انضمامُ الأَخِيرَيْن -2-بقلم:فتحي رَمَضَان الحَاجّ مُحَمَّد الأَغا .
حقوقُ الملكيّة الفكريّة محفوظةٌ للكَاتب.
كان التوقف فيما سبق من" انضمام الأَخيرين" أسماءً وأفعالاً عند الانضمام الظاهر، ومن الأفعال: نَعْبُدُ - يَسْجُدُ-نَقْعُدُ- تَخْرُجُ- تَعْرُجُ -يَخْرُجُ -أَخْلُقُ- أَنفُخُ- تَطْلُعُ- أَبْلُغُ- نَفْرُغُ -يَخْلُقُ - يَرْزُقُ - تَنقُصُ - يَمْكُثُ -يَنكُثُ – تَرْجُفُ .
ومن الممكن متابعة تلكم الأفعال في الموضوع السابق، ذلك لمن أراد أن يستزيد،القاسم المشترك بين تلكم المنظومة هو أنها ترتدُّ جميعا إلى جذر ثلاثيّ،وهي جميعًا منضمة الأخيرين،ومفتوحة حرف المضارعة ساكنة "الفاء"ما بعد حرف المضارعة وذلكم هو الأصل في هذه المنظومة.
ونظرا لأهمية الموضوع، فها هي تتمة تشمل انضمام الأخيرين المقدَّر في الأفعال، بمعنى أنك لا تلمح توالي المنضميْن، ويكون ذلكم الانضمام مُقدَّرا في منظومة محددة من المضارع وفق آيات البيان العالي .
هذه الحروف المضارعية تكون على نمطين لا ثالث لهما:
الأول:أن تكون مفتوحة،
والثاني:أن تكون مضمومة، وذلكم هو شأن حروف المضارعة دائما،فهي لا تكسر ولا تسكن وفق صحيح اللسان العربيّ، لقد ركز الدرس الصرفيّ على عين الكلمة العربية في المضيّ والمضارعة فيما يعرف بالأوزان الستة لضبط بنية تلكم الكلمة ،وأُمةٌ تزن لسانها ومفرداتها هي أمة دقيقة منتهى الدقة، وحَرِيّةٌ أن تكون على رأس الأمم وفي مكان الصدارة منها... ؟.
إن تجاور العين والفاء،والعين واللام في المفردات المجردة وفق المنهج الصرفيّ يثير مجموعة من التساؤلات، لقد نالت العين واللام من الاهتمام ما لم تنله الفاء،خاصة في صيغة المضارعة ذلك أن حركة الفاء في صيغة المضيّ المعلوم هي الفتحة دائما:عَرف-كَتب-جَلس-نَظر،ولا مفرّ،ومن اليسير السير على هذا النمط بطريقة آلية- تحريريا أو مشافهة- مع مجموعة من الأفعال الثلاثية المجردة،فلا مجال سوى فتح حرف المضارعة،ولا بد أن يكون ما بعد حرف المضارعة ساكنا،وذلكم هو الأصل – على الأقل في هذه المرحلة من مجرد الثلاثي- عليه تحاول هذه الدراسة الوقوف عند حركة الفاء في الصيغة المضارعية.الملحظ أن تلكم الفاء تسكن حين يسبقها حرف مضارعة- وهذا هو الأصل-،لكن الحرف المجاور لحرف المضارعة في منظومة مجرد الثلاثي المعلوم قد يُفْتَح أو يُكْسَر أو يُضََمّ وفق واقعه النطقيّ ،وهذا إيذان بأن شيئًا ما قد حدث ،مما يقتضي الروية والمتابعة والتعليل.
**انضمام الأَخيرين في الناقص الواوي: يَدْعُو- أَدْعُو- نَدْعُو- تَدْعُو- يَرْجُو- تَرْجُو- يَعْفُو- يَرْبُو. (لاحظ علاقة الواو المنضمة تقديريًّا بانضمام الأخيرين)
- { وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } يونس25- يَدْعُو
- { قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي } يوسف108- أَدْعُو
- { يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ } الإسراء71- نَدْعُو
- { تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى } المعارج17- تَدْعُو
- { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً } الكهف110 - يَرْجُو
- { وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } القصص86- تَرْجُو
- { وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } الشورى25- يَعْفُو
- { وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ } الروم39 -يَرْبُو
الملحظ الأول هنا أن الفعل ناقص واوي، ضُمَّت عينه ضمًّا ظاهرًا بينما،قُدِّر الضمُّ علامةَ رفعٍ على لامه وهي "الواو"،الملحظ الثاني: هو انفتاح حرف المضارعة وسكون مابعده،وهذا هو الأصل في هذه المنظومة من مجرد الثلاثي المتصرف المبني للمعلوم،الملحظ الثالث:أنّ وجود واو العلة آخر مضارع تلكم الأفعال يشي أو يُنبئُ بطريقة آلية أنَّ ماضيه يُرسم بالألف الممدودة:
دعا- رجا- عفا- ربا، والعكس صحيح،كما أن تلكم الواو هي واو العلة فلا تتبعها الألف،شأنها شأن واو الجمع في الإضافة:
مؤيدو- محترفو- فلسطينيو ،أما واو الجماعة فهي التي تتلوها الألف في الأفعال ماضية:ذهبوا-كانوا،أُخْرِجُوا ،مضارعة:لم ينالوا-لا تقولوا،أنْ يُقَتَّلُوا ،وأمرًا:كونوا-ادخلوا –ارجعوا- آمِنُوا،وهي ما تعرف بِ:الألف الفارقة التي تميز واو الجماعة عن واو الجمع، وعن واو العلّة،وهي دائما ضمير رفع متصل مبنيّ على السكون في محل رفع:فاعل-نائب فاعل-اسم لناسخ
**انضمام الأَخيرين في الفعل المضعف المتعدي :يَمُدُّ- تَعُدُّ- يَضُرُّ- يَجُرُّ- تَسُرُّ.
-{ اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } البقرة15- يَمُدُّ
- { وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ } الأعراف202 - يَمُدُّ
- { وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ } لقمان27- يَمُدُّ
- { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } النحل18- تَعُدُّ
- { فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً } مريم84 - نَعُدُّ
- { قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا } الأنعام71- يَضُرُّ
- { وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ } يونس106- يَضُرُّ
- { يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ } الحج12 - يَضُرُّ
- { وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } الأعراف150 - يَجُرُّ
-{ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ }البقرة69- تَسُرُّ
ذلك أن الفعل المضعف قد أدغمت عينه ولامه وحينما يفك ذلكم التضعيف تتضح مسألة انضمام الأخيرين لاحظْ:
– يَمُدُّ-تَعُدُّ- نَعُدُّ - يَضُرّ-يَجُرُّ- تَسُرُّ ، يتضح انضمام الأخيرين في كل مضعف مما سبق، حين فك التضعيف لتكون المضارعات السابقات-في غير البيان العالي- يَمْدُدُ- تَعْدُدُ-نَعْدُدُ- يَضْرُرُ-يَجْرُرُ- تَسْرُرُ، مع ملحظ أن الوزن الصرفي هو يَفْعُلُ-تَفْعُلُ-نَفْعُلُ-بانضمام الأخيرين فكًّا وإدغامًا، ولعل من الملاحظ اللافتة للنظر والتبصر في هذه المنظومة من أفعال العربية الثلاثية المجردة المتصرفة المبنية للمعلوم أن مضارعاتها مفتوحة العين وهذا أمر طبيعيّ، شأنها شأن كل فعل ثلاثي مجرد، متصرف"ليس جامدا" مبنيّ للمعلوم في اللسان العربيّ وتكون فاء مجرد الماضي الثلاثي مفتوحة في صيغة المبنيّ للمعلوم ،وهذا أمر مسلم به،وحين الشروع في صياغة المضارعية منه يُسبق بحروف المضارعة:الهمزة - النون - التاء – الياء.
**انضمام الأَخيرين في الأجوف الواوي: يَقُولُ- يَحُولُ - يَغُوصُ - نَسُوقُ – تَمُورُ- يَمُوتُ - يَمُوجُ - تَدُورُ – أَعُوذُ(لاحظ علاقة الواو بانضمام ما قبلها)
- { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } البقرة8- يَقُولُ
- { وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } الأنفال24 - يَحُولُ
-{وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ }الأنبياء82- يَغُوصُ
-{وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً }مريم86- نَسُوقُ
-{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ }السجدة27 - نَسُوقُ
-{يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْراً }الطور9 - تَمُورُ
- { وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ } النحل38 - يَمُوتُ
- { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً } الكهف99 - يَمُوجُ
-{ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ }الأحزاب19 - تَدُورُ
- { قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً } مريم18- أَعُوذُ
- { وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ } المؤمنون 97 - أَعُوذُ
- { وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ } المؤمنون98 - أَعُوذُ
الملحظ في هذه الأفعال الجوفاء الواوية أن فاء الفعل قد ضُمَّت خروجًا على المألوف وهو التسكين،كما أن آخر الفعل" لامه" قد ضُمَّت، بينما ما قبل الأخر لا يوجد عليه ضم، بل انتقل الضم من عين الفعل إلى فاء الفعل، وبقيت العين غُفْلا (بلاحركة ولا سكون)، لتستشعر من خلال ذلك ما اعتوَر الفعل الأجوف من إعلالٍ بالنقل،وذلكم هو شأن المضارع الواويّ حين يرسم في كتاب العربية الأكبر،فما على الراغب في تطويع الإعلال بالنقل وفهمه وإتقانه في الأجوف الواوي وكذا اليائي،عليه أن يلوذ بكتاب العربية الأكبر متابعا بدقة متناهية هذه الظاهرة الرائعة من الرسم القرآنيّ- إنَّ تحرّي الأفعال السابقات ينمُّ عن انضمام الأخيرين على النحو المبسَّط التالي:الشائع أن الوزن الصرفي لتلكم الأفعال الجوفاء هو :
أفْعُلُ-نَفْعُلُ... وهكذا بضم الأخيرين، وأنت ترى أن فاء الفعل ساكنة في الميزان متحركة نحو الضم في الواقع،وما ذلكم الضم إلا دليلُ إعلالٍ بالنقل..نقل حركة حرف العلة "الواو" إلى الحرف الساكن الصحيح قبلها،وتلكم إحدى ميزات ملاحظة خروج حركة فاء الفعل من السكون- وهو الأصل- إلى الضم وفقًا لنقل الحركة مع ملحظ بقاء الوزن الصرفيّ ساكن الفاء على الأصل،يشار هنا إلى أن النمطيْن الأخيرَيْن من الأفعال مضمومة الأخيرين قد فتح فيهما حرف المضارعة،وضُمَّت الفاء" مضغف الثلاثي المتعدي (يَمُدُّ-تَعُدُّ )، "والأجوف الواويّ"( يَقُولُ- يَحُولُ – يَغُوصُ)، وهو ما يلفت النظر، وهو الذي اقتضى الوقوف عند سبب تغير حركة فاء الفعل من السكون وهو المألوف والأصل-إلى الضم- يأمل كاتب هذه السطور أن يكون قد استطاع تقريب الفكرة،وبيان علة ذلكم العدول عن السكون إلى الضم.
لقد تمخض عن متابعة حركة فاء المضارع مضموم الأخيرين في هذه الدراسة المستقاة من كتاب العربية الأكبر:أن فاء الفعل الناقص الواويّ ساكنة وعليه فلا مشكلة هنا،أما فاء الفعل المضعف فهي هنا مضمومة: يَمُدُّ-تَعُدُّ- نَعُدُّ –يَضُرّ-يَجُرُّ،كذلك فاء الفعل الأجوف الواويّ مضمومة: نَسُوقُ – تَمُورُ- يَمُوتُ - يَمُوجُ – تَدُورُ،وذلك خلافا للمألوف، لذا كان التوقف عندهما ضمن منظومة تتمة انضمام الأخيرين،وأمكن بالمتابعة والاستقراء رد ضم الفاء إلى كون الفعل مضموم الفاء إما ثلاثيا مضعفا متعديًا، بدليل فك تضعيفه "نَعْدُدُ-يَضْرُرُ-يَجْرُرُ-تَسْرُرُ" واحتفاظه بوزنه الصرفّي ثابتا في الإدغام وفي الفكِّ :"يَفْعُلُ-تَفْعُلُ-نَفْعُلُ"، أو ثلاثيًّا أجوف واويًّا بدليل احتفاظه بوزنه الصرفيّ: :"يَفْعُلُ-تَفْعُلُ-نَفْعُلُ-أَفْعُلُ"مع تعدد حروف المضارعة في الحالتيْن،وعليه يمكن بسهولة نطق تلكم الأفعال بفك الإدغام وفق الوزن الصرفيّ لتجد سكون ما بعد حرف المضارعة حاضرًا جليًّا،كذلك الشأن في الأجوف الواويّ:يَقْوُلُ- يَمْوُتُ - يَمْوُجُ – تَدْوُرُ،ويمكن تطبيق ذلك على كل أجوف واويّ:يعود-يسوء- تهون- تنوء،وعليه فسكون فاء المضارعة هو الأصل، ولعل كاتب هذه السطور قد وفق في تأصيل ضم فاء المضعف الثلاثيّ،وفاء الأجوف الواويّ المضارِعَيْن إلى سكون العين، وذلكم من صميم الدرس الصرفيّ في اللسان العربيّ المبين..
والحمد لله رب العالمين.