" مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا " صدق الله العظيم
بقلم : محمد سالم الأغا *
شاءت إرادة الله أن يرتبط أسم القائد العربي جمال عبد الناصر بـ 23 يوليو وأن يرتبط هذا التاريخ المجيد مع أسم هذا القائد، وأن يرتبطا معا مع قضيتنا الفلسطينية برباط العروبة والإسلام المقدس منذ فجر الجمعة 23/7/1952، وحتي يومنا هذا ورؤساء مصر الحبيبة يتسلمون ويرفعون راية فلسطين عالياً الرئيس تلو الرئيس، لهذا من الواجب علينا نحن الفلسطينيون، أن نحفظ المعروف لأهله، وأن نكون الأوفياء لمن أحبوا، وكافحوا وناضلوا وقاتلوا دفاعاً عن فلسطين وأرضها وأهلها وعروبتها، وماتوا من أجلها، ومن هؤلاء الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والذي رأيت أن القي الضوء عليه ليعرفه من يجهله، ومن لم يعاصره، فقد ولد جمال عبد الناصر في 15 يناير 1918م وكان الابن الأكبر لوالدة ومن أسرة فلاحة مصرية عاشت في قرية بني مُر من صعيد مصر، وكان مثله مثل أقرانه، قد التحق بالكُتاب والمدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية، وأتمها، بمدرسة رأس التين بالإسكندرية بعد أن أنتقل والده للعمل بالإسكندرية، وفي تلك المدرسة، بدأ يتشكل وجدانه الوطني والقومي، وأخذ يشارك زملائه في مظاهرات الطلبة، ويهتف بسقوط الاستعمار، كما يهتفون، وشاهد بأم عينيه، صدامات الشعب المصري ضد قواه المعادية، وأخذ يقف إلي جانب شعبة وأبناء وطنه .
ولما أتم جمال عبد الناصر دراسته الثانوية التحق بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، ثم تركها ليلتحق بالكلية الحربية، ويدرس بها، ويُعجب به أساتذته ومدربيه، ويتخرج ويصبح بعدها ضابطاً مرموقاً من ضباط الكلية الحربية، ويُسند اليه مهمة تأهيل الطلبة المستجدين، وأصبح ذا حس وطني عالي، وبدأ يفكر بصوت مسموع مع زملائه وأقرانه " بأن تحرير مصر لا يتم بالخطب، بل يجب أن تُقابل قوة الاحتلال الانجليزي بقوة جيش وطني عربي مصري " .
ولما كان الجيش المصري وقتها جيشاًً غير مقاتل، كما أراده الانجليز أن يكون..!، ولكن جيلاً من الضباط الجدد دخلوا الجيش المصري، اتجه تفكيرهم الي أصلاح جيشهم وتطهيره من الفساد، الذي استشري به وقتها، وبدأ جمال عبد الناصر ورفاقه يفكرون في الطريق الأمثل لإصلاح مؤسستهم العسكرية، وفعلاً بدأت فكرة الثورة ترسخ في أذهان هؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم ثم بوطنهم وبحق شعبهم في العيش كما تعيش شعوب العالم، ولكن مشكلة فلسطين بدأت تتضح معالمها بعد قرار تقسيم فلسطين 1947 ، فالتحق جمال عبد الناصر بجيش مصر الذي أمرت حكومته بالاشتراك في صد اليهود عن الأرض الفلسطينية وشعبها.
وأعتقد أنه كان لهذه التجربة أثاراً بعيدة علي جمال عبد الناصر ورفاقه لأنه قال في أحد خطاباته: "عندما دخلت الجيوش العربية لنصرة الشعب الفلسطيني لم يكن هناك أدني تنسيق بين هذه الجيوش، والأدهى أنه لم يكن هناك تنسيق بين أي جيش وقيادته السياسية، وأضاف: ولقد ثبت لنا أن أسلحتنا في كثير من الأحيان فاسدة " ، وانتهت حرب فلسطين بنكبة، لم نزل حتي هذة اللحظة نعاني من ويلاتها، ولكن هؤلاء الرجال عادوا ألي وطنهم وهم يفكرون بتصحيح مسار هدفهم المنشود، بالرقي بشعبهم وإعلاء شأن بلدهم، فانطلقت الثورة صباح 23 يوليو تموز 1952 م، وكان يوماً تاريخياً في سماء أمتنا العربية ونجح الضباط الأحرار كما كانوا يسمون أنفسهم في تحرير مصرنا الغالية، من الاستعمار الانجليزي الذي رزح علي صدرها لأكثر من 82 عاما و ممن كانوا يعيقون مسيرتها العربية والوطنية، والاقتصادية والسياسية .
وبعد نجاح الثورة وبسط نفوذها علي أرضها كانت هناك محطات مضيئة في حياة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر رحمه الله ورفاقه الضباط الأحرار في كسر احتكار السلاح ونصرة قضيتي الجزائر والجنوب اليمني المحتل، وإلغاء الملكية الزراعية والقضاء علي الإقطاع، وتأميم قناة السويس والتصدي للعدوان الثلاثي وبناء قاعدة صناعية ونهضة ثقافية علمية، والاتفاق مع النظام السوري بقيادة الرئيس شكري القوتلي علي إعلان دولة الوحدة بين الإقليمين المصري والسوري،وقيام الجمهورية العربية المتحدة برئاسته، ورغم هزيمته في حرب حزيران التي كانت مؤامرة علي كل انجازاته ومواقفه الوطنية إلا أنه أعاد بناء الجيش المصري من جديد وحوله من جيش مهزوم الي جيش يقاوم العدو الصهيوني و ينتصر ويقهر الجيش الإسرائيلي، الذي كان يدعي أنه لا يقهر، في السادس من أكتوبر/ العاشر من رمضان 1973م ، ووقف بكل عنفوان الي جانب الثورة الفلسطينية ومقاومتها الباسلة، ووضع كل أمكانيات مصرنا الحبيبة بتصرف ثورتنا المسلحة وقال يومها : " الثورة الفلسطينية ولدت لتبقي ولتنتصر" ولقد عاش ومات وهو يدافع عن فلسطين وقضيتها العادلة، في يوم من أيام فلسطين هو يوم الاثنين 28/9/1970م ، بعد انتهاء أعمال مؤتمر القمة العربي بالقاهرة، الذي التئم حينها لنصرة الشعب الفلسطيني وثورته وقضيته .
وإنني اليوم أطالب أخوتنا، في جمهورية مصر العربية وإتحاد المحامين العرب، وكافة منظمات حقوق الإنسان، والحزب الناصري، وكل القوي المحبة للرئيس الخالد أبو خالد، بإعادة فتح ملف قضية اغتياله، وهو الذي دفع حياته ثمناً لقضيته العربية العادلة، كما دفعها الشهيد المرحوم جلالة الملك فيصل والشهيد المرحوم ياسر عرفات، والشهيد المرحوم رفيق الحريري، وقائمة من أغتالتهم إسرائيل وأمريكا طويلة، فجميعهم دفعوا حياتهم ثمناً لمواقفهم الوطنية، وقضيتهم العربية الفلسطينية العادلة ، وآن الأوان، لتقديم المجرم الحقيقي للعدالة، كما آن الأوان للجماهير العربية أن تقتص من قاتل هؤلاء، لأن الله حثنا علي القصاص من المجرمين في كتابه الكريم وقال بعد:
بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فإتباع بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(179) . " سورة البقرة "
وهكذا عاش جمال عبد الناصر محُباً لفلسطين ولشعبها ومات من أجلها .
رحم الله الرئيس الراحل جمال عبد الناصر
ورحم الله رفيق دربه الراحل الرئيس ياسر عرفات
ورحم الله شهداءنا وشهداء أمتنا العربية
والشفاء العاجل لجرحانا البواسل
والحرية لأسرانا في سجون الأحتلال الإسرائيلي
والاستقلال والحرية لفلسطين.
* كاتب وصحفي فلسطيني
[1] د.صالح أسعد صالح ألاغا | مقال ممتاز | 23-07-2010