مقالات

مرادفات في القرآن الكريم(الجزء الأول)- سعيد الشوربجي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

إنَّ له لحلاوة ، وإنَّ عليه لطلاوة ، وإنَّ أسفله لمغدق ، وإنَّ أعلاه لمثمر، وما هو من قول بشر.



الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ، فأنار به أعينا عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا ، وجعله قيما ، فأقام به فينا قسطا وعدلا، وجعله هدى وبشرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .

أهلي وأحبتي الكرام ، متابعي موقع النخلة المحترمين ، أحييكم بتحية الإسلام العطرة ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : ـ

إن الذي دعاني إلى الكتابة في هذا الموضوع هو متابعتي الحثيثة لحفظ كتاب الله ، وعندما كنت أقرأ القرآن كانت تمر علي كلمات لا ألقي لها بال ، ولا أعرف معناها ، ولما بدأت أدقق النظر وأتمعن جيدا في كلام الله عز وجل وجدت أن هناك الكثير من الكلمات تتشابه في بنيتها ، وتتشابه في الأحرف وعددها ، وتختلف في تحريك حروفها ، وكلمات في ظاهرها مرادفات ، وفي التمعن في معانيها ليس بمرادفات ، إنها والله البلاغة والفصاحة ، وإنها والله ليس بلاغة ولا فصاحة إنس أو جان ، أخي الحبيب إن القرآن الكريم عجيب في كل ما يحتويه من بلاغة وحكم وأمثال ومواعظ وقصص وحديث عن الماضي والحاضر والمستقبل ، عجيب بكل سورة وآية ، بل بكل كلمة وحرف ، ومن كان عنده ذوق في اللغة العربية يحس ببلاغة القرآن الذي لا تفنى عجائبه ولا ينتهي إعجازه.
القرآن الكريم هو المرجع في اللغة العربية وهو آخر الرسالات السماوية التي أنزلها الله تعالى : {الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } كل كلمة تذكر في القرآن لها دلالة ومعنى وقصد واضح في التعبير فمن يقرأ القرآن قراءة مستعجلة لا يجد فرق بين الكثير من الكلمات مثل : نعمة ونعيم ، خشية وخوف ،المطر والغيث ، اسطاعوا واستطاعوا ، وغيرها من الكلمات التي سوف أتعرض لها لاحقا ، وإن بعضا من الذين فسروا القرآن يقولون أن هذه مرادفات لها نفس المعنى وهذا غير صحيح ، فأن كل كلمه وردت في القرآن ووردت كلمة أخرى مشابهة لها في الحروف وتختلف في الحركات فإنها حتما تختلف في المعنى بلا أدنى شك ، ولا يمكن لأي أحد أن يستخرج كلمتين من القرآن متشابهتين في شكل الحروف وعددها ومختلفتان في الحركات أن تؤديا نفس المعنى ، ولكن أهل البلاغة فرقوا بين هذه المعاني بعد تدقيق وتمحيص ، فعجيب لمن يقرأ القرآن ولا يفهمه كيف يتلذذ به ، ومن طرق التلذذ بالقرآن معرفة الكلمات المتشابهة في المعنى فهي ليست مرادفات بل إن كل كلمة لها مغزى مختلف عن الكلمة التي تشبهها فلا ترادف في القرآن مطلقا .
والله إنَّ له لحلاوة ، وإنَّ عليه لطلاوة ، وإنَّ أسفله لمغدق ، وإنَّ أعلاه لمثمر، وما هو من قول بشر.
واليكم أحبتي بعض الكلمات المتشابهة موضحا معانيها فقط ولن أتطرق إلى إعرابها اختصارا ، مع أن الإعراب يقرب فهم المقصود ، وسأختصر معانيها أيضا لعدم الإطالة : ـ

(ميِّت بتشديد الياء) و(ميْت بتسكين الياء)
وقد وردت كثيرا منها فهل كلها تعني الموت ؟
الميّت بالشدة تحتها كسر تعني هو الشخص الذي فيه روح ولكنه سيموت أما الميْت بالسكون هو الذي خرجت روحه .
إذن ميّت بالتشديد هو الكلام عن حيّ يُخبر أنه سيموت ولكن ميْت بالسكون هو الحديث عن الذي مات فعلاً.

(الكره بضم الكاف) و(الكره بفتح الكاف)
الكره بضم الكاف هو وصف الشيء الذي فيه مشقه وصعوبة وألم ولكنه مطلوب ومحبب إلى النفس البشرية مثل حمل المرأة وولادتها ، ففيه ما فيه من العناء والألم ، فالحمل فيه عناء ومشقة ، والولادة فيها ألم ومشقة وقد تخسر المرأة حياتها مقابل ذلك ، ولكنها تعود بعد فترة للحمل والولادة وقد نسيت ما كان من قبل ، ولكنه محبب ومطلوب للنفس البشرية (حملته أمُّه كُرها ووضعتهُ كُرها ً) فالكاف هنا مضمومة .
أما كلمة كَره بفتح الكاف هو معناه الإلزام والإجبار والإكراه والقصر فالأمر من خارج النفس رغما عنها وليس من داخلها، فهو الأمر المكروه والمفروض الذي يأتي من الخارج ويحمل طابع الإكراه والقصر فتكرهه النفس وتأباه .

(الأمْن بتسكين الميم) و(الأَمَنَة بفتح الميم)
الأمْن بالسكون هو وصول الأمن والأمان للإنسان وذهاب الخوف وذهاب أسبابه ، فإذا كان هناك خوف زال وزالت أسبابه ، ووصل الإنسان إلى مرحلة أمان كافية ، وهو الأمان الدائم بعد الخوف ، ويعطي المؤمن سلام واطمئنان.
أما كلمة أمَنة فهي تتحدث عن معارك المسلمين مع الكفار حين يرسل الله تعالى عليهم الأمَنة فتغشاهم كي يثبتهم كالمطر أو النعاس وغير ذلك ففي معركة بدر قال الله تعالى :ـ
(إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ ) وكذلك في أحد أنزل الله عليهم نعاسا ليزيل خوفهم فقال : ـ
( ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ ) فجعل الله تعالى النعاس يغشى المؤمنين قبل المعركة أو أثناءها ليزيل الخوف فينامون لأن الخائف والمهموم لا ينام لذا جعل الله تعالى الصحابة في بدر ينامون ليزيل عنهم الخوف ، وفي أحد لم يستطيعوا النوم من الغم فغشاهم النعاس ، إذا الأمَنَة هو شيء من أمان مؤقت أثناء معركة لإزالة الهم والغم والخوف الذي يزيل النوم ليرتاح المقاتل.

(الجسم) و (الجسد )
فالجسم يطلق على البدن الذي فيه روح وحياة وحركة .
والجسد يطلق على البدن وهو جثه هامدة ، أو على الإنسان بعد وفاته وخروج روحه .

( امرأة ) و( زوجة)
إن لفظ الزوج يُطلق على كل من الرجل والمرأة ، والزوج في اللغة يدلّ على مقارنة شيء لشيء وأن كل قرينين يطلق عليهما لفظ زوج ، ويطلق كذلك على كل اثنين مقترنين لفظ زوج ، فحتى يتمّ الاقتران لا بدّ من وجود صفات بين الطرفين يتحقّق بها هذا الاقتران ، وهذا لا يتحقّق إلا في الزوجين الذكر والأنثى ، فقد خلق الله الذكر ميالا للأنثى راغبا فيها طالبا لها ، وقد خلق الله الأنثى كذلك ميالة للذكر طالبة له راغبة فيه ، فيطلق على الرجل زوج المرأة ، ويطلق على المرأة زوج الرجل لأن كل منهما يكمل الآخر فالرجل يكمل المرأة .ففي المرأة نقص لا يسده إلا الرجل ، حيث يلبي لها جميع حاجاتها النفسية والاجتماعية والإنسانية والجنسية ، والمرأة تكمل نقص الرجل ، فتلبي له حاجاته الإنسانية والاجتماعية والنفسية والجنسية ، إذن المرأة بدون زوج فيها نقص ،
فيأتي الرجل زوجاً لها مكمّلاً لإنسانيتها ، والرجل بدون امرأة فيه نقص ، فتأتي المرأة زوجاً له ، مكمّلة لإنسانيته ولهذا كل منهما زوج لصاحبه ، يقترن معه . متى تكون المرأة زوجاً ومتى لا تكون ؟ ولو رجعنا إلى الآيات القرآنية التي جاء فيها اللفظين ،نجد أن لفظ زوج يطلق على المرأة إذا كانت الزوجية تامّة بينها وبين زوجها ، وكان التوافق والاقتران والانسجام تامّاً بينهما ، بدون اختلاف ديني أو نفسي أو جنسي ، فإن لم يكن التوافق والانسجام كاملا ، ولم تكن الزوجية متحقّقة بينهما ، فإن القرآن يطلق عليها امرأة وليست زوجا ، كأن يكون بينهما اختلاف ديني عقائدي أو جنسي ،أو حتى إن لم يكن هناك إنجاب لم تتحقق الزوجية بينهما في أتم صورها وأسمى معانيها ، ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى :ـ (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، وقوله تعالى) : وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا . ( ولهذا جعل القرآن حواء زوجاً لآدم ، في قوله تعالى : (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ). ولهذا جعل القرآن نساء النبي صلى الله عليه وسلم أزواجا له ، في قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) فإذا لم يتحقّق الانسجام والتشابه والتوافق بين الزوجين لمانع من الموانع فإن القرآن يسميها امرأة وليس زوجاً ، وقد قال الله تعالى : امرأة نوح ، وامرأة لوط ، ولم يقل : زوج نوح أو زوج لوط ، وهذا في قوله تعالى : (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا) إنهما كافرتان ، مع أن كل واحدة منهما امرأة نبي ، ولكن كفرها لم يحقّق الانسجام والتوافق بينها وبين زوجها النبي . ولهذا ليست زوجا له ، وإنما هي امرأة تحته . ولهذا قال القرآن : امرأة فرعون ، في قوله : (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ) لأن بينها وبين فرعون مانع من الزوجية ، فهي مؤمنة وهو كافر، ولذلك لم يتحقق الانسجام بينهما، فهي امرأته وليست زوجه . ومن روائع التعبير القرآني العظيم في التفريق بين زوج وامرأة ما جرى في إخبار القرآن عن دعاء زكريا ، عليه السلام أن يرزقه الله ولداً يرثه ، فقد كانت امرأته عاقر لا تنجب ، وطمع في رحمة الله أن يرزقه الولد ، فاستجاب الله له ، وجعل امرأته قادرة على الحمل والولادة ، فعندما كانت امرأته عاقراً أطلق عليها القرآن كلمة امرأة ، قال تعالى على لسان زكريا : (وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا ) وعندما أخبره الله تعالى أنه استجاب دعاءه ، وأنه سيرزقه الولد ، أعاد الكلام عن عقم امرأته ، فكيف تلد وهي عاقر، قال تعالى : (قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) .
والحكمة من إطلاق كلمة امرأة على زوج زكريا عليه السلام أن الزوجية بينهما لم تتحقّق في أتم صورها وحالاتها ، رغم أنه نبي ، ورغم أن امرأته كانت مؤمنة ، وكانا على وفاق تام من الناحية الدينية الإيمانية
ولكن عدم التوافق والانسجام التام بينهما ، كان في عدم إنجاب امرأته ، والهدف من الزواج هو النسل والذرية ، فإذا وُجد مانع عند أحد الزوجين يمنعه من الإنجاب ، فإن الزوجية لم تتحقّق في أتم صورها ، ولأن امرأة زكريا عليه السلام عاقر، فإن الزوجية بينهما لم تتمّ بصورة متكاملة ، ولذلك أطلق عليها القرآن كلمة امرأة ، وبعدما زال المانع من الحمل ، وأصلحها الله تعالى ، وولدت لزكريا ابنه يحيى ، فإن القرآن لم يطلق عليها امرأة ، وإنما أطلق عليها كلمة زوج ، لأن الزوجية تحقّقت بينهما على أتمّ صورة . قال تعالى :ـ (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ) .
والخلاصة أن امرأة زكريا عليه السلام قبل ولادتها يحيى هي "امرأة" زكريا في القرآن، لكنها بعد ولادتها يحيى هي زوج وليست مجرّد امرأته .

(النعمة) و (النعيم )
النعمة تدل على نعم الدنيا على اختلاف أنواعها وألوانها سواء وردت مفردة أو جمع ، فكل كلمة نعمة تدل على نعم الدنيا .
أما النعيم تأتي متلازمة مع الحياة الآخرة .
ُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ)
وهذا سيكون في الآخرة ، إذا النعمة في الدنيا والنعيم في الآخرة .

لحلف) و (القسم)
َيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ)
( لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) يحلفون بالله هنا تأتي بمعنى أنهم كاذبون و كلامهم ليس بالصدق .
أما القسم عندما يقول الله تعالى (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) ، فالله تعالى صادق في قسمه فكلما وردت كلمة حلف، يحلف، تدل على أن من يحلف كاذب وليس صادقاً في قوله ، بينما كلمة قسم ، أقسم ، القسم فهو صادق .

(الحلم) و (الرؤيا)
وردت كلمة الأحلام في القرآن ثلاث مرات ، وسياقها أنها هواجس وأضغاث أحلام لا تفسير لها ، وليس كل حلم يفسّر، ونجد هذا في القرآن بصيغة الجمع دلالة على الخلط ( قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيل ِالأَحلام بِعَالِمِين ) .
أما الرؤيا فجاءت في القرآن سبع مرات وكلها تتحدث عن الرؤيا الصادقة وتستعمل بصيغة المفرد وليس بصيغة الجمع دلالة على التميز والوضوح والصفاء، (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) .

( المطر ) و ( الغيث )
لو أمعنا النظر في الآيات القرآنية التي تتحدث عن المطر والغيث لوجدنا الفرق واضحا جليا بينهما ، دقق النظر أخي الحبيب في هذه الآية (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ) ولاحظ هذه أيضا (فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ ) ثم دقق النظر معي في هذه الآية (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ) وهذه أيضا (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) ، وبعد ذلك أظنك لاحظت الفرق العجيب ، إن المطر يختلف عن الغيث، فالمطر لا يستعمل في القرآن إلا في موضع عقاب وموطن أذى ، إذا استخدام كلمة مطر أما أن يكون عقاباً نتيجة جريمة أو نتيجة طبيعة ما ، كأن يكون معه ريح وعواصف .
أما الغيث فلا يذكر إلا في حالة الخير، فالغيث فيه معنى الرقة والاطمئنان والأمان والخير والبركة ، إذا فالمطر للعقاب والغيث للرحمة .

(الرياح) و(الريح)
لم تذكر كلمة الرياح في القرآن إلا في الخير (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) فعند سماع كلمة رياح يعني وراءها خير، إذن الرياح تستعمل في الخير دائماً .
أما الريح فتأتي غالباً بمعنى الشر، (مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ)

(شرى) و(اشترى)
كلمتان متقاربتان أصلهما واحد في اللغة والعجيب إن معناهما ليس مختلفاً فقط ولكن أيضا فيهما تضاد في المعنى ، فكلمة شرى وردت في القرآن أربع مرات بمعنى باع وهي عكس كلمة اشترى تماما ( وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) ، (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ) ويشري هنا معناه يبيع فهو يبيع نفسه لله لنيل مرضاته ، إذا شرى بمعنى باع.
أما اشترى فهي بمعنى أخذ شيئاً ودفع مقابلاً له، (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ) ، (إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً وَلهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) أخذوا الكفر وباعوا الأيمان إذا أخذوا شيئاً مقابل شيء.
فهذا الفرق بين شرى واشترى: شرى بمعنى باع واشترى بمعنى أخذ شيء مقابل شيئا آخر .

( اسطاعوا ) و ( استطاعوا )
تعال معي أخي الحبيب لنقرأ هذه الآيات من سورة الكهف : ـ
(قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)
ففعل (اسطاعوا) جاء مع (يظهروه) وفعل (استطاعوا) جاء مع (نقبا أي النقب) وهذا لأن الصعود فوق السد أيسر بكثير من إحداث نقب فيه فاستعمل الفعل الذي هو أقل حرفاً مع العمل الأيسر والأسهل. أما (استطاعوا) فجاءت مع الفعل الأصعب وهو إحداث النقب في السد، إذا فكلمة اسطاعوا تستخدم مع التيسير والتخفيف أو لليسر والسهولة ، وكلمة استطاعوا تستخدم مع ذكر العمل الأصعب .

( تسطع ) و ( تستطيع )
قال العبد الصالح وهو ( الخضر) لسيّدنا موسى عندما طلب منه أن يتّبعه على أن يعلّمه من علمه، قال له: إنّك لن تستطيع معي صبرا ، إلى آخر الآيات .
وفي كلّ مرّة يتعجّل فيها موسى الإجابة كان العبد الصالح يقول له: إنّك لن تستطيع معي صبرا، ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرا، حتّى جاءت لحظة الفراق فقال له: هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا كلّ هذا كان دليلا على أنّ موسى سوف يستصعب الأمر ولن يتحمله ، وبعد أن شرح له وأنبأه بتأويل ما لم يستطع عليه صبرا، قال له ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ، أي أنّ الأمر لم يكن بهذه الصعوبة لمن أراد أن يصبر أو لمن عنده إرادة الصبر، وهذه قمة في البلاغة اللغوية تشير إلى أنّ موسى استصعب أمرا لم يكن صعبا وإنّما كان يحتاج للصبر

( الخشية ) و ( الخوف )
الخشية أعلى مراتب الخوف وأشد منه ، وتأتي دائما مقترنة مع لفظ الجلالة الله كما في الآيات التالية :ـ (وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).
ِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ ).
(لوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ).
(الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ).
وأن الخشية دائما من الله سبحانه وتعالى ، وأشد الناس خشية من الله هم أعلم الناس بالله وأتقاهم له ، وأن الخشية تأتي من عظمة الله وتقع في قلب العبد المؤمن .
وأما الخوف فهو يأتي من ضعف الخائف ، وإن كان خائفا من أمرا بسيطا ، فهو ضعف في القلب ، والخوف تألم النفس من العقاب المتوقع بسبب ارتكاب المعاصي والتقصير في الطاعات ، ويكون الخوف من حساب الله وعقابه وليس من الله وهذا ما عليه الكثير من الناس ودليل ذلك قول الله تعالى :ـ( وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ ) فقد ذكرت الخشية من الله ، والخوف من سوء الحساب .
وقد وردت آية في القرآن مخالفة لهذه القاعدة (يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)
فقال يخافون ربهم ولم يقل يخشون ربهم لأن هذه الآية تتحدث عن الملائكة وليس عن البشر ، وأنه في وصف الملائكة لما ذكر قوتهم وشدة خلقهم عبر عنهم بالخوف لبيان أنهم وإن كانوا غلاظا شدادا فهم بين يديه ضعفاء .

وهناك الكثير من هذه الكلمات والمعاني الجميلة في القرآن الكريم ولكنني أكتفي بهذا القدر لعدم الإطالة ، وأرجو من الله العلي القدير أن يوفقنا لما يحب لنا ويرضى إنه سميع قريب مجيب الدعاء ، وله الفضل والشكر والثناء الحسن ،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

 

اضغط هنا للتعرف على الشهيد سعيد خميس سعيد يوسف مصطفى صالح الشوربجي

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد