مقالات
( رحمانيّات ربانية للأمّة المُحَمَدِيّة ) (11) في رحاب فضائل سورة الإسراء ‘‘ للقدس ســلامٌ ’’
بسم الله الرحمن الرحيم
( رحمانيّات ربانية للأمّة المُحَمَدِيّة )
(11)
في رحاب فضائل سورة الإسراء ‘‘ للقدس ســلامٌ ’’
الحمد لله الذي جعل القبلة الأولى إلى المسجد الأقصى قبل أن تُحوَّل إلى البيت الحرام في مكّة المكرمّة ، ونحمده تعالى أن كرّمنا بالمسجد الأقصى المبارك وما حوله وجعلها أرض المحشر والمنشر ، والحمد لله الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بارك حولة وكرّمه وكرّمنا بأن صلّى فيه سيّدنا محمّد عليه الصلاة والسلام بالأنبياء والرسل إماماً ليلة عُرِج به إلى السموات العُلَى .
والمسجد الأقصى في بيت المقدس بُنِيَ بعد البيت الحرام في مكة المكرمة بأربعين عاماً ، ونجد في سنن النسائي:[ أخبرنا عليُّ بن حجر قال : حدثنا عليّ بن مُسْهِرٍ عن الأعمش عن إبراهيم قال : كنت أقرأ على أبي القرآن في السكة ، فإذا قرأت السجدة ، سَجَدَ ، فقلت : يا أبتِ أتَسْجُدُ في الطريق؟ فقال : إنِّي سمعت أبا ذَرٍّ يقول: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أي مسجد وُضِعَ أولاً ؟ قال: المسجد الحرام ، قلت: ثمَّ أي؟ قال: المسجد الأقصى ، قلت: وكم بينهما ؟ قال: أربعون عاماً ، والأرض لك مسجد ، فحيثما أدركت الصلاة ، فَصَلِّ ’’ .
وبيت المقدس مكان رباني اختاره الله تعالى بإرادته وحكمته ، والله تعالى ختم رسالاته برسالة الإسلام ، وبالأنبياء سيّدنا محمد صلّى الله علية وسلّم الذي صلّى إماماً بالأنبياء في المسجد الأقصى قبل عروجه إلى السموات العُلى ليلة السابع والعشرون من شهر رجب ، وكلنا يعرف قصة الإسراء والمعراج . وهذا يعني أن دين التوحيد هو الإسلام وقائده هو سيّدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم . وتبلغ مساحة ‘‘ حَرَم ’’ المسجد الأقصى داخل الأسوار (142000) متراً مربعا ، ومساحة بناء المسجد الأقصى ذاته يبلغ (4400) متراً مربعاً ، ومسجد قبّة الصخرة أحد مساجد كثيرة من المساجد والمصلّيات والمعالم التي تكّّون المسجد الأقصى المبارك الذي أعاد بناؤه الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان الذي خصص خراج مصر لسبع سنوات لهذا الغرض .
ومسجد الصخرة من أشهر الأماكن في المسجد الأقصى وكذلك حائط البراق الذي ربط به سيّدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم دابة البراق عند دخوله المسجد الأقصى المبارك . والمسجد الأقصى هو أولى القبلتين ، وثالث الحرمين بعد الحرم الشريف في مكة المكرمة ، ومسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المدينة المنورة . وقد صلّى المسلمون إلى المسجد الأقصى ستة عشر شهراً قبل تحوّل القبلة . وجاء في صحيح مسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال:[ صلّيت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلّى بيت المقدس ستة عشر شهراً حتى نزلت الآية التي في البقرة ‘‘ وحيث ما كنتم فَوّلواْ وجوهكم شَطرهُ ’’ ، فَنَزَلَتْ بعدما صلّى النبي صلّى الله عليه وسلّم ، فانطلق رجلٌ من القوم ، فمرَّ بناسٍ من الأنصار وهم يُصلّون ، فحدّثهم ، فولّوا وجوههم قٍِبَلَ البيت ’’ ] . وقد روى الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:‘‘ سيّد البقاع بيت المقدس ، وسيد الصخور صخرة بيت المقدس ’’ .
وعن ميمونة مولاة النبي صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم قالت : ( يا نبي الله ، أفتنا في بيت المقدس ، فقال : أرض المنشر والمحشر إئتوه فصلّوا فيه ، فإن صلاةً فيه كألف صلاة فيما سواه ، قالت : أرأيت من لم يطق أن يتحمل إليه أو يأتيه ؟ قال : فليهد إليه زيتا يُسرَج فيه فإن من أهدى له ، كان كمن صلى فيه ’’ . وجاء في الأثر أن وفداً من بيت المقدس جاء إلى المدينة المنورة لمقابلة أمير المؤمنين سيّدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقام سيّدنا عمر رضي الله عنه بنفسه ينظف ويجهز المجلس ويضع الفُرُش والتكيّات إكراماُ وتكريماً لهذا الوفد الكريم ، فقيل له : ما بالك يا أمير المؤمنين نراك تستقبل الوفود من كل البلدان ولا نجد منك مثل هذا ، فقال رضي الله عنه:[ لقد قرأت في الكتب أن أهل بيت المقدس يرثون الشهادة كابرٍ عن كابر ، ومثل هؤلاء جديرون بخدمتهم ( أو كما قال )] . أمّا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقد بشرنا بالطائفة المنصورة والمرابطة والظاهرة والمتمسكة بدينها إلى يوم الدين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس فقال صلّى الله عليه وسلم:‘‘ لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إلاّ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لأوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ ’’ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ : ‘‘ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ’’.
وتلك كرامة وبشرى لأهل بيت المقدس وأكناف بيت المقدس . ومن فضائل المسجد الأقصى ما جاء في الحديث الشريف:‘‘ من أهلَّ بحجةٍ أو عمرةٍ من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر الله ما تقدم من ذنبه أو وجبت له الجنة ’’ . وفي سنن النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:‘‘ لا تُشَدُ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى ’’ .
وعن جابر أن رجلا قال) : يا رسول الله أي الخلق أول دخولاً إلى الجنة ؟ قال: الأنبياء ، قال: ثم من ؟ قال: الشهداء ، قال ثم من ؟ قال: مؤذنوا المسجد الحرام ، قال: ثم من ؟ قال: مؤذنوا بيت المقدس ، قال ثم من ؟ قال : مؤذنوا مسجدي هذا ، قال ثم من ؟ قال: سائر المؤذنين على قدر أعمالهم ’’. تلك مقدمة في بعضٍ من فضائل بيت المقدس والمسجد الأقصى وقد أطَلْتُ فيها قبل الدخول في بعضٍ قليلٍ من كثير لفضائل وبركات سورة الإسراء التي سُميَّت بهذا الاسم تخليداً لمعجزة إسراء سيّدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم من مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في القدس الشريف في جزء قليل من ليلة مباركة ليلة السابع والعشرون من شهر رجب ، فكانت كرامةً وتكريماً لسيّدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم بعد الذي لاقاه من المشركين ، فأيّده الله تعالى بتلك المعجزة والآية الباهرة التي تدل على قدرة الله سبحانه وتعالى في صنع العجائب والغرائب ، فأراه الله سبحانه وتعالى ملكوت السموات والأرض والسموات العُلى والجنَّة والنار وسدرة المنتهى والملائكة والأنبياء كلهم . وتُسّمى سورة الإسراء أيضاً سورة (بني إسرائيل) لأنها تتحدث عنهم وخصوصاً في الآيات الثمان الأولى التي فيها الكثير من المعاني والعِبَرِ والتبشير للمؤمنين . وقد تعرضت هذه السورة الكريمة إلى شئون العقيدة والوحدانية لله تعالى والرسالة المحمدية والبعث والنشور والقرآن العظيم المعجزة الخالدة لسيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، وكذلك إلى بعض الأخلاق الكريمة والفاضلة ودعت إليها كقوله تعالى:‘‘ وَقَضَى ربُّكَ ألاَّ تعبدوا إلاَّ إيَّاه ...’’ . وتحدثت هذه السورة عن بعض الآيات الكونية الدالة على عظمة الله تعالى ووحدانيته والنظام الدقيق الذي يحكم الليل والنهار: ‘‘ وَجَعَلْنَا الليْل والنَهَار آيَتَيْن ...’’ ، وخُتِمَت السورة بتنزيه الله سبحانه وتعالى عن الشريك والولد وصفات السوء والنقص:‘‘ وَقُلِ الحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدَاً وَلَمْ يَكُن لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكبِّرْهُ تَكْبِـيرَاً (111) ’’ .
وكنا في مقال الشهر المضي قد تحدثنا عن بعض فضائل التحميد ( الحمد لله ) ، واليوم في سياق فضائل سورة الإسراء نتحدث عن بعض فضائل التسبيح ( سبحان الله ) ، وهي كثيرة جداً ولا تكفي المساحة هنا للتحدث عن تلك الفضائل . وسورة الإسراء إحدى ثمانية سُور في القرآن الكريم استهل الله سبحانه وتعالى سبعةً منها ( بالتسبيح ) ، أما الثامنة وهي سورة النحل فقد أتى التسبيح ضمن الآية الأولى من السورة ، كما ختم الله سبحانه وتعالى سبعة سُوَر كريمة بالتسبيح . وأمّا معنى التسبيح كما جاء في تفسير الطبري:[ أن سبَّح - في اللغة - بمعنى مَجَّدَ ونَزَّههُ عن السوء ، وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما :( أي صلّى لله ما في السموات من الملائكة ، ‘‘والأرض’’ من شيء فيه روح أو لا روح فيه ) ، ‘‘ فَسَبِّحَ ’’ - فعل أمر - أي صلِّ باسم ربك وَبِأَمْرِهِ ، وان كل ما دونه جلَّ وعلا من خلقه يسبح - أي يصلي - تعظيماً له وإقراراً بربوبيته وإذعاناً لطاعته . وسَبَّحَ تأتي هنا - إعراباً في اللغة - فعل ماضي واسم فعل ، أي أن المُسَبِّح : سَبَّحَ في الماضي منذ خلق الله سبحانه وتعالى الكون والسماء والأرض وكلِّ شيء ، وما زالت كل المخلوقات والأشياء تسبّح إلى ما شاء الله تعظيماً وإجلالاً لربوبية الله تعالى . وقد روى طلحة بن عبيد الله قال : سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن تفسير سبحان الله فقال:‘‘ هو تنزيه الله عزَّ وجلَّ عن كل سوء ’’. وأمّا لفظ ( سبحان ) فإنه يدل على كمال القدرة والحكمة والإعجاز والتنزّه عن صفات المخلوقين .
وللتسبيح فضل عظيم عند الله سبحانه وتعالى ، وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى في مواضع كثيرة في القرآن الكريم بالتسـبيح ، منها على سبيل المثال لا الحصر:‘‘ وسـبِّح بِحمْـدِ رَّبِك قَبْلَ طُلُوعِ الشَـمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِـها ’’(سورة طه آية 130) ، وقال تعالى:‘‘ وسبِّح بِحَمْــدِ رَبِّكَ بالعَشِيِّ الإبكار ’’(سورة غافر آية 55). وروى أبي ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه فقال : قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :‘‘ ألا أُخبرك بِأحَبِّ الكلام إلى الله ؟ قلت : يا رسول الله أخبرني بأحبِّ الكلام إلى الله ، فقال:‘‘ إنَّ أحَبَّ الكلام إلى الله سبحان الله وبحمدهِ ’’ . وفي رواية مسـلم أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سُئِلَ :( أيُّ الكلام أفضل ؟ قال:‘‘ ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده : سبحان الله وبحمده ’’ . كما روى سُمُرَةَ بن جُندب عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ‘‘ أفضل الكلام أربع : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر لا يضرّك بأيهّنَّ بدأت ’’ . وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‘‘ من قال سبحان الله وبحمده غُرِسَتْ له نخلةٌ في الجنةِ ’’ . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:‘‘ كلمتان خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان ، حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله وبحمدهِ ، سبحان الله العظيم ’’ . وفي الحديث عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال :‘‘ جاء إسرافيل عليه السلام إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وقال : قل يا محمد سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم عدد ما عِلْمُ الله تعالى وَزِنَةَ ما عِلْمُ الله تعالى وَمِلءَ ما عِلمُ الله تعالى ، فمن قالها مرة كتب الله له خمس خصال : كُتِبَ من الذاكرين الله كثيراً وكان أفضل من ذَكَرَه بالليل والنهار ، وكان له غرساً في الجنة ، وتحاتَّتْ عنه ذنوبه كما يتحاتَّ ورق الشجر اليابس ، ونظر الله إليه ، ومن نظر الله إليه لم يعذبه ’’ . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :‘‘ لقيت إبراهيم عليه السلام ليلة أُسْرِيَّ بي فقال : يا محمد أقْرِيء أُمَّتَكَ مني السلام ، وأخبرهم أن الجنة طيبةُ التربةِ ، عذبةُ الماء ، وأنَّها قيعان ، وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ اللهُ واللهُ أكبر’’ . ورُوِىَّ أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم :‘‘ لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلأّ الله والله أكبر أحبُّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس ’’ .
ورويَّ عن عبد الله بن مسـعود رضي الله تعالى عنه أنه سـمع سائلاً يسأل شيئاً ويقول:( من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً ) فيقول عبد الله بن مسعود: [ سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ، وقال: هذا هو القرض الحسن ] . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسـلّم مرَّ به وهو يغرس غَرْساً فقال:‘‘ يا أبا هريرة ما الذي تغرس ؟ قلت: غراساً ، قال:‘‘ ألا أدُّلُك على غراسٍ خَيْرٌ من هذا ؟ سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر تُغْرَس لك بكل واحدةٍ شجرةٌ في الجنة ’’. وعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:‘‘ ما تستقلُّ الشمسُ ( أي ارتفعتْ ) فيبقى شيءٌ من خَلْقِ الله تعالى إلاّ سَبَّحَ اللهَ عَزَّ وجلَّ وَحَمَدَهُ إلاّ ما كان من الشيطان وأعْتَّاء بني آدم فسألت عن أعْتاء بني آدم ؟فقال : شِرارُ الخلقِ ’’ . وفي القرآن الكريم ثمانية سور تبدأ بتسبيح الله سبحانه وتعالى وهي حسب ترتيب المصحف الشريف : - سورة النحل:يقول الله تعالى :‘‘ أتَى أمْرُ اللهِ فَلاَ تَسْتَعجِلُوهُ سُبْـحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ’’ ( آية1). - سورة الإسراء : يقول الله تعالى: ‘‘ سُبْحَانَ الَّذِي أسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاًَ مِنَ المِسْجِدِ الحرَامِ إلَى المَسْجِدِ الأقصَى الِّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنرُيِهُ مِنْ آيَاتِـنَآ ...(1)’’ . - سورة الحديد : يقول الله تعالى : ‘‘ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ (1) ’’. - سور الحشر : يقول الله تعالى:‘‘ سَـبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيـمُ(1)’’. - سورة الصف : يقول الله تعالى:‘‘ سَـبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيـمُ (1)’’. - سورة الجمعة : يقول الله تعالى:‘‘ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَواتِ وَمَـا فِي الأرْضِ المَلِكُ القُدُّوسِ العَزِيزِ الحَكِيمِ (1)’’ . - سورة التغابن: يقول الله تعالى:‘‘ يُسَـبّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرضِ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَعَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ (1) ’’ . - سورة الأعلى : يقول الله تعالى: ‘‘ سَـبَّحِ اسْـمَ رَبِّـكَ الأعْلَى(1) ’’ . وكما بدأ الله سبحانه وتعالى ثمانية سور بالتسبيح فإنه جلَّ شأنه ختم سبعة سُوَر كريمة بسبعة آيات بالتسبيح ، وهي حسب ترتيب المصحف الشريف : - سورة يــس: يقول الله تعالى:‘‘ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلُّ شَـيْءٍ وَإلَيْهِ تُرْجَعُونَ ’’ (آية 83) . - سورة الزمـر : يقول الله تعالى:‘‘ وَترى الملائِكةَ حَافِّينَ مِن حَولِ العَرشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِهِمْ وَقُضِيَّ بَينَهُم بِالحَقِّ وَقِيلَ الحَمْدُ للهِ ربِّ العَالَمِينَ ’’(آية 75)، وفي الآية تسبيح لله تعالى وتحميد . - سورة الطـور: يقول الله تعالى : ‘‘ وَمِنَ الليْلْ فَسَبِّحْهُ وَإدْبَارَ النُجُومِ ’’ (آية 49) . - سـورة الواقعة: يقول الله تعالى : ‘‘ فَسَبِحْ بِاسْمِ رَبِكَ العَظِيمِ ’’ (آية96) . - سورة الحشـر: يقول الله تعالى : ‘‘ يُسَبِحُ لَهُ مَا فِي السَّمواتِ وَالأرضِ وهوَ العزيزُ الحَكِيم’’ (24) . وقد ابتدأت سورة الحشر بالتسبيح أيضاً كما بيّنا أعلاه . - سورة الحاقـة : يقول الله تعالى : ‘‘ فَسَبِحْ بِاسْمِ رَبِكَ العَظِيِم ’’ (آية 52) . - سورة النصـر: يقول الله تعالى : ‘‘ فَسَبِحْ بِحَمْدِ رَبِكَ وَاستَغْفِرْهُ إنَّه كَانَ تَوَّابّا ’’ ( آية 3 ) . من هذا ندرك أن كل ‘‘ شـيء ’’ في السموات من ملائكة كرام ومن في الأرض من إنسان وجماد وحيوان وكل شيء خلقه الله تعالى يسبّح الله تعالى جلَّ شأنه ، وهذا ما تؤكده الآية الكريمة (44) من سورة الإسراء : ‘‘ تُسَـبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبعُ وَالأرْضُ وَمَن فِيهنَّ وَإن مِّن شَـيءٍ إلاَ يُسَـبِّحُ بِحَمدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَـهُونَ تَسـْبِيحَهُمْ إنَّهُ كَانَ حلِيمَاً غَفُورَاً ’’ .
وجلّنا يعلم أن التسبيح والتحميد والتكبير والتوحيد (سبحان الله ، والحمد لله ، والله أكبر، ولا إله إلاّ الله ) هي من الدعاء ، وتلك الكلمات هن الباقيات الصالحات . ومن فضائل سورة الإسراء قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم :[ من قرأ صباحا أو مساء : [ ‘‘ قُلِ ادْعُواْ اللهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحمَنَ أَيَّـاً مَّـا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْـمَاءُ الحُسْـنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِـكَ وَلاَ تُخَافِـتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَـبِيلاَ (110) وَقُلِ الحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدَاً وَلَمْ يَكُن لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكبِّرْهُ تَكْبِـيرَاً (111)’’ لم يمت قلبه في ذلك اليوم ولا في تلك الليلة ’’] . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية الكريمة :‘‘ ألا أعلمك كلمات تذهب عنك الضرّ والسـقم ، قل : توكلت على الحيِّ الذي لا يموت و ( الحَمْدُ لِلَّهِ الَذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدَاً وَلَمْ يَكُن لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يكُن لَّهُ وَلِـيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكبِّرْهُ تَكْبِـيرَاً )’’ ومن فضائل سورة الإسراء أن فيها إحدى آيات الشفاء الست :‘‘ وَقُلْ جَـآءَ الحَـقٌّ وَزَهَـقَ الباَطِلُ إنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقَاً (81) وِنُنَزِّلُ مِنَ القُرَْانِ مَا هُوَ شِـفَاءٌ وِرَحْمَةٌ لِلمُؤْمِنِـينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إلاَّ خَسَـاراً (82)’’. كما في سورة الإسراء آية سجود:‘‘ قُلْ آمِنُواْ بِهِ أوْ لاَ تُؤْمِنُواْ ، إنَّ الَّذِينَ أوتُوا العِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأذقَانِ سُجّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبَّـنَا إن كانَ وَعْدُ ربنا لمفعولاً (108) ويخرّون للأذقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدهُم خُشُوعَاً (109)’’ . وفي سورة الإسراء الآيات الكريمة (79 و80) أمر الله تعالى رسولنا الكريم صلّى الله عليه وسـلّم أن يتهجّد بالليل ليبعثه المقام المحمود الذي وعده الله تعالى يوم القيامة ، وهذا ما ندعوا به بعد كلّ آذان للصلاة بقولنا :[ اللهمَّ آت سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته إنّكّ لا تخلف الميعاد ] ، قال تعالى :‘‘ وَمـِنَ اللَّيْلِ فتَهَجَّد بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أن يَبْعثَـكَ رَبُّكَ مقَامَاً مَحْمُوداً (79) وَقُل رَّبِّ أدْخِلْنِي مُدخَلَ صِدْقٍ وَأخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلطَاناً نَّصِيراً (80 ) وَقُلْ جَآءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقَاً (81 )’’ . وفي سورة الإسراء ‘‘ قَضَى’’ الله تعالى أمراً مبرماً بالإحسان والرفق والرحمة للوالدين لما لهم من حق على أولادهم فقال تعالى :‘‘ وَقضَى رَبُّكَ ألاَ تعْبُدُوُاْ إلاَّ إيَّاه وَبِالوَالِدَينِ إحْسَـانَاَ إمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أحَدُهُمَآ أوكِلاَهُمَا فَلا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمَاً (23)وَاخْفِضْ لَهُمَا جَناحَ الذُّلِّ مِن الرَّحْمِةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبيَّانِي صَغِيرَاً (24)’’ . وفـي الآية الكريمة :‘‘ وَلاَ تَجْهَر بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا ’’ (آية110) ، قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: ( أنَّـها نزلت في الدعاء ) والصلاة هنا بمعنى الدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى . الآية الكريمة (45) من سورة الإسراء بيّنت فضل قراءة القرآن الكريم وأن تعبّد المؤمنين بقراءته درعاً وسدّاً بينهم وبين الكافرين مصداقاً لقول الله تعالى:‘‘ وَاذَا قَرَأتَ القُرْءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابَاً مَّسْتُورَاً ’’ . ومن غَفِلَ في الدنيا ضلَّ الطريق كما جاء في الآية الكريمة (72) : ‘‘وَمَن كَانَ فِي هَذِه أعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أعْمَى وَأضَلُّ سَـبِيلاً ’’ .
وجاء في فضل هذه السورة الكريمة قول السيدة عائشة رضي الله عنها : ‘‘ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ الزُمَر وبني إسرائيل ’’ أي سورة الزمر وسورة الإسراء . إن فضائل هذه السورة الكريمة كثيرة وعظيمة وتحتاج لمساحة كبيرة للتحدث عن فضلها وفضائلها وبركتها ، وقد حاولت قدر المستطاع الاختصار وقد أطلت فأرجو المعذرة . أسأل الله العظيم أن ينفعنا ببركة هذه السورة الكريمة والعظيمة والقرآن العظيم كله ، ونسأله تعالى كما رزق سيّدنا محمداً صلّى الله عليه وسلّم إسراءً إلى المسجد الأقصى في رجب الأصم أن يرزقنا رجباً طيباً مخلصاً يرضَ بهِ وفيه علينا نسري به إلى المسجد الأقصى وأن يكتب لنا الصلاة فيه ، ونسأله تعالى أن يفرّج الكرب والغم عن جميع أهلنا وبلدنا وأكنافه ، وأن يرحم أموات المسلمين وشهدائهم في الوطن والغربة ، وأن يجمع شملنا بأحبتنا عن قريب ، اللهمَّ آمين ، وصلّى اللهم على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين .