بسم الله الرحمن الرحيم
رحمانيّات ربانية للأمّة المُحَمَدِيّة
(12)
من فضائل أمّة سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم
اللهمّ لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ، ونسألك يا الله أن تتم علينا نعمة الهدى والإيمان وأن تعلّمنا ما ينفعنا وتنفعنا بما علّمتنا ، أنك السميع المجيب ، وأفضل الصلاة والسلام على معلّمنا وسيّد الكائنات سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم .
يقول الله تعالى في كتابة الكريم : ( كنتم خير أمّة أُخرجت للناس...)، وقد اختص الله تعالى وكرّم أمّة سيّدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم برحمات خاصة وكتب لهم فضائل ودرجات عالية لم يُعْطِها لغيرهم من الأمم الأخرى السابقة لهم تكريماً لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فيتمنى كل الناس يوم القيامة لو كانوا من هذه الآمة الكريمة على الله تعالى ، فالحمد لله أن جعلنا من هذه الأمة المحمّدية المرحومة فضاعف من حسناتها لأعمال بسيطة . وجاء في الحديث الشريف عن فضل هذه الأمّة العظيمة عن أبي سعيد الخُدْريِّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :‘‘ يُدْعى نوحٌ يومَ القيامةِ فيقول: لبيك وسعديك يا ربِّ ، فيقول: هل بلَّغت ؟ فيقول: نعم ، فيقال لأُمَّتِهِ: هل بَلَّغَكم ؟ فيقولون: ما أتانا من نذير ، فيقول: من يَشْهَدَ لَكَ ؟ فيقول: محمدٌ وأُمتُهُ ، فيشهدون أنَّهُ قد بَلَّغَ ’’ .
أما أمّة محمّد صلى الله عليه وسلم فيكون سيّدنا محمّد عليه أفضل الصلاة والسلام شاهداً عليهم مصداقاً للآية الكريمة في سورة البقرة (143):‘‘ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمَّةً وِسَطَاً لِتَكُونُواْ شهَدَاءَ عَلَى الناسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدَاً..’’ . وروى ابن ماجة مرفوعاً عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ‘‘ أوَّل الأمم حشراً وحساباً أمتي فيقال أين الأمة الأميَّة ونبيّها ، فنحن الآخرون الأولون ’’.
وجاء في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(‘‘ إذا جمع الله عباده يوم القيامة كان أول من يُدْعَى إسرافيل فيقول له ربّه عزَّ وجل: ما فعلت في عهدي ؟ فيقول: يا ربّ قد بلّغت جبريل ؟ فيُدعى جبريل فيقال له: هل بلّغك إسرافيل عهدي ؟ فيقول جبريل: نعم يا رب قد بلّغني ، فَيُخْلَى عن إسرافيل ، ويقال لجبريل: هل بلّغت عهدي ؟ فيقول جبريل: نعم يا ربّ قد بلّغت الرسل ، فتُدعى الرسل فيقال لهم: هل بلّغكم جبريل عهدي ؟ فيقولون نعم ، فيُخلى عن جبريل ، ثم يقال للرسل:هل بلّغتم عهدي ؟ فيقولون: نعم قد بلغنا أممنا ، فتُدعى الأمم فيقال لهم: هل بلّغكم الرسل عهدي ؟ فمنهم المصدّق ومنهم المكذّب ، فيقول الرسل عليهم الصلاة والسلام: لنا عليكم شهداء يشهدون لنا أنّا قد بلّغنا مع شهادتك يا ربّ ، فيقول وهو أعلم : من يشهد لكم ؟ فيقولون: أحمد صلّى الله عليه وسلم وأمته ، فتدعى أمة محمّد صلّى الله عليه وسلّم فيقول لهم الرب جلّ وعلى: تشهدون أن رسلي هؤلاء بلّغوا عهدي إلى من أُرسِلوا إليه ؟ فيقولون: نعم شهدنا أن قد بُلّغوا ، فتقول تلك الأمم: كيف تشهدون علينا وأنتم لم تدركونا ؟ فيقولون: يا ربنا إنّك قد بعثت إلينا رسولاً وأنزلت إلينا عهداً وكتاباً قصّ علينا أنهم قد بُلِّغُوا فشهدنا بما عهدت إلينا ، فيقول الربّ جلّ وعلى: صدقوا ، فذلك قوله تعالى:‘‘ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمّةً وسَطَاً لِتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونُ الرَّسُولُ عَليْكُمْ شَهِيداً’’ ) .
يقول أبو الليث نصر بن محمد الفقيه السمرقندي في كتابه ‘‘ تنبيه الغافلين ’’ برواية عن مقاتل بن سليمان أن سيدنا موسى عليه السلام قال:( يا ربِّ إني أجد في الألواح أمّةً هم الشافعون والمشفعّون فاجعلهم أمّتي ، قال : هم أمّة محمّد صلى الله عليه وسلم ، قال: يا ربِّ أجد في الألواح أمّةً كفارةُ خطاياهم الصلوات الخمس فاجعلهم أمّتي قال: هم أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، قال: يا ربِّ أجد في الألواح أمّةً يَقتلُون أهل الضلالة حتى أنهم يقتلون الأعور الدجال فاجعلهم أمتي قال: هم أمّة محمد صلى الله عليه وسلم ، قال: يا ربِّ أجد في الألواح أمّةً طهارتهم بالماء والتراب فاجعلهم أمّتي ، قال: هم أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، قال: يا ربِّ أجد في الألواح أمّةً يأخذون الصدقات ويأكلونها وكان الأولون يحرقونها بالنار فاجعلهم أمّتي ، قال: هم أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلم ، قال: يا ربِّ أجد في الألواح أمّةً إذا همَّ أحد بحسنةٍ فلم يعملها كُتِبَتْ له حسنةً واحدة وإذا عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف فصاعداً وإذا همَّ أحدهم بسيّئةٍ لم يُكتَب عليه شيء وإذا عملها كُتِبَت عليه سيئةَ واحدةً فاجعلهم أمّتي قال: هم أمَة محمّد صلّى الله عليه وسلّم قال موسى: يا ربِّ أجد في الألواح أمّةً يدخل الجنة منهم سبعون ألفاً بغير حساب فاجعلهم أمّتي قال: هم أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم
وروى معمر عن قتادة هذا وزاد فيه:( قال: يا ربِّ أجد في الألواح أمّةً هم خير الأمم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فاجعلهم أمّتي ، قال: هم أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، قال: يا ربِّ أجد في الألواح أمّةً هم الآخرون هم السابقون يوم القيامة فاجعلهم أمّتي ، قال: هم أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، قال: يا ربِّ أجد في الألواح أمةً أناجيلهم في صدورهم وكانوا يقرءون نظراً فاجعلهم أمتي ، قال: هم أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم . حتى تمنى موسى عليه الصلاة والسلام أن يكون من أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم وأوحى الله تعالى إليه:‘‘ يَا مُوسَى إنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِنَ الشَّاكِرِينَ ’’(سورة الأعراف آية144) ، ‘‘ وَمِن قَوْمِ مُوسَى أمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُوَن ’’ ( الأعراف آية 159) فرضيَّ موسى على رسولنا الكريم وعليه الصلاة والسلام ) . وفي فضل هذه الأمّة العظيمة عن كعب الأحبار رضي الله عنه قال: ( قرأت في بعض الكتب ما أنزل الله على موسى عليه السلام : يا موسى ركعتان يصليهما أحمد وأمته وهي صلاة الغداة من يصليهما غفرت له ما أصاب من الذنوب من ليله ويومه ذلك ويكون في ذمتي ، يا موسى أربع ركعات يصليهما أحمد وأمته وهي صلاة الظهر أعطيهم بأول ركعة منها المغفرة والثانية أثقّل ميزانهم وبالثالثة أوكّل عليهم الملائكة يسبحون ويستغفرون لهم وبالرابعة أفتح لهم أبواب السماء ويشرفن عليهم الحور العين ، يا موسى أربع ركعات يصليها أحمد وأمته وهي صلاة العصر فلا يبقى مَلَكٌ في السموات والأرض إلاّ استغفر لهم ومن استغفرت له الملائكة لم أعذّبه ، يا موسى ثلاث ركعات يصليها أحمد وأمته حين تغرب الشمس أفتح لهم أبواب السماء لا يسألون من حاجة إلاّ قضيتها لهم ، يا موسى أربع ركعات يصليها أحمد وأمته حين يغيب الشفق وهي خير لهم من الدنيا وما فيها ويخرجون من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهم ، يا موسى يتوضأ أحمد وأمته كما أمرتهم أعطيهم بكل قطرة تقطر من الماء جنة عرضها كعرض السماء والأرض ، يا موسى يصوم أحمد وأمته شهراً في كل سنة وهو شهر رمضان أعطيهم بصيام كل يوم مدينة في الجنة وأعطيهم بكل خير يعملون فيه من التطوع أجر فريضة وأجعل فيه ليلة القدر من استغفر منهم فيها مرة واحدة نادماً صادقاً من قلبه إن مات من ليله أو شهره أعطيته اجر ثلاثين شهيداً ، يا موسى إن في أمة محمد رجالاً يقومون على كل شُرِفٍ يشهدون بشهادة أن لا إله إلاّ الله فجزاؤهم بذلك جزاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ورحمتي عليهم واجبه وغضبي بعيد منهم ولا أحجب باب التوبة عن واحد منهم ما داموا يشهدون أن لا لإله إلاّ الله) .
ورُوِيَ أيضاً :[ أن نبي الله موسى عليه السلام ذهب إلى جبل بيت المقدس فرأى قوماً يعبدون الله تعالى بالجد والسعي فسألهم ، فقالوا : نحن من أمتّك نعبد الله تعالى هنا منذ سبعين سنة بالجِّدِّ والسعي لباسنا لباس الصبر وطعامنا نبات الأرض وشرابنا ماء المطر ، ففرح موسى عليه السلام بذلك ، فأوحى الله تعالى إليه : يا موسى لأمّة محمد يومٌ فيه ركعتان خيرٌ من هذا كلّه فقال : يا ربِّ أي يومٍ هو؟ قال : يوم الجمعة فتمنى موسى عليه السلام ذلك اليوم ، فقال الله تعالى : يا موسى يوم السبت لكَ ويوم الأحد لعيسى ويوم الاثنين للخليل إبراهيم ويوم الثلاثاء لزكريا ويوم الأربعاء ليحيى ، ويوم الخميس لآدم ويوم الجمعة لمحمد وأمتّه ، فتعجّب موسى عليه السلام من فضل هذه الأمة ] .
وروى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:‘‘ يقول الله تبارك وتعالى: يا آدم ، فيقول: لبيّكَ وسعديك والخير في يديك ، فيقول: أخرج بعث النار ، قال: يا رب وما بعث النار ؟ قال: من كلِّ ألفٍ تسـعمائة وتسعة وتسعين ، قال: فذلك حين يشيب الوليد وتضع كلّ ذات حملٍ حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكنَّ عذاب الله شديد .
قال أبو سعيد الخُدْرِيّ رضي الله عنه: فاشتد ذلك عليهم ، فقالوا: يا رسول الله أيّنا ذلك الرجل ؟ فقال: أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج ألفاً ومنكم رجلاً ، ثم قال: والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا ربع أهل الجنة ، فحمدنا الله وكبرنا ثم قال: والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة ، فحمدنا الله وكبرنا ، قال: والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة إن مَثَلَكُم في الأمم كَمَثَلِ الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالرقمة في ذراع الحمار ’’ . وجاء في الحديث الشريف:‘‘ إن أمتي يوم القيامة ثُلُثا أهل الجنة ، إن الناس يوم القيامة عشرون ومائة صف وأنتم ثمانون صفاً والأربعون من سائر الأمم ’’ وقال الترمذي حديث حسن .
روى الإمام مسلم في صحيحه : [ أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عزَّ وجلَّ في سيدنا إبراهيم عليه السلام:‘‘ رَبِّ إنَّهُنَّ أضْلَلْنَ كَثِيرَاً مِنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإنَّه مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَأنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ’’ (سورة إبراهيم آية 36) وقول سيدنا عيسى عليه السلام:‘‘ إنْ تُعَذِّبْهُمْ فإنَّهمْ عِبَادُكَ وَإن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ’’ (المائدة 118) ، فرفع يديه صلّى الله عليه وسلم_وقال: اللهمَّ أمتي أمِتي ، وبكى فقال الله تعالى يا جبريل: اذهب إلى محمد_ وربك أعلم _ فأسأله ما يبكيك ؟ فأتاه جبريل عليه السلام فسَأَلهُ ، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال_ والله أعلم_ فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له إنَّا سنرضيك في أمتك ولا نسوئك ’’ . وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:‘‘ يناد منادٍ من تحت العرش يوم القيامة: يا أمة محمد ما كان لي قِبَلَكُمْ فقد وهبته لكم ، وبقيت التبعات فتواهبوها وادخلوا الجنة برحمتي’’ ، فالحمد لله تعالى على نعمة أننا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخيراً نقول أن هذا غيض من فيض لفضل أمّة المسلمين ، ولكن البعض قد لا يعرفون هذه المكانة العالية لهذه الأمة فيتخبطون في طغيانهم يعمهون فيغوصون في حقوق أنفسهم وحقوق الآخرين وهمهم فقط حطام الدنيا ، ولكن عذاب الله شديد ، ومن أدرك وعاد للصواب فإن رحمة الله وسعت كل شيء . إن ألأمر يحتاج منا كثيراً من الإخلاص في الأمانة تجاه أنفسنا وتجاه الآخرين لنستحق تلك المكانة ، نسأل الله تعالى أن يكرمنا بعفوه وغفرانه ورضاه وتوفيقه وأن يهدينا سواء السبيل ويغفر لنا ولشهدائنا في الوطن والغربة وأن يفرّج عنّا جميعاً كل الهموم والعثرات ويجمعنا بأحبتنا ، اللهمَّ آمين ، ونحمده تعالى أن كرّمنا وجعلنا من أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، وآخر دعوانا الحمد لله ربّ العالمين .