بسم الله الرحمن الرحيم ( رحمانيّات ربانية )
( 38 ) الساعة أدهى وأمّر
الحمد لله وأفضل الصلاة والسلام على سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، ونسأله تعالى أن يتم علينا نعمة الهدى وذِكرِه والأمن والأمان في كل زمان وعلى كل حال ، أنه هُوَ السميع العليم المجيب .
نرى في هذه الأيام وفيما حولنا من المشرق إلى المغرب الهرج والمرج والقتل والخطف على كل شيء من الرأي حتى المال ، وكل ما دون أو أكثر من ذلك ، وكأن الله تعالى ينبه المؤمنين إلى ساعةٍ - يحسب لها المؤمن حسابه - اقتربت ، وما يحدث قد يكون مؤشرات عليها .
والله تعالى أنزل على رسوله الكريم صلّى الله عليه وسلّم سورة كريمة هي سورة ‘‘ القيامة ’’ لتذكيرنا بذاك اليوم العظيم المخيف ، وبأشراطه وعلاماته وإشاراته وأهواله وزوال الدنيا من جبال وبحار وكل ما فيها ، إلاّ الله سبحانه وتعالى ، وبتدبير منه جلَّ وعلا ، فتقوم الساعة بغتةً بدون إنذار بعد اكتمال أشراطها وعلاماتها . أمَّا وقت قيامها فلا يعلمه إلاّ الله تعالى وحده مصداقاً لقوله تعالى في سورة الأعراف (آية 187):‘‘ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعةِ أيَّان مَرْسَـاها قُلْ إنَّمَا عِلمـُها عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّـيهَا لِوَقْتِهـا إلاّ هُوَ ثَقـُلَت فِي السَـمَوَاتِ وَالأرضِ لاَ تـأتيكُمْ إلاَ بغـتةً يَسـْئِلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ وَلكِنَّ أكْثَرِ النَّـاسِ لا يَعْلمُونَ ’’ .
والحكمة في تقديم وبيان أشراط الساعة وتنبيه الناس لها ، حتى يتنبهوا من رقدة الغفلة وحثهم على الأخذ بالاحتياط لأنفسهم بالتوبة والعودة إلى الله تعالى ، وتأدية الحقوق قبل أن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت ، وهذا مصداقاً لقول الله تعالى في سورة الأنبياء (آية 1):‘‘ اقْترَبَ لِلنَاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعرِضُونَ ’’ . وقد ورد في الحديث الشريف الكثير عن يوم القيامة وعلاماتها وأشراطها ، وأنها آتيةٌ لا ريب في ذلك .
وقد روى أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:‘‘ بُعِثتُ أنا والساعة كهاتين’’ ، قال : وضم السبابة والوسطى . ويقول الله تعالى في سورة محمد (آية18) عن أن يوم القيامة يأتي بغتةً وبدون إنذار:‘‘ فَهَلْ يَنظُرُون إلاّ السَاعةَ أن تأتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أشْرَاطُهَا ، فَأنى لَهُمْ إذَا جَاءَتهُمْ ذِكرَاهُمْ ’’. وروى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:‘‘ إنَّ من أشراط الساعة أن يقل العلم ، ويظهر الجهل ويظهر الزنا وتكثر النساء وتقل الرجال حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد’’ .
وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: (سيأتي زمانٌ يقل فيه العلم ويظهر فيه الجهل بالكتاب والسنة) ، وكان يقول:( ليس حفظ القرآن بحفظ الحروف وإنما حفظه بإقامة حدوده ). وفي رواية أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : ‘‘ سيأتي على الناس سنواتٍ خَدِعات يُصَدَّق فيها الكاذب ويُكَذَّب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن وَيُخَوَّن فيها الأمين ، وينطق فيها الرويبضة ، قيل : يا رسول الله وما الرويبضة ، قال : الرجل التافه ينطق في أمر العامة ’’ ، ويقول الإمام القرطبي ( نسبةً إلى قرطبة - وهو الإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي ) : ( التافه هو : الخسيس من الناس الخامل الذكر) .
وفي رواية :‘‘ لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والبخل ويخوّن الأمين ويؤتمن الخائن وتهلك الوعول ، وتظهر التحوت ، قالوا : يا رسول الله وما الوعول وما التحوت ؟ قال : الوعول وجوه الناس والتحوت الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يُعلَم بهم ’’ . ولننظر حولنا الآن في هذه الأمة لنتسائل كم من رويبضة وتافهٍ وتحوتٌ الآن يتكلمون وينطقون في أمور العامة ؟؟!! ، وكم من وعلٍ نقتل برصاصة أو بكلمة التوحيد ؟!! ، وكم من أمين يُخَوَّن وكم من خائن يؤتمن ؟؟ وكم من صادق يُكَذَّب ؟! أليست كل تلك من العلامات القائمة الآن ؟ .
وفي حديث سيدنا جبريل عليه السلام الذي رواه مسلم وغيره:‘‘ أن جبريل عليه السلام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة ، فقال : ما المسئول عنها بأعلم من السائل ، قال: فأخبرني عن أماراتها ، قال : تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ’’ وما أكثرهم الآن ! ، وفي رواية:‘‘ لا تقوم الساعة حتى يكون المطر قيظاً والولد غيظاً ’’ .
يقول الإمام القرطبي رضي الله عنه ، عن أبي ذرٍ الغفاري رضي الله عنه كان يقول:( يوشك أن يأتي على الناس زمانٌ يُغبط فيه خفيف الحاذ ( أي الذي لا أهل له ولا ولد ) كما يُغبط اليوم أبو عشرة من الأولاد ، ويغبط الرجل ببعده عن السلطان كما يُغبط اليوم بقربه منه لمصالح العباد ، وتمر الجنازة في السوق فيهز الناس رؤوسهم ويقولون : ليت أحدنا مكانه ’’ ، فقال عبادة بن الصامت : يا أبا ذرٍ إن هذا الأمر عظيم ، فقال : نعم ، الأمر أعظم مما تظنون . وفي هذا يقول الإمام القرطبي رحمه الله تعالى : وهذا هو ذلك الزمان ( آنذاك في وقت وزمان القرطبي قبل مئات السنين ؟؟!! ) فقد استولى فيه الباطل على الحق ، وتغلَّب فيه العبيد على الأحرار ، وباعوا الأحكام ، ورضيّ بذلك منهم الحكام ، فصار الحكم مَكْساً ، والحق عَكْسَاً لا يُوصَل إليه ولا يُقْدَرُ عليه ، بدّلوا دين الله وغيَّروا حكم الله ، سَمَّاعون للكذب أكَّالون للسحت) .
ولننظر الآن في زماننا هذا كم من باطل يسود ، وكم من عبيد تغلّبوا على الأسيّاد فباعوا أحكام الله سبحانه وتعالى بالدنيا ، وبدلوا وغيروا وسمعوا كذباً وغيروا الحق ، وعكسوا الباطل ، وأكلوا سحتاً ؟!! . وما زلنا ننظر حلاً ربانياً لنعود !! . رويَّ عن حذيفة قال:‘‘ كنا جلوساً بالمدينة في ظل حائط وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غرفة فأشرف علينا وقال : ما يحبسكم فقلنا نتحدث ، فقال : في ماذا ؟ قلنا عن الساعة ، فقال : إنكم لا ترون الساعة حتى ترواْ قبلها عشر آيات : أولها طلوع الشمس من مغربها ، ثم الدخان ، ثم الدجَّـال ، ثم الدابة ، ثم ثلاث خسوف : خسوف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، وخروج عيسى ، وخروج يأجوج ومأجوج ، ويكون آخر ذلك نارٌ تخرج من اليمن من قعر عدن لا تدع خلفها أحداً إلاّ تسوقه إلى المحشر ’’ .
وروى عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:‘‘ لا تقوم الساعة حتى يكون التسليم على الخاصة دون العامة وحتى تفشو التجارة وتُعين المرأة زوجها على التجارة وحتى تُقطع الأرحام ويفشو الظلم وتظهر شهادة الزور وتُكتَم شهادة الحق ’’ . وكان عبد الله بن مسعود رضي الله يقول:( إن من أشراط الساعة أن تتخذ المساجد طرقاً وأن لا يُسلِّم الرجل على الرجل وأن يتجر الرجل وامرأته جميعاً ، وأن تغلو مهور النساء والخيل ثمَّ يرخُص فلا يغلو إلى يوم القيامة ) .
والساعة لا تقوم إلاّ على شرار الخلق والناس ، وقد روى مسلم أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال:( لا تقوم الساعة إلاّ على شـرار الخلق وهم أشرٌّ من أهل الجاهلية لا يدعون الله بشيء إلاّ رده عليهم ، فدخل عقبة بن عامر فقيل له : ألا تسمع ما يقول عبد الله ، فقال عقبة : هو أعلم ، وأما أنا فسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : ‘‘ لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله ظاهرين بعدّوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك ، فقال عبد الله : أجلْ ، ثمَّ يبعث الله ريحاً كريح المسك مسها كمسّ الحرير لا تترك أحداً في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان إلاّ قبضـت روحه ، ثم تُبقي شرار الناس ، من لا يعرف معروفاً ولا يُنكر مُنكراً يتهاجون تهاج الحُـمر’’ ، أي يتساندون ، ويقال بات فلاناً يـهرجها : أي يجامعها ، والله أعلم . تلك تَذْكِرَة وشواهد قليلة على اليوم العظيم الذي اقترب ، أمَّا الناس فهم في غفلة ومعرضون . والله المستعان على كل وصف . نسأل الله تعالى أن نكون من الذين يخرجهم الله تعالى من الظلمالت إلى النور مصداقاً لقوله تعالى في سورة البقرة(آية 257):‘‘ اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ والذينَ كَفَروا أوْلِياؤُهُمُ الطاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِنَ النُورِ إلى الظُّلُمَاتِ أؤلَئِكَ أصْحَابُ النَارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ’’ . وقوله تعالى في سورة يونس:‘‘ ألآ إنَّ أولِيَـآءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (63)’’.
ونسأله تعالى أن نكون منهم . يقول الله تعالى في سورة القمر:‘‘ أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ من أَوْلِيَائِكُمْ أمْ لَكُمْ بَرَاءةٌ فٍي الزُّبُرِ(43) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44) سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُونَ الدُّبُرِ(45) بَلِ السَّاعةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعةُ أَدْهَى وَأمَرُّ (46)’’ . نسأل الله وهو أكرم من سُئِل وأعظم من أعطى أن يتم علينا نعمة الهدى وذِكرِه في كل وقت والأمن والأمان وعلى كل حال ، أنه هو السميع العليم المجيب ، وأن نكون ممن يُظلّنا بظلّه يوم لاظلَّ إلاَّ ظلّه برضاه ورحمته وجوده وكرمه ولطفه ، وأسأله تعالى أن يتغمد والديَّ وأحبتنا والمسلمين والمؤمنين برحمته ومغفرته ، وأن يرحم ويغفر لمن كان سبباً وساعد في نشر هذه الرحمانيّات الربّانية ومن له حقٌ علينا ، في الدنيا والآخرة ، اللهمَّ آمين . وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وآخر دعوانا الحمد لله ربِّ العالمين
[1] احمد فتحي رمضان الأغا | شكر | 28-07-2012