مقالات

محمد مهدي الأغا.. رمز المصطبرين المحتسبين- نبيل خالد الأغا- الدوحة

الحبيب ابن الحبيب ابن الأحبة محمد مهدي

ترعاك عناية الرحمن الرحيم، وتحفك رحمات مالك يوم الدين وبعد:
لقد أسعدتني مقالتك الماتعة الممتعة التي فاح عبيرها على سعف وقنوان وثمار نخلتنا الباسقة في اليوم الثاني من شهر مايو/الحالي (2010) والتي حملت عنوان: «احترام وتقدير لصاحب القلم النبيل».
أما مبعث سعادتي فمرده إلى طبيعتنا البشرية التي جبلها الحق تبارك وتعالى في السلالة الآدمية ألا وهي حب الإطراء والتوق إلى المديح الموضوعي المتزن.
ورافق شعوري بالسعادة شيء من الارتباك مبعثه صراحة شعوري الذاتي بعدم استحقاقي لهذا القدر من الكرم المعنوي الذي أسديته لي مشكوراً ومأجوراً إن شاء الله تعالى.

أقول ذلك برغم قناعتي الثابتة بأنك تكتنز لحسابي ولصالحي الكثير الكثير من نفائس المودة، في أعماق قلبك العامر بكل مفردات الخير والعطاء.
تجمعنا يا أخي محمد عديد من الأواصر الوثقى أهمها اثنتان الأولى: آصرة الحب في الله، مصداقاً للهدي المحمدي المنير: «أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله».
أما الآصرة الثانية ـ وليست الأخيرة ـ فهي آصرة الرحم والقرابة استنارة بالنص القرآني المحكم: «إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى....»، ولمزيد من الإيضاح على الواقع الحياتي يقول باب العلم الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: «تحتاج القرابة إلى المودة ولا تحتاج المودة إلى قرابة».
ومن أبدع ما قرأت في هذا الإطار المرصع بفرائد الحب الطاهر قول الإمام الحسن البصري رضي الله عنا وعنه ناصحاً وموجهاً «استكثروا من الأصدقاء المؤمنين فإن الرجل يشفع في قريبه وصديقه، فإذا رأى الكفار ذلك قالوا: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم».

أبا عبدالله.. لقد أتاحت لي مقالتك اكتشاف موهبتك الأدبية الفطرية وأنت الذي تتدثر بعباءة التعليم للنشء الجديد، أنت صاحب البيان الوضاء الذي عبقت فيه طيوب الفصاحة، وجزالة الديباجة، وانتقاء المفردات المناسبة بعناية فائقة وأضحى وقعها برداً وسلاماً على المتلقين مهما تباينت ثقافاتهم واختلفت درجات أذواقهم ومعايير أحاسيسهم.

أغبطك يا محمد على صياغتك اللافتة الصافي نميرها، الندي عبيرها، المعطرة بالرحيق البلاغي المختوم، وأثني عليك جميل الثناء إذ تواضعت وأسديت لي الكثير من فضائل عطاءاتك اللغوية، وهذا دليل إضافي على الوفاء الذي يزين وضاءة قلبك فيزيده إشراقاً وتوهجاً، إنه الوفاء يا محمد الذي أمسى بضاعة كاسدة في هذا الزمان، بينما راجت بضاعة «الأنا ومن بعدي الطوفان»!!

هذا وقد أمتعتنا بالطرفة اللطيفة التي نسبتها إلى مكتبتي الغابرة في خان يونس بين الفارس «حسن» والحسناء «هند»، وأرجو أن تسمح لي بإهدائك وكرام القراء هذه المحاورة الرهيفة.

يحب الفتنة ويكره الحق!

روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه لقي حذيفة بن اليمان فقال له: كيف أصبحت يا حذيفة؟ فقال: أصبحت أحب الفتنة، وأكره الحق، وأصلي بغير وضوء، ولي في الأرض ما ليس لله في السماء.
فغضب عمر غضباً شديداً، فدخل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال له: يا أمير المؤمنين أرى على وجهك أثر الغضب!
فأخبره عمر بما كان له مع حذيفة. فقال له: لقد صدق حذيفة يا عمر، فهو يحب الفتنة يعني المال والبنين لأن الله تعالى قال: «إنما أموالكم وأولادكم فتنة» (بلاء واختبار)، ويكره الحق، يعني الموت، ويصلي بغير وضوء يعني أنه يصلي على النبي بغير وضوء في كل وقت، وله في الأرض ما ليس لله في السماء، يعني له زوجة وولد وليس لله زوجة وولد، فقال عمر مبتسماً: لقد أصبت وأحسنت يا أبا الحسن، لقد أزلت ما في قلبي على حذيفة.

احترام المشاعر الصادقة

أثناء قراءتي المتأنية لمقالتك ـ شهادتك ـ توقفت عند مقولتك النصية: «أحترم مشاعرك الصادقة في الكتابة، وهذه المشاعر تجسيد حقيقي لنبض أفئدة عموم أبناء العائلة الأعزاء، وأبناء فلسطين الأوفياء».
وتا الله لقد هزتني هذه الشهادة هزاً يا ابن العم ومثلما يسبق انهمار المطر التماع السماء بالبرق هطلت دموعي على لحيتي، واعترتني نوبة بكاء حادة، وتساءلت بيني وبين نفسي «اللوامة»: ماذا قدمت يا نبيل للناس حتى يغمروك بأفضال حبهم وودادهم وأنت الشاعر أبداً بأنك مسجل في قائمة «المدينين» وليس في قائمة «الدائنين»؟!

فردت عليها النفس «المطمئنة»: لا تستهن أيها العجوز بما أنعم الله عليك من نعم يغبطك أو ربما يحسدك عليها آخرون، تذكر أن الوهاب وهبك نية نقية، وقلباً نابضاً بالتواضع والتسامح وكنزاً مدججاً باحترامك وحبك للناس على اختلاف هوياتهم وتباين أعمارهم، فلا تبخس حق نفسك يا نبيل!

إن المشاعر الصادقة وليدة شرعية للنوايا الصادقة، وكلتاهما تنبعان من ينابيع ثرة طاهرة تعمل بكامل طهارتها وطاقتها بانسيابية وسهولة مستقرة في أفئدة الأتقياء الأنقياء من أمثالك يا محمد.

أحياناً يفيض النبع عن مستواه، فتفيض على أثره العاطفة، وبالتالي تنداح الدموع من مآقيها، فتشاطرني في صياغة بعض مقالاتي الوجدانية والوطنية كما هو الحادث معي هذه اللحظة، ودموع الرجال موسومة بندرتها وسخونتها والحمد لله على كل حال.

هذا ولست نسيجاً نادراً في هذا المقام فهناك أناس أمثالي أعرف منهم وفي مقدمتهم والدك الراحل عمي الغالي مهدي نعمات الأغا (أبو عصام) الذي كان يغدق على أحبابه وافر حبه وتحنانه، ولا تتوانى دموعه عن انسكابها مجرد أن تلامس مشاعره أي مشهد عاطفي.

يماثله أيضاً عمنا الراحل ذي الصفات النبيلة الوديعة المرحوم أحمد أحمد الأغا (أبو ياسر)، صاحب القلب الريان بالحب والحنان، أضف إلى ذلك عمنا الراحل صاحب الأخلاق الحميدة والسيرة المعبقة بالحب حمدي حسين الأغا (أبو مروان) عليه وعلى زوجتيه الوقورتين وابنيه الغاليين مروان ومنير رحمات الله الواسعة.

أما آخر الراحلين الذين أعرفهم ممن كانت دموعهم ترجمات فورية وصادقة لمكنونات قلوبهم فهو خالنا الغالي الذي ودعناه مؤخراً لعالم الرحمة الخالدة عثمان محمد حمدان الأغا (أبو هشام).
نسأل الله تعالى أن يشملهم وكافة الراحلين المسلمين بالرحمة والمغفرة.

عزيمة كالصخر لا ينفجر ماؤها

الحبيب ابن الأحبة.. محمد
لا غرو أنك تدرك تماماً بأن الابتلاء منحة ربانية تامة يبتلي بها ربنا عباده ليختبر قدرتهم على الصبر واحتمال المكاره. قال الحق في أول سورة العنكبوت: «أَحَسِبَ الناسُ أَن يُترَكوا أنْ يقولوا آمنا وَهم لا يُفْتَنون».
وكان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أشد البشر ابتلاء وصبراً وحمداً لله على سرائه وضرائه، وقد ذكر سبحانه الصابرين في القرآن في نيف وسبعين موقعاً، وأضاف عميم الخيرات وأرفع الدرجات للصابرين المحتسبين في قوله: «إنما يُوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب».
وورد عن مصطفانا الحبيب قوله: «ثلاث من رزقهن فقد رُزق خير الدارين، الرضى بالقضاء، والصبر على البلاء، والدعاء في الرخاء». وقال في حديث آخر: «انتظار الفرج بالصبر عبادة».
كما أن المؤمن إذا لاحت له ثمار الجنة هانت عليه مشقة الثبات على الابتلاءات والطاعات، وقيل في الأثر: «إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان».
وقال المسيح عيسى بن مريم عليه وعلى أمه الصلاة والسلام: «إنكم لا تدركون ما تحبون إلا بصبركم على ما تكرهون».


لقد عمدت يا ابن العم لصياغة هذه المقدمة تمهيداً للحديث عن المرض الخبيث الذي ألمَّ بك، وحقيقة كان الخبر في مبتدئه مفاجئاً لي ولكافة أحبابك وخلانك، وقد تباينت ردود أفعالنا لكنها في المجمل تأطرت في أطر التعاطف معك، والإشفاق عليك، والدعاء لك.
وكما تعلم هبَّ الجميع للاطمئنان عليك سواء بالمقابلات الشخصية للقاطنين في الإمارات أو بالاتصالات الهاتفية للبعيدين عنها.

لكن المفاجأة التي أذهلتنا وأسعدتنا في وقت واحد فتمثلت في ارتفاع منسوب روحك المعنوية الشاهقة التي طاولت قمم الجبال الراسيات، وصلابة إيمانك المطلق برحمة الله تعالى، وأمام هذا الوضع غير المعهود في وقتنا الحاضر شعرنا بوهن أنفسنا، وضعف عزائمنا أمام صلادة صبرك الصخري الذي لا ينفجر ماؤه.
لقد كنت يا محمد.. أنت الصحيح، المعافى في قوة إيمانك وصمودك، وكنا نحن المبتلين بسطحية إيماننا وخور عزائمنا!
نتواصل معك لنطمئن على أحوالك الصحية، فتمدنا بأنساغ الأمل والصبر والشجاعة فنزداد يقيناً بأن الصبر الجميل المدجج بالإيمان القضائي والقدري هو ـ حقيقة لا مجازاً ـ سلاح معنوي عظيم الأثر في تحقيق الشفاء بعون الله تعالى.
ويعلم الله تعالى أنني لم أجابه في مراحل حياتي إنساناً مبتلى بمثل ابتلائك، فامتلك مثل هذه الطاقة المعنوية «النووية» الهائلة، لم نجدك كالمرضى الآخرين شكاء بكاء بل وجدناك شكاراً حماداً صباراً، فألف ألف طوبى لك وألف ألف هنيئاً لك، وأبشر بفرج الله القريب يا رمز المصطبرين الصادقين المحتسبين.

يا أحباب الغالي محمد مهدي..

هلمّوا بنا نطرق باب الغوث والرجاء، هلموا نجأر بالشكوى الذليلة والدعاء المضطر لله تعالى عساه يشفق على حالنا، ويجود علينا وعلى حبيبنا محمد بالإجابة:

يارب.. يارب.. نحمدك الحمد كله كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، ونصلي ونسلم على أصفى أصفياء خلقك.. يارب.. يا قيوم السماوات والأرض، يا رحمن يا رحيم يا أرحم الراحمين، يا كريم يا أكرم الأكرمين، يا واهب النعم، يا مزيل النقم، يا غافر الزلات، يا باسط النعمات، يا مجيب الدعوات.. يا غياث المستغيثين، يا كاشف الضر عن البائسين، يا حنّان يا منان نسألك باسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت، ونتوسل إليك بشفاعة نبيك الأكرم، وببركات سائر سفرائك وشهدائك وكافة الصالحين من عبادك أن تجود بالشفاء العاجل والتام على عبدك الضعيف المسكين العليل محمد بن عبدك مهدي بن عبدك نعمان، وابن أمتك سميحة ابنة عبدك يوسف بن حمدان، وأن تسبغ عليه العفو والعافية والمعافاة في الدين والدنيا والآخرة، رحمة به، ورأفة بأولاده وبوالدته وبإخوانه وكافة أرحامه وأحبابه.

رباه.. رباه يا غياث المستغيثين، يا أمل المحزونين، يا ملاذ المستضعفين، يا مناط المقهورين، أنت العالم الأوحد بمدى طاعة عبدك العليل محمد لك، وبأبعاد طمعه وطمعنا في رضوانك، فيارب.. أدركه بفرجك، وألبسه أثواب العفو والعافية، وارحم اللهم تذللنا وتذلله على بابك، وَجُدْ علينا بالإجابة والقبول إنك نعم المولى ونعم المجيب.

وصلّ اللهم وسلم على سيدنا محمد وآله بعدد ما في علم الله، صلاة دائمة بدوام ملك الله..
آمين آمين لا أرضى بواحدة                        حتى أضم إليها ألف آميناً
 

مخلصكم
نبيل خالد الأغا
أبو خلدون
الدوحة 2010/5/27
 

اضغط هنا للتواصل أو التعرف على أ. نبيل خالد نعمات خالد الأغا

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد