كتب : محمد سالم الأغا
من الصعب أن تخرج المدن والقرى الفلسطينية التي هاجر منها أهلها وسكانها، و دمرها اليهود الصهاينة، من الذاكرة، و دائرة الوعي، علي الأقل من ذاكرة من ولدوا بها وعاشوا في بيوتها و لعبوا مع أقرانهم في حاراتها، ورغم مرور السنيين فإن أهلنا الذين هُجروا من وطنهم ومن بيوتهم لا زالوا يحنون للعودة إلي وطنهم والي بيوتهم، وغالبيتهم يحتفظون بالنسخ الأصلية لمفاتيح بيوتهم وكواشين الطابو لأملاكهم الثابتة و الغير منقولة، كما أنهم لا زالوا يورثون أبنائهم ما ورثوه عن آبائهم ومن أجدادهم .
وكأن ابن الرومي كان فلسطينياً، عندما قال:
ولـي وطــنٌ آلـيت آلا أبـيعــــهُ | وألا أري غــيري لــه مــالكــا |
عـهـدتُ بـه شـرخ الشـباب ونـعمة | كـنعمة قـوم أصبحـوا في ظـلالـكا |
وحــب أوطــان الرجـال إلـيهــم | مــآرب قضـاها الشــباب هنـالكا |
إذا ذكـروا أوطــانهم ذكـرتـهـــم | عـهـود الصبــا فـيها فحنوا لذالكـا |
وقال أعرابي يتغني شوقاً إلي وطنه :
ذكـرت بـلادي فاستهـلت مدامعـي | بشـوق إلـي عهـد الصبـا المتقـادم |
حننـت إلـي ربـع به اخــضــر |
شاربي وقُطع عـني قـبل عقد الـتمائم |
5 - عــكــا
سنتحدث معكم اليوم عن مدينة فلسطينية مقاومة لكل غُزاتها، وعصية علي كل مُحتل، سبق لها أن مرغت أنف نابليون في ترابها، وجعلته عبرة لكل طغاة العالم ، أنها مدينة عكا التي يروي المؤرخون، بأنها من أقدم المدن الفلسطينية، وأنها تقع علي الرأس الشمالي لخليج حيفا، علي ساحل البحر الأبيض المتوسط ، كما أنها تتمتع بموقع إستراتيجي، حيث كانت ممراً لجميع القوافل الكبيرة بين الشام ومصر والعكس، ما ساعدها علي الازدهار، و ما جعلها مطمعاً لقائمة طويلة من الغزاة، ولكن شهرتها فاقت الخيال لتصديها الشجاع، وصدها نابليون بونابرت، قائد الحملة الفرنسية الذي وقف ذليلاً عند أسوارها، ولم يتمكن من احتلالها فعاد إلي بلاده، يجر ذيول الهزيمة.
ويروي تاريخنا الوطني الفلسطيني أنه، أثناء حكم الجزار، جاءت الحملة الفرنسية بقيادة نابليون إلي الشرق الأوسط ، فتمكنت من إحتلال مصر واتجهت ناحية الشام فقامت باحتلال صحراء سيناء وغزة، ويافا، وحيفا، حيث وصلت إلي مشارف مدينة عكا، بُغية احتلالها 1779م ، ويومها نادي الجزار بأهل عكا ووقف فيهم خطيباً، يحثهم علي الجهاد، فاستجاب أهل المدينة جميعهم، واستعدوا وتجهزوا لملاقاة نابليون ومقاومته، فحاصر المدينة طويلاً وأمطرها بقذائف المدافع، وأستمر حصاره طويلاً، ورغم خسائر جيشه الفادحة، في العتاد والعدد والأرواح، فإنه علي ما يبدو كان مصمماً علي إحتلال المدينة، والسيطرة علي الشرق بأسره، لكن صمود وشجاعة وعزيمة، وإيمان أهل عكا ومقاومتهم الباسلة وحصانة أسوارها، اضطرته إلي الانسحاب يجر ذيول الخيبة والهزيمة والعار، لتكون عكا، هي المدينة الأولي التي يُهزم فيها نابليون، التي رمي قبعته، غيظاً منها قبل أن يرحل عنها وقال قولته " علي الأقل مرت قبعتي من فوق أسوارك يا عكا " ، ورحل المأفون وهو يردد " تحطمت أحلامي علي أسوارك يا عكا ، سلامٌ عليك، سلاماً لا لقاء بعده " .
وزائر المدينة يمكنه مشاهدة أسوار عكا القديمة التي بناها ظاهر العُمر والجزار باشا، وجامع الجزار، و أبنيتها القديمة التي ترجع للعصور الفاطمية والصليبية والعثمانية، وسجن عكا المعروف بسجن القلعة، والذي ذاع صيته بعد تنفيذ حكومة الانتداب البريطاني حكم الإعدام بالأبطال الثلاثة ( محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير بتاريخ 17/ 6 / 1930 إثر مشاركتهم شعبهم الفلسطيني ثورة البراق .
ومدينة عكا بعد الهجمة الصهيونية، وقيام الدولة العبرية الصهيونية، تنقسم إلي قسمين البلدة العربية القديمة، وبها يعيش سكانها الفلسطينيين عرباً ونصارى و دروز من أصل أهلها و الذين لم يهجروها وصمدوا فيها 1948، ومدينة جديدة بناها اليهود الصهاينة لتستقبل المهاجرين اليهود الذين قدموا إليها بعد 1948، وتقع جميع الأبنية الجديدة وأسواقها ومرافقها خارج مدينة عكا القديمة التي حافظت علي هويتها وطابعها وأصالتها العربية رغم ما يعانيه أهلها من أشكال التفرقة العنصرية وعدم المساواة بين سكانهاِ، والتوتر المستمر بين العرب واليهود، كالذي لاحظناه قبل سنوات قليلة عندما أقدم سائق عربي فلسطيني بالدخول بسيارته الحي اليهودي خلال عيد يوم الغفران الذي لا يقود فيه اليهود سياراتهم، حيث اشتعلت اشتباكات بين الطرفين أسفرت عن إلحاق أضرار جسيمة في الممتلكات العربية ولم تسفر عن خسائر في الأرواح، ومن الجدير ذكره في هذا المقال أنه، كشف النقاب عن وضع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، مخططات للسيطرة الإسرائيلية التامة علي مدينة عكا، وتضييق الخناق علي فلسطينيي عكا لإجبارهم علي ترك إقامتهم داخل أسوار عكا القديمة، لتوطين مستوطنين يهود مكانهم .
وروي لي أحد أبناء عكا الذين تربطني بهم صداقة متينة لليوم وما زال صامداً مع الصامدين بها بحسره وألم جزءاً من تاريخها فقال : " أن مدينة عكا، كانت أول عاصمة لأول كيان فلسطيني، عندما أسس ظاهر العمر أول كيان فلسطيني، فكانت عكا عاصمة له ، وأن أهل عكا هم من دحر نابليون ورد جيوشه المهزومة أمام أسوار عكا" وأضاف أن عكا أنجبت رجال عظام ذاع صيتهم بأرجاء المعمورة، ففيها ولد أحمد الشقيري أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومن أرضها خرج غسان كنفاني"، وبمرارة قال لنا : إن مدينة عكا التي حررها صلاح الدين الأيوبي ، ودحرت نابليون إلي مزابل التاريخ عن أسوارها، تتعرض هذه الأيام لهجمة عنصرية في محاولة لتهويدها ، وطمس معالمها وتغيير طابعها الإسلامي العربي، ومحو تاريخها وهويتها العربية، لكنه أستدرك قائلاً : " إننا لها وسنحافظ بصمودنا عليها.
يسعدني أن أتقدم باسمكم جميعاً إلي رجال عكا وشخصياتها الوطنية الفلسطينية كلٌ باسمه ولقبه، يا من تحرسون الحلم، وتدافعون عن وطنكم الفلسطيني بصمودكم وثباتكم فوق الأرض التي بارك الله فيها وفيمن حولها ، فعكا لا تنسي أبنائها الذين أحبوها، فهي تنتظرهم عند الفجر القادم .
6- الـمـجـدل
صورة مسجد المجدل الكبير كما صورتها الذاكرة الفلسطينية
كما سنتحدث اليوم عن مدينة المجدل التي كانت تُعرف قديماً ( بمجدل عسقلان )، وكانت أحد موانئ فلسطين القديمة علي ساحل البحر الأبيض المتوسط، وهي من المدن الكنعانية، تقع إلي الشمال الشرقي من مدينة غزة، وتبعد عنها 25 كم وتبلغ مساحة مدينة المجدل 1346 دونم تقريباً ومساحة أراضيها، 42334 دونم ، وكانت تشتهر المجدل بصناعة الأقمشة، ويقول الحاج خليل المدهون، وهو أحد الأخوة الذين، ولدوا بالمجدل، وهاجروا أو هُجروا من هذه المدينة ، وكان عمره لا يقل عن 18 عاماً: " أن مدينة المجدل أشهر المدن الفلسطينية في صناعة الأقمشة، و كانوا يملكون أكثر من 800 نول كبير لصناعة الأقمشة القطنية والحريرية والصوفية والتي كانوا يبيعون منتجاتهم في أسواق فلسطين)، وعند هجرتهم لقضاء غزة نقل بعضهم ما يملك من " أنوال "، وأقاموها في مواقع استقرارهم ، وباشروا بإعادة نشاطهم الذي اشتهروا به، وأضاف أن الجامع الكبير بالمجدل من أشهر معالمها، وكان قد بناه أمير من أمراء المماليك يدعي سيف الدين سلار، وأنه كان لمدينة المجدل مجلس بلدي منذ أوائل القرن الماضي، كما كان بالمدينة مدارس للبنين والبنات منذ بداية الاحتلال البريطاني لفلسطين، وعن الهجمة الصهيونية المسلحة علي المدينة قال : " أن المنظمات الصهيونية المسلحة، قامت بهدم المدينة وتشريد أهلها الذين كان يبلغ تعدادهم سنة 1948 في حدود " 11500 نسمة تقريباً ) وكان ذلك في شهر نوفمبر 1948، والذين هاجر معظمهم الي لواء غزة ومدنه ، وقد أقام الصهاينة علي أراضي هذه المدينة وقري بربرة وحمامة والجورة مدينة أشكلون .
ويروي التاريخ الوطني الفلسطيني أن مدينة مجدل عسقلان من أقدم المدن التي بناها الفلسطينيون قبل ميلاد المسيح عليه السلام بـ 1150 سنة تقريباً علي ساحل البحر الأبيض المتوسط، وجعلوها أحد أهم مراكزهم ، وأن العهد القديم ( التوراة ) ، ذُكر فيه عدة مرات أن مدينة مجدل عسقلان كمركز فلسطيني كبير، ولكن أبت الحركة الصهيونية إلا أن تقلب الحقائق، و تغتصب ما لا حق لهم فيه.
كما يروي التاريخ الوطني الفلسطيني، أن القائد العربي عمرو بن العاص، رضي الله عنه، قد فتح فلسطين وكانت مدينة عسقلان مركزها، وقد قال يومها عبدا لله أبن عمر رضي الله عنه : " لكل شئ ذروتها، وذروة الشام عسقلان "، ويقال أيضاً أنه تم جلب رأس الحسين ابن علي كرم الله وجهه الي عسقلان، ولم تم فتح مصر وبسطت الدولة الأسلاميية يدها الشريفة علي ربوع مصر المحروسة، نُقل رأسه الشريفة رضي الله عنه وعن والديه وصلي وسلم يارب علي جده محمد أفضل صلاة وأتم تسليم، في مسجد الحسين بالقاهرة.
كما يروي التاريخ أن المجدل كانت علي امتداد تاريخها الطويل مدينة اقتصادية وتجارية ، بسبب مينائها البحري، ووقوعها الاستراتيجي بالقرب من الحدود المصرية ، حيث كانت ممراً للقوافل التجارية بين مصر وبلاد الشام ، كما كانت معبراً، وممراً للحملات العسكرية الغازية لفلسطين وبلاد الشام .
ومن أشهر عائلات المجدل علي سبيل الذكر لا الحصر، عائلة أبو شرخ، البلعاوي، بعلوشة، تنيرة، التلمس، الشريف، شاتيلا، شبلاق، شقورة، سرور، حماد، الحجار، بحور، البربري، البردويل، أبوغلوة، حجازي، الجردلي. والحلبي، وأسجل الاحترام والتقدير لكل العائلات التي لم تذكر في هذا المقال.
وكانت تحيط بهذه المدينة التاريخية، قري تاريخية تتبع قضاء المجدل عسقلان هي : أسدود تقع للشمال من المجدل، وقري بربرة ، الجورة وبرقة، بعلين،البطاني الشرقي، والبطاني الغربي، بيت جرجا، وبيت دراس، بيت طيما، الجلدية، الجورة ، جولس، الجية ، حتا، حليقات، حمامة، الخصاص، دير سنيد ، سمسم، السوافير الشمالي ، والسوا فير الغربي، عبدس، عراق سويدان، الفالوجة، القسطينة، كرتيا، المسمية، وغيرها من القري التي نعتز بها ونفخر، وه وتاريخها جزء لا يتجزأ من التاريخ الوطني الفلسطيني الذي يشهد لهذه القري والمدن بأنها عانت ظلم اليهود الصهاينة، وقاومت الهجمات الصهيونية وقطعان المنظمات الأرهابية الصهيونية بكل شجاعة بما استطاعت، وبما كان بيدها من أسلحة خفيفة، لكن المؤامرة الصهيونية الاستعمارية كانت أكبرمن إمكانياتهم .
* باحث وكاتب وصحفي فلسطيني
[1] منال عاشور مسعود الاغا | كل الشكر والتقدير | 08-03-2011
[2] مفيد شلاش نايف شبير | تحية وتقدير | 09-03-2011
[3] د. يحيى زكريا اسعيد الأغا | شكر وتقدير | 09-03-2011
[4] ابومؤيد/ ناجي سليمان حافظ الاغا | شكر وتقدير | 09-03-2011
[5] بلال فوزي جبارة الاغا | شكر | 09-03-2011
[6] د. ناصر جاسر الاغا | الجميل يكتب جميلا | 09-03-2011
[7] المحامي/محمود عيد علي شبير | من الروائع | 12-03-2011
[8] محمد يوسف حسني مجدلاوي | شكراً | 14-03-2011