بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ، والصلاة والسلام على معلم الناس الصبر ، القائل { من { أراد واعظا فالموت يكفيه } وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، وبعد : من أعظم الحقائق التي يعترف بها الجميع ، ويقر بها حتى الملحدون الذين ينكرون وجود الله ( سبحانه وتعالى ) هي حقيقة الموت ، ورغم اعتقاد الجميع الجازم بالموت ، إلا أن القليل من الناس من يدين نفسه ويعمل لما بعد الموت . ونحن في كل يوم تقريبا نودع حبيبا لنا وعزيزا علينا ، نحتسبهم عند الله ، وندعو الله للجميع بالمغفرة والرحمة ، وأن يعوض على أهليهم خيرا . واليوم ونحن نودع عزيزا على قلوبنا جميعا ، الأخ سليمان مصطفى عثمان الأغا ،رحمه الله وأكرم مثواه ، فقد كان بلا شك من خيار الخلق وأطيبهم نفسا ، ولعله ممن زكاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ أَحْسَنُكُمْ أَخْلاقًا، الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ } رواه الطبراني وأنا لا أريد أن أزكيه أو أنعاه إلى أحد ، فهو أكبر من ذلك ، ولا شك أن جميعنا محزونون لفقده ، ونسأل الله العافية للجميع وحسن الختام .
مصيبة الموت : أَصْلَ المُصِيبَةِ : الرَّمْيَةُ بالسَّهْمِ ثم اسْتُعْمِلَت في كل نَازِلَةٍ ، أعظم مصيبة تنزل بالمسلم بعد مصيبته في دينه بما يحدثه فيه من بدع ومنكرات ، وخروج عن منهج السلف الصالح ، هي مصيبة فقد الأهل والأحباب والأعزة من الأبناء والأصحاب وهي مصيبة الموت ، والتي يهون أمامها أي مصيبة أخرى ولقد كانت مصيبة موت النبي عليه الصلاة والسلام من أعظم المصائب التي ألمت بالصحابة الكرام وبالمسلمين من بعده ، فكل مصيبة بعد فقد النبي عليه الصلاة والسلام تهون ، وبعض الناس لا يحتمل فقد الأحبة خاصة الوالدين والأبناء والأصدقاء الأعزاء ، فترى بعضهم إذا مات وحيده يعيش كئيبا ، ويقضي معظم وقته حزينا ، وقد يتسلط عليه الشيطان فيسيء الظن بربه سبحانه وتعالى ، ويكثر من اللعن والكفر ، فتصبح مصيبته مضاعفة ، مصيبة فقد الولد ، ومصيبة الإثم الذي أوقعه بنفسه بسبب كفره وجزعه وتسخطه . وقد سماها الله سبحانه وتعالى مصيبة الموت ، على اعتبار ما يتبعها من أحزان تنزل بأسرة الميت وأهله )يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ ( ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - r - قال : ( يقول الله تعالى : مَا لعَبدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إلاَّ الجَنَّةَ )) . ( ) أدب التعامل مع الموت : يقول ربنا تبارك وتعالى : ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ(185) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ(186) ﴾
وفي هذه الآية أعظم تسلية وعزاء، إذ أخبر تعالى فيها بأن كل نفس مهما علت أو سفلت ذائقة الموت لا محالة، وإن الدنيا ليست دار جزاء وإنما هي دار كسب وعمل، ولذا قد يجرم فيها المجرمون ويظلم الظالمون، ولا ينالهم مكروه، وقد يحسن فيها المحسنون ويصلح المصلحون ولا ينالهم محبوب، وفي هذا تسلية عظيمة وأخرى: العلم بأن الحياة الدنيا بكل ما فيها لا تعدو كونها متاع الغرور، أي: متاع زائل غار ببهرجته وجمال منظره، ثم لا يلبث أن يذهب ويزول. إن الله كتب الموت على بني آدم ، فهم ميتون ، وأكيسهم أطوعهم لربه ، وأعملهم ليوم ميعاده دخل ملك الموت على داود عليه السلام فقال له من أنت ؟ قال أنا الذي لا يهاب الملوك ولا تمنع منه القصور ولا يقبل الرشا ، فقال إذن أنت ملك الموت ، وإني لم أستعد بعد ، فقال له يا داود : أين فلان جارك ، أين فلان قريبك ؟ قال ماتا ، قال أما كان لك في موت هؤلاء عبرة لتستعد بها ثم قبضه عليه السلام و الموت ليس له زمن من معلوم فليكن المرء على أهبة من ذلك تلك لحظة الحسم في حياة كل إنسان مهما عظمت مكانته ومهما علت منزلته فالكل في تلك اللحظة سواء وإنما يتفاوت الناس حسب تقواهم.
فيا من غره طول الأمل يا من قصر عن العمل فاستعد ليوم الرحيل فانك عما قريب ستلاقيه , نغفل عنه في الحياة وهو خاتمة الحياة قد كان بالأمس ينعى وها هو اليوم ٌينعى ، فتخيل نفسك وملك الموت واقف ينتظر الأمر بنزع ورقتك الأخيرة فما أعظم مصيبتك إن كنت ممن فرط في جنب الله وكان من الساخرين وما أسعدك إن كنت ممن قال ربنا الله ثم استقام وليست المسألة بعيدة ربما كانت أقرب إليك مما تتصور, فكم من مصل للظهر ما أدرك العصر إلا في الدار الآخرة فخذوا حذركم لما احتضر إبراهيم الخليل عليه الصلاة و السلام قال هل رأيت خليلا يقبض روح خليله ؟ فأوحى الله إليه هل رأيت خليلا يكره لقاء خليله ؟ قال فاقبض روحي الساعة وقال الحسن رضي الله عنه ما من يوم إلا وملك الموت يتصفح وجوه الناس خمس مرات فمن رآه على لهو ولعب أو معصية أو ضاحكا حرك رأسه وقال له مسكين هذا العبد غافل عما يراد به ثم يقول له اعمل ما شئت فإن لي فيك غمزة أقطع بها وتينك وعن العلاء بن عبد الرحمن أن النبي لما حضرته الوفاة بكت فاطمة فقال { لا تبكي يا بنتاه قولي إذا مت إنا لله وإنا إليه راجعون فإن لكل إنسان مصيبة معوضة قالت ومنك يا رسول الله قال ومني } عن عطاء بن أبي رباح قال : قال رسول الله " من أصابته مصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها من أعظم المصائب ) وحدث الزبير قال : قامت عائشة بعدما دفن أبوها أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه فقالت : نضر الله وجهك وشكر صالح سعيك فقد كنت للدنيا مذلا بإدبارك عنها وللآخرة معزا بإقبالك عليها.
ولئن كان رزؤك أعظم المصائب بعد رسول الله وأكبر الأحداث بعده فإن كتاب الله تعالى قد وعدنا بالثواب على الصبر في المصيبة ، وأنا تابعة له في الصبر فأقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ومستعيضة بأكثر الاستغفار لك ، فسلام الله عليك توديع غير قالية لحياتك ، ولا رازئة على القضاء فيك لما توفي رسول الله رثاه جماعة من أصحابه وآله بمراث كثيرة منها ما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه فإنه كان أقرب الناس إليه وهو أول من رثاه فقال ( لما رأيت نبينا متجندلا ... ضاقت علي بعرضهن الدور ) ( أعتيق ويحك إن خلك قد ثوى ... والصبر عندك ما بقيت يسير ) ( يا ليتني من قبل مهلك صاحبي ... غيبت في لحد عليه صخور ) ( فلتحدثن بدائع من بعده ... تعيابهن جوانح وصدور ) وكان يزيد الرقاشي يقول : من كان الموت موعده ، والقبر بيته ، والثرى مسكنه ، والدود أنيسه ، وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر ، كيف تكون حالته ؟ ثم يبكي حتى يغشى عليه فيجب على العاقل أن يحاسب نفسه بنفسه على ما فرط من عمره ، ويستعد لعاقبة أمره بصالح العمل ، ولا يغتر بالأمل فإن من عاش مات ، ومن مات فات ، وكل ما هو آت آت.
نسأل الله أن يلهمنا رشدنا ويوفقنا لإتباع أوامره واجتناب نواهيه وأن يجعل الموت خير غائب ننتظره وأن يختم لنا بالخير وأن يتغمدنا برحمته إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير والموت لنا بالرصد ، وقد وعظنا واعظه بموت الوالد والولد والأخ والصاحب والحبيب , فعلينا أن نجد ونجتهد خدمة مولانا الكريم ، وأن نقلع عن الذنوب عسى أن يتولانا ، ولنعلم أننا غدا بين يدي الجبار موقوفون وعن أعمالنا في دنيانا مسئولون ، فلنأخذ حذرنا ، ونقدم عذرنا ، ونعلم أنه لن ينفع في يوم القيامة حول ولا قوة ، ولكنه الإيمان وإتباع منهج النبوة ، وتزودوا فان خير الزاد التقوى وصلوا على شفيعكم ومن كان بكم رؤوفا رحيما ، إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما. والحمد لله رب العالمين
ياسين طاهر الأغا 20 \ 7
[1] المنتصر بالله حلمي أحمد الآغا | رحم الله ابو مصطفى | 21-07-2011
[2] لبنى ياسين طاهر الأغا | رحمة الله عليه | 22-07-2011
[3] مصطفى جميل مصطفى الكاشف | بارك الله فيك | 23-07-2011
[4] ربا عدنان عيد الاغا | جزاك الله خيرا | 24-07-2011