كتب : محمد سالم الأغا *
القاهرة من المدن الجميلة التي أحببتها، منذ زرتها يافعاً مع والدي رحمه الله الذي كان يحبها هو الآخر، قبل خمسة عقود تقريباً، وكانت يومها عاصمة الجمهورية العربية المتحدة، واليوم عاصمة جمهورية مصر العربية، فمشيت معه في شوارعها، وصلينا في مساجدها الحسين والأزهر ومسجد صلاح الدين بالمنيل، وزرت معه بيوت أصدقاءه وأحباءه مصريين وفلسطينيين يعيشون في هذه المدينة التي فتحت لهم صدرها لتحتضنهم بعد نكبة فلسطين، وقد غمرونا جميعاً بكرمهم وحسن استقبالهم لنا، وقد زرت برفقته أيضاً، المتحف المصري في ميدان التحرير، وشاهدنا سوياً عظمة الفراعنة وتاريخهم الذي خلدوه بما تركوه لنا من أثار عظيمة تحكي حضارة سادت حتى اللحظة ولم يبيدها غاز أو محتل أو تمحوها كارثة أو زلزال، كما زرت أهرامات الجيزة، وحديقة الحيوانات وبرج الجزيرة، وقد كان وقتها حديث البناء وأعلى بناية في القاهرة، ومن الطابق قبل الأخير الذي يدور، كنت تشاهد كل معالم القاهرة من منظار كبير مثبت في أعلى البرج .
والحديث عن القاهرة أو الكتابة عنها، ذو شجون، فأخوتنا المصريين يعتزون بالقاهرة اعتزازهم بمصر، فأي منهم اسكنداراني أو أسواني أو سيناوي أو من أي مدينة أو قرية أو كفر يقول أنه جاء من قريته إلى مصر ويعني بذلك أنه جاء إلى القاهرة ... وفي القاهرة تجد ملايين من البشر يحضرون ليقضوا حوائجهم، في النهار فيزداد عدد سكانها، و ليلاً يقل عددهم، عندما يعود بعضهم إلي مدنه وقراه، والقاهرة تتميز عن غيرها من المدن كثيراً، لأنك تقرأ فيها التاريخ وتراه ماثلاً أمامك، وتحسه بكل حواسك، فلكل حارة أو شارع أو عمارة قصة وتاريخ ، ففيها ترى وتشم رائحة من سكنوها في العصور الماضية، ولا تزال بصماتهم ظاهرة للعيان في شكل المباني والعمارات الجميلة التي تتشكل منها القاهرة، وتمشي وسط أهل وأحبة، يغمرونك بودهم واحترامهم لك، و يذكرونك دائما بأن من يشرب من مياه مصر( أي من مياه النيل ) يعود ويرجع لها .
ومن زار القاهرة سابقاً مثلي يشعر بالتغيير الكبير الذي طرأ علي المدينة العريقة، و يحس أنه لم يزرها قبل الآن، فالمدينة أصبحت بحق قاهرة كبيرة فالمساحات التي كانت غير مأهولة بين الأحياء وبعضها البعض أرتفع فيها البناء، و سادها العمران من كل جانب، بل أُنشئت مدن كبيرة داخل القاهرة، وتطورت الشوارع، فشوارعها أصبحت متعددة الطوابق ــ أسف كباري معلقة فوق بعضها البعض ـ و ميادينها وبعض تماثيلها المشهورة كتمثال رمسيس، والنصب التذكاري لميدان التحرير، التي تعرفها أزيلت من مكانها لتحل محلها كباري علوية للسيارات التي تضاعفت كثيراً عما كان في السنوات الفائتة، و من اللافت للنظر أن كل شئ تغير في القاهرة، أسعار الحاجيات، إيجارات البيوت، وأجرة الفنادق والمواصلات حتى ثمن الجرائد والمجلات والكتب تغير.
وزائر القاهرة اليوم يحرص أن يزور ميدان التحرير، لا لأنه أكبر ميادين القاهرة، ولا لأن من معالمه مبنى مجمع المصالح الحكومية، مجمع التحرير الذي نسجل نحن الفلسطينيين حضورنا وختم جوازات سفرنا فيه، ولا لأنه يوجد فيه معالم مشهورة كفندق النيل هيلتون، أو المتحف المصري، أو مبنى جامعة الدول العربية، أو جامع عمر مكرم، أو غيره من المعالم، لكن لأن هذا الميدان أصبح بعد ثورة25 يناير 2011، رمزاً إلى الثورة الشعبية المصرية السلمية، التي نجحت بتغيير رئيس جمهورية مصر العربية حسني مبارك الذي كان يعتقد البعض أنه سيبقى رئيساً للجمهورية حتى انقضاء أجله، أو أن يورث نجله جمال مبارك سدة الحكم في مصر، ومن المعلوم لدى الجميع أن هذه الثورة ثورة الشباب المصري الذي أتخذ من ميدان التحرير مركزاً لثورتهم، أجبرت الرئيس حسنى مبارك على التنحي من رئاسة الجمهورية في 11 فبراير 2011، ليتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية تسيير أمور البلاد لحين انتخاب رئيس جمهورية وتغيير الدستور المصري وأعضاء مجلسي الشعب و الشورى، فتم انتخاب المجلسين بصورة ديمقراطية، ونسأل الله العلي القدير أن يُلهم شعبنا المصري الشقيق علي إتمام ثورته بانتخاب رئيس جمهورية يأخذ بيد مصرنا الحبيبة الغالية وشعبها إلى بر الأمن والأمان وأن يُعلي شأنها بين دول العالم .
و القاهرة كمدينة ستبقى هي وشقيقاتها المدن والقرى والكفور والنجوع المصرية الشقيقة قريبة إلى قلوبنا فمصرنا الحبيبة الغالية هي، الجارة التي احتضنتنا أهل وأخوة و زوار وطلاب علم علي مدار السنين والأعوام الماضية علي يد أساتذتها وفي جامعاتها، وكلياتها ومعاهدها تعلمنا ولمناهجها درسنا، ومن ماء النيل شربنا ومن خيرها أكلنا ولبسنا، وعلى أرضها وأرض فلسطين سالت دماء شهدائنا دفاعاً عن الدين والوطن، وسنظل نذكر بالخير أخوة وأصدقاء وزملاء أحبة فتحوا لنا عقولهم، وصدورهم وبيوتهم وقلوبهم لننهل منها ما يفيد، فجزاهم عنا خير الجزاء .
واليوم نسأل الله أن يًعز مصرنا الحبيبة الغالية بأحد رجالها العظام ليأخذ بيدها مع شعبنا المصري الشقيق وجيشه الباسل إلي شاطئ الأمن والأمان وإلى مصاف الدول العظمى، فهي منهم وليست أقل منهم، فمصر عظيمة وستبقى عظيمة عظمة تاريخها وحضاراتها، وستبقى وفية لشقيقتها فلسطين و للعرب والمسلمين ولن يخذلنا شعبها بإذن الله .
• كاتب وصحفي فلسطيني
• m.s.elagha47@hotmail.com
[1] مهند مأمون كامل الشوربجي | نسأل الله لها الأمن والأمان والاستقرار | 26-03-2012