يحتفل الفلسطينيون بعيد الجلاء الأصغر، ليكون نموذجاً للعيد الأكبر بعد جلاء قوات الاحتلال الإسرائيلي عن القطاع كاملاً، والضفة الغربية والقدس، لأن العظماء يعرفون بأن هناك قمماً أخرى يجب الوصول إليها، لبسط السيادة على كامل التراب الفلسطيني.
بالأمس كانت لحظات انتظار أمام حاجز أبو هولي، وحاجز التفاح، وحاجز المطاحن، وطريق صلاح الدين، وقد انتهت اليوم، "والزنانة" صوت تلك الطائرة اللعينة التي قضت على المئات من شعبنا الفلسطيني، لن تحلق في سمائنا، أما الأباتشي والصواريخ، فلن تطلق صواريخها، وقاذفاتها على شعبنا بعد اليوم ، وستبقى تلك الأيام والسنوات صفحات مظلمة في تاريخ الكيان الإسرائيلي، ومشرقة لنضالات الشعب الفلسطيني،ليثبت بأن الإرادة الصلبة، تقهر تلك الدبابات والطائرات، وأن الحق لن يضيع مادام وراءه مطالب، فهنيئاً للقيادة الفلسطينية بهذا الإنجاز التاريخي المشرّف وإن كان منقوصاً، ليضاف إلى الأيام الفلسطينية الممتدة عبر سنوات النضال الفلسطيني، وليكون هذا اليوم تتويجاً لنضال عسكري وسياسي لقادة عظماء، منهم من فارقنا شهيداً، ومنهم مازال قابضاً على المبادئ دون تفريط فيها مهما ضاقت حلقاتها.
في مثل هذه المناسبة، علينا أن نذكر بإعزاز وفخر وشرف شهداء فلسطين عبر سنوات النضال المختلفة، لنقدم لهم غرة نضالهم، بدءاً من أول شهيد من حركة(فتح) التي قادت الثورة عبر تاريخها الممتد منذ عام 1965، وصولاً إلى القادة الكبار الذين انتصروا على أنفسهم من أجل الوطن، من جميع الحركات الجهادية، والتنظيمات الفلسطينية المختلفة.
في مثل هذا اليوم يحق لنا الآن أن يعلو الفخار هاماتنا لأن جزءاً من الأرض الفلسطينية تم تحريره بدماء الشهداء، وبعزائم الأوفياء، وقيادة العظماء، وصبر الشرفاء، وأسرى المعتقلات، بل ويحق لكل فلسطيني في الشتات والوطن أن يعتز بأن جزءاً من أرضه قد حُررت بعد أن كانت من المستحيلات.
يحق لنا كفلسطينيين وخلال فترة الانسحاب أن نبرهن للعالم بأننا قادرون على بسط السيادة على الأرض الفلسطينية بكل اقتدار، وقادرون على تجاوز الامتحان الذي وضعتنا فيه إسرائيل من خلال الانسحاب أحادي الجانب، في ظنٍ منها أننا سنفشل في إدارة القطاع .
إن المسؤوليات جسام، وعلينا بتحملها أمام كاميرات المراسلين من جميع أنحاء العالم، وعبر وسائل الإعلام المختلفة، لنعبر عن انتصارنا بأسلوب يتناسب مع الموقف التاريخي، دون إسراف أو مبالغة، فالوطن مازال محتلاً، وجزء من أرضنا الفلسطينية مازال يُنهش بالحدار العازل يومياً، ولكن واجبنا اليوم أن نرسل رسالة إلى الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الذي ضحوا بحريتهم من أجل حرية الوطن والشعب، ونقول إن حرية الوطن مرهونة بحريتكم، ولن نهنأ إلا بإطلاق سراح آخر معتقل من سجون الاحتلال سوا كان فلسطينياً أم عربياً، ناضل من أجل فلسطين، ليساهموا في بناء الوطن، كما يجب علينا الأخذ بأيدى الجرحى( من ذوي الاحتياجات الخاصة) الذين أصيبوا خلال فترة الاحتلال دفاعاً عن الوطن.
علينا جميعاً أن نحتفل بهذا اليوم كما احتفلت جميع دول العالم بيوم جلاء المستعمر عنها، وليكن علمنا الفلسطيني رمز الوطن هو الذي يُرفرف في كل مكان، لأن الوحدة الوطنية التي يدعو لها الجميع تنظيمات وفصائل، وحركات يجب أن تسود على أرض الواقع، لا أن نقول غير ما نترجم، ولنرسل للعالم رسالة أخرى وواحدة مضمونها، بأن الشعب الفلسطيني يحتفل تحت لواء العلم الفلسطيني رمز وطنهم، ولن يشوه الاحتفال رايات من ألوان أخرى لا قِبل لنا بها، إلا أنها ستكون إن وجدت عنوان تشرزمنا وضعفنا وتفرقتنا.
إن احتفالنا يجب أن يضم جميع أبناء الشعب الفلسطيني بكل شرائحه، وتوجهاته، وفي زمن واحد، لنرسل للعالم الذي يرقب هذا الاحتفال بأن الشعب الفلسطيني جميعه تحت قيادة فلسطينية واحدة، فالمرحلة القادمة تتطلب أن نكون صفاً واحداً من أجل الضفة الغربية والقدس تحديداً.
ولكن ما يهم أكثر في المرحلة القادمة، هو البناء من أجل الوطن، والأجيال القادمة، ولن نعلّق بعد اليوم أخطاءنا وتجاوزاتنا، ومشاكلنا الداخلية السياسية منها والاجتماعية والإنمائية، والإمنية على الاحتلال الإسرائيلي.
سنبدأ بتطبيق القانون على الجميع دون تمييز، وسيتم الحد من البطالة التي بدأت تأكل جسد الشباب قبل الشيوخ، وسيجد الجميع فرص عمل كل حسب إمكانياته وقدراته، وستوفر السلطة الفلسطينية الأمن والأمان لكل أبناء الشعب الفلسطيني على السواء، وأعتقد بأن القيادة الفلسطينية تعي كاملاً هموم الشعب الفلسطيني ومشاكله، وستعمل جاهدة على إنهائها مهما كلّف الأمر.
إن الرسالة التي يأملها أبناء فلسطين منع السلاح من الشوارع، حتى لا يسود قانون الغاب الذي كان يتحكم في أبناء فلسطين بين الحين والآخر بفعل السلاح المتواجد بين معظم التنظيمات الفلسطينية، وأملنا كبير في سحب جميع الاسلحة غير القانونية من الشوارع ، ليشعر الشعب بالأمن والأمان، حتى سلاح السلطة نأمل أن يكون مقنناً كما هو الحال في جميع دول العالم المتحضر.
نعلم جميعاً بأن السلطة أمام مسؤوليات جسام، وعلينا كشعب فلسطيني في الداخل والخارج أن نساعدها حتى يتم إنجاز ما عليها من مهام، ولتمتد جميع الأيدي لها لبناء وطن يُحمى من جميع أبنائه، ويكون مبنياً على الكل المتكامل، وليس الطائقية أو الحزببية.
علينا أن نساهم بأفكارنا البنّاءة مع السلطة عبر وسائل الإعلام المختلفة لنبني هذا الجزء من الوطن، ونضمد جراحه الغائرة عبر سنوات من الاحتلال .
عينا الاستعداد للبدء في الانتخابات البلدية والتشريعية، لتكون الديمقراطية رسالتنا الأخرى للعالم.
وهنا نذكر بتقدير ووفاء لجميع دول العالم الحر التي مدّت أيديها خلال العقود السابقة، ونقدر هنا مواقف الدول العربية والإسلامية دون استثناء، التي ناصرت الشعب الفلسطيني عربيا ودولياً، ومارست ضغوطاً عديدة على بعض دول العالم من أجل الحق الفلسطيني، وتحية ممزوجة بعطر الوفاء إلى هذه الدول التي ساندتنا وقت الصعاب وفي المحن، وأثناء الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية، ونقول بأن طريق القدس والضفة الغربية يبدأ سوياً من قطاع غزة، ويداً بيد من أجل أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وعاصمة دولة فلسطين بإذن الله.