاريخ واجبة لكل من يجهل القضية الفلسطينية التي تستعصي أحياناً على الكتّاب الكبار.
أقول بأن إسرائيل فعلاً ستنسحب من القطاع، فما مبرر ما يحدث الآن، هل من أجل تعطيل المسيرة، أم من أجل إثبات الوجود إلى ما بعد الانسحاب، وللعلم فإن أي عمل عسكري حتى وإن كان على مستوطنات فارغة من المستوطنين، ينعكس سلباً وبشكل مرير على الشعب الفلسطيني، وكم عانيت، ويعاني الأخرون الآن من مثل هذه التصرفات غير المحسوبة، أو المسؤولة أيا كان مصدرها، ويكفي أن أقول بأن إسرائيل منعت مغادرة الشباب حتى سن 36 سنة من القطاع حتى وإن كان يحمل إقامة في الخارج، وأزيد لأقول بأن حاجز الموت في أبو هولي يقتل الحياة في القطاع بشكل لا يمكن أن يتصوره إنسان، وأستسمح ذوي الصوت العالي الآن بأن هذه اللغة اصبحت في المجهول، لأن الواقع يُقرأ من الفرضيات وليس العصبيات.
إنني هنا أريد أن أذكر بأن الحركات الجهادية في فلسطين أصدرت الفتيا بتحريم التعامل مع اتفاقية "أوسلو"، وحرمت المشاركة في الانتخابات التشريعية، والرئاسية، لأنها مبنية على هذه الاتفاقية، واليوم تحاول نفس المنظمات والحركات الدخول في الانتخابات المبنية على اتفاقية أسوأ من أوسلو كما قال الرئيس المرحوم / ياسر عرفات( خارطة الطريق) أتعرف لماذا، لأن التاريخ تغيّر، والمعطيات التي قرأتها فتح سابقاً والمنظمة كانت مبنية على استراتيجيات المرحلة القادمة، بعكس الرؤيا التي بنيت من قِبل الآخرين، وهذا يجعل الشعب الفلسطيني اليوم أكثر قوة وتلاحماً في مواجهة العدو الإسرائيلي سياسياً.
إن الثوابت التي ناضل الشعب الفلسطيني على أساسها ستبقى حجر الزاوية في التعامل معها، ولا يمكن لأحد هزّها، لأنها قضايا جوهرية، ومتصلة بمصير الشعب الفلسطيني، ومستقبله، لهذا فإنه لا يمكن لأي إنسان التلاعب بها أو التنازل عنها مهما اشتدت الأحداث.
إنني أتمنى على كاتب المقال وهو التربوي المشهود له في إدارة مدرسة التجارة سنوات، أن يكون أكثر دقة في تناوله لأي موضوع سياسي، وخاصة ما يتصل بالقضية الفلسطينية، حتى لا يقع في هنات هو في غنى عنها.
أقول : بأن السلطة الوطنية الفلسطينية هي الركيزة لبناء الدولة الفلسطينية مستقبلاً، ولولا نقض إسرائيل لتعهداتها منذ عام 1994 لأصبح واقعنا الفلسطيني مختلف تماماً عن الواقع الذي نعيشه الان، ولاختلفت معه أبجدية التعامل مع دولة فلسطين، والتي بإذن الله ستتحقق مستقبلاً، ولو بعد حين.
أخيراً سنحتفل يوم الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، لنعلن أن عهد السلام بدأ يطل على الأجيال القادمة، ولكننا نعلم أن جزءاً من الوطن يحتاج إلى نضال سياسي طويل، ستشمر له السواعد بكل ما أوتينا من قوة.


اضغط هنا للتواصل أو التعرف على السفير يحيى زكريا إسعيد حمدان الأغا

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد