مقالات
رحمانيّات ربانيّة للأمّة المحمدية (18) حُبّْ الناس ومكارم الأخلاق بقلم : المنتصر بالله حلمي الآغا
بسم الله الرحمن الرحيم
( رحمانيّات ربانيّة للأمّة المحمدية )
(18)
حُبّْ الناس ومكارم الأخلاق
بقلم : المنتصر بالله حلمي الآغا
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم السلام على حبيبنا وسيّدنا محمّد وآله وصحبه أجمعين . كنت في مطلع الشباب قد قرأت كتاب اسمه ( كيف تؤثر في الناس وتكسب الأصدقاء ) لمؤلفه الأمريكي الشهير ديل كارنيجي ، وكان كتاب فيه الكثير من أساليب كيفية التعامل مع الناس والتودد إليهم واكتساب محبتهم . ومن شُهْرَة ذلك الكتاب تُرجٍم إلى لغات عدّة ومنها اللغة العربية . ولكني مع تقدم العمر والأيام ، وجدت أن أعظم مدرسة في تعلّم وتعليم حبِّ الناس واكتساب محبتهم هي التعلّم في مدرسة سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، وهي أعظم مدرسة في الوجود في حُسْن الخُلُقِ ومكارم الأخلاق .
وقد لخّصت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قواعد مدرسة حُسْن الخُلُقِ العظيمة فقالت:( مكارم الأخلاق عشرة : صدق الحديث ، وصدق اللسان ، وأداء الأمانة ، وصلّة الرحم ، والمكافأة بالصنيع ، وبذل المعروف ، وحفظ الذمام للجار ، وحفظ الذمام للصاحب ، وقِرِي الضيف ، ورأسهن الحيـاء ) . وتلك عشرةٌ عظيمةٌ من منابع الإيمان يعرفها من تذوقها . وحُسْنِ الخُلُقِ من صفات المؤمنين ، وركنٌ من أركان الإيمان ويعكسه التعامل بالحُسنى والكلمة الطِيبة والتواضع والرفق واللين مع الآخرين من غير ضعف ، وبعدم ظلمهم بأي شكل من أشكال الظلم المادي والمعنوي ، وعدم التكلّم في الناس بالفاحش من الكلام وعدم طعنهم بما لا يرضيهم حتى لو كان فيهم ، والدفع بالتي هي أحسن كما أمر القرآن الكريم ، وعدم تحقيرهم أو ازدرائهم والاستعلاء عليهم والكِبْرِ والتكبّر عليهم ، وهضم وبَطْرِ حقوقهم المادية والمعنوية ودفع الحقوق وردّها على قائِلِها ، ومن ساء خُلُقُه اعتدى على حقوق غيره ، وهذا شأن المستكبر والمُستعلي على الناس .
ومن الأحاديث الأربعون النووية عن النوَّاس بن سمعان رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:‘‘ البرُّ حُسنُ الخُلُقِ والإثمُ ما حاكَ في نفسِكَ وكرِهتَ أن يَطَّلِعَ عليه الناسْ ’’ . وترتبط أخلاق المؤمن مع بعضها البعض كسلسة مترابطة لا تنفصم ، كعلامة إيمانية وصفات كريمة تعكس إيمانه ، فالمؤمن يعمل على شاكلته ، وكلٌ يعمل على شاكلته . يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:‘‘ إنكم لن تَسَعُوا الناس بأموالكم فَسَعُوهُم بأخلاقكم ’’ ، وفي رواية أخرى:‘‘ فسعوهم بِبَسْطِ الوجه والخُلُقِ الحَسَن ’’ . وعن صفوان بن سُلَيْم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:‘‘ ألا أُخبرِكُم بأيْسَرِ العبادة وأهونها على البدن : الصمت وحُسن الخُلُقِ ’’ . وحسن الخُلُق أكثر ما يُثَّقِّل الميزان ويُدخِلُ الجنة يوم القيامة ، وقد روى أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:‘‘ ما من شيءٍ أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخُُلُق وإن الله يبغض الفاحش البذيء ’’. والبذيء : هو الذي يتكلم بالفحش ورديء الكلام . وجاء أيضاَ في الحديث عن أبي ذرٍ الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:‘‘ لا تَحْقِرَّنَّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْقٍ’’ ، فالابتسامة في وجه الآخرين صدقة ، والمؤمن يجمع بحُسْنِ خٌلٌقِه مثل تلك الحسنات بقليل من الجهد ويحسبها البعض قليلة ، فما بالنا بما هو أكبر وأعظم !. وروى جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:‘‘ حُسن الخلق زمامٌ من رحمة الله في أنف صاحبه ، والزمام بيد المَلَك ، والمَلَك يجرّه إلى الخير والخير يجرّه إلى الجنّة ، وسوء الخلق زمامٌ من عذابٍ في أنف صاحبه والزمام بيد الشيطان والشيطان يجرّه إلى الشرِّ والشر يجرّه إلى النار ’’. وروى أبو ذرٍ الغفاري( جندب بن جُنادةَ ) وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل رضي الله عنهما عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:‘‘ اتقِّ الله حيثما كنت واتبع السيئةَ الحسنةَ تمْحُهَا ، وخالق الناس بخُلُقٍ حَسَنْ ’’ . كما جاء في الحديث عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:‘‘ إن من أحبِّكُم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً ، وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون ، قالوا: يا رسول الله قد علِمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون ، قال: المتكبرون ’’ . أما المتشدق فهو: المتطاول على الناس بكلامه ويتكلم بمليء فيهِ تفاصحاً وتعظيماً لكلامه ، والمتفيهق: أصله الفَهْقِ وهو الامتلاء : وهو الذي يملأ فمه بالكلام ويتوسع فيه تكبراً وارتفاعاً وإظهاراً لفضله على غيره .
ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال أيضاً :‘‘ أفضل العبادة التواضع ’’. وعن السيدة عائشة رضي الله عنها عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:‘‘ إذا أراد الله تعالى بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق ، وإن الرفق لو كان خَلْقَاً لما رأى الناس خَلْقَاً أحسن منه ، وإن العنف لو كان خَلْقَاً لما رأى الناس خلقاً أقبح منه ’’ . وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:‘‘ إن الله تعالى رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يُعطى على العنف ’’. وقال الله صلّى الله عليه وسلّم: ‘‘ من حُرِمَ مداراة الناسِ فقد حُرِمَ التوفيق فمقتضاه أن من رُزِقَ المداراة لم يُحرم التوفيق ’’ . وروى الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:‘‘ إن أكثر ما يُدْخِلُ الناس النار: الأجوفان ، قالوا: يا رسول الله وما الأجوفان ؟ قال: الفرج ، والفم ، قال: أتدرون أكثر ما يُدْخِِل الجنّة ؟ تقوى الله وحُسْنُ الخُلُقِ ’’ . ويقول بعض العلماء:( أن ضعيف العبادة حَسَن الخُلُق أفضل عند الله تعالى من كثير العبادة لكنه سيء الخُلُق بذيء اللسان ). الحديث في هذا الجانب الإيماني يحتاج لأكثر من هذا وإنما كما نقول دائماً فإنما نلقي الضوء على صفة إيمانية ، والبحث فيها طويل ، والله تعالى يقول في سورة القصص:‘‘ تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةَ نَجْعَلَهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوَّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادَاً وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ (83)’’ ، فالله تعالى حرّم الجنّة على المتكبرين وقرن الكِبْر بالفساد .
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين حَسُنَت أخلاقهم ، وممن رحمتهم يا رب بحًسن الخُلُقِ ، ونسألك يا الله الرحمة والمغفرة لأموات وشهداء المسلمين في كل مكان ، اللهمَّ آمين ، وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين .
[1] نايف احمد نايف الاغا | الى اخي واستاذي ابو نضال | 28-11-2010
[2] D-ANWAR .R;S. ELOKKA | حسن الخلق | 01-12-2010