هذا هو الفيلسوف العربي الإسلامي " أبن رُشد " يا أحبتي في الله .
كتب : محمد سالم الأغا *
الأخوة والأحبة في الله حياكم الله جميعاً، ونحن نعيش نفحات شهر رمضان الإيمانية المباركة رأيت أن أضع مختصراً موجزاً عن شخصية إسلامية أملاً أن يقتدي شبابنا وأشبالنا بها ، وتكون عوناً لهم، في معرفة الطبيب والفيلسوف والشارح الأوفى لكتب أرسطو " أبن رُشد " الذي تبوأ موقعاً فريداً ومكانة مميزة بين أقرانه، لقد ترك أبن رشد لنا ذخيرة طيبة ضخمة من المؤلفات، كما تولي القضاء في كل اشبيلية وقرطبة الأندلسيتين، وشرح كتب الفيلسوف اليوناني المشهور أرسطو، وأصبح له الفضل في انتشار فلسفته في عصور أوربا الوسيطة، ومن الجدير ذكره في هذا المقام أن الشاعر والفنان والفيلسوف الايطالي المشهور دانتي، هو الذي أطلق علي أبن رشد لقب " الشارح الأكبر " .
و أبن رشد هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد، وهو من أسرة أندلسية، ولد في قرطبة عام 520هــ ، وكان جده يتمتع بشهرة فائقة في الأندلس وشمال أفريقيا، لفتاويه لنصائحه وإرشاداته السياسية والاجتماعية حيث كان يعمل بالقضاء بقرطبة، وكما يقول المثل العربي " أبن البط عوام " عمل كجده ووالده في القضاء، بعدما درس القرآن الكريم وحفظه، وبعدما درس كتاب " الموطأ " للإمام مالك ووعي فقهه، واللغة العربية وآدابها، ودرس العلوم الإسلامية، كما درس العلوم الطبية، ودرس الفلسفة والحكمة والرياضيات وعلوم الكلام والمنطق، أي أنه حصل علي علمه من شجرة المعرفة الإنسانية وارفة الظلال.
ولهذه المعرفة بالعلوم الإنسانية الجامعة، فقد ذاع صيته أيضاً، بعدما قام بشرح كتب أرسطو، شرحا وافياً، وفهمها فهماً واعياً، وإخراجها للإنسانية، بخبرته الفلسفية، ما دعا دانتي إن يذكره في " الكوميديا الإلهية " بالشارح الأكبر .
لقد ترك لنا أبن رُشد رحمه الله عدداً لا يستهان به من الكتب والمؤلفات التي ساعدت، من جاءوا بعده لتنمية وتطوير، علومنا العربية والإنسانية علي مدي العصور السابقة ، فعند مطالعتك لتراث وما خلفه لنا من كتب قيمة، تجد شروحاته لأراء فلاسفة اليونان أفلاطون وجالينوس، وأرسطو وبطليموس وتجده أيضا يقدم آراؤه ومصنفاته في الفلسفة وكتابة الكليات في الطب ومنافسته لأبن سيناء في كتابه "القانون " .
• m.s.elagha47@hotmail.com
[1] أبو الوليد خالد بن فتحي بن خالد بن حسين بن قاسم الآغا | تنبيه وإيضاح. | 31-07-2012
الحمد لله، وبعد:
فالتحية والدعاء أولا بالتوفيق للأستاذ الباحث أبي علي، وتقبل الله منا ومنه الشهر الكريم صياما وقياما، والشكر ثانيا للأستاذ الباحث على ما تفضل به من الكتابة عن الفيلسوف الفقيه ابن رشد الحفيد. هذه الشخصية واحدة من أكبر الشخصيات التي كثر حولها الكلام والجدل في الحقل العلمي، وابن رشد الحفيد وسيرته وفكره – حقا – جديرةٌ بالاهتمام والدراسة، فقد كان لفكره وترجماته وشروحاته أثر كبير على الفكر الأوروبي الغربي والنهضةِ الأوروبية من جهة؛ كما يدل على ذلك كتاب: الرشدية وابن رشد للفيسلوف والمفكر الفرنسي (آرنست رينان، ت: 1823)، وقد ترجم مؤلفات ابن رشدٍ إلى اللاتينية (ميخائيل سكوت) بطلب من (فريدريك الثاني) ملك إيطاليا لتدرس في جامعة (نابولي) التي أسست عام (1224) خارج سلطة الكنيسة، ومن جهة أخرى ففي آراء ابن رشد وفكره انحرافات عقائدية ومنهجيّة يعتمد عليها كثير من العلمانيين المعاصرين في الانتصار لمذاهبهم المادية وتحريف دين الإسلام والافتئات على فهم علماء المسلمين له. والمشكلة دائما في تخليص الصواب من الخطأ والتمييز بينهما إذا تشابكا واختلطا كما هو الحال في شخصية ابن رشد، فإن كان لفكر ابن رشد أثر على النهضة الفكرية والعلمية الأوروبية فلما تضمنه فكره وآراؤهُ من الدعوة إلى تحرير العقل والنفس من ربقة التقليد وقيود التبعية التي فرضتها رهبانية الكنيسة وسطوة رجال الدين النصاري على المجتمع الأوروبي في العصر الوسيط، وقد أتي على الأوروبيين حينٌ من الدهر كانوا يعدون فيه من يعتنق أفكار ابن رشد متحررا من ربقة العبودية للكنسية، وهذا التحرر من الرهبانية التي كانت مفروضة على المجتمع الأوروبي هو أحد الأعمدة والأصول في المشروع الحضاري لكل أمة من الأمم، وذلك هو محل القدوة في فكر ابن رشد فحسب، أما الانحرافات العقائدية والمنهجية - وهي أصول في فكر ابن رشد - فلا يصح أن تكون محلا لذلك أبدا، وهذه إنما تلبس بها ابن رشد في محاولته التوفيق بين الفلسفة والشريعة، خاصة في كتابه: فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من اتصال، وهو ما يعني بلغة العصر: العلاقة بين الدين والمجتمع، ولا شك أن هذه العلاقة هي محل الفرقان بين الإسلام والنصرانية، فالنصرانية برهبانيتها المحدثة جنت على المجتمع والأمة في عصورها الوسطى جناية تمثل أثرها في رفض الدين جملة وفصله عن المجتمع في عصر (التنوير الأوروبي) وما تلاه، وأما الإسلام فإن أصوله وقواعده قد قررت الجمع بينهما على أحسن الوجوه، وما وقع في التاريخ من خطأ في تطبيق الإسلام أو فهمه، فالعهدة فيه على الفهم والتطبيق والإسلام منه بريء. من أخطاء ابن رشد دعوته إلى تأويل نصوص الشرع إذا خالفت النظر البرهاني؛ بنحو قوله: (ونحن نقطع قطعا أن كل ما أدى إليه البرهان وخالفه ظاهرُ الشرع ، أن ذلك الظاهرَ يقبل التأويل على قانون التأويل العربي)، وهذا انحراف كبير، وفتحٌ لباب ردّ نصوص الشرع بالعقل والهوى، على أنه افتراض مُتّوَهَّمٌ عند التحقيق، إذ لا يمكن التعارض بين نصوص الشرع والحقائق العلمية الثاتبة، فلم يأت الشرع إلا بتمام التوافق بين السنن الشرعية والسنن الكونية القدرية، فإن وجد التعارض فللخطأ في فهم السنن الشرعية أو في الكشف عن السنن الكونية القدرية حتى وإن سماها الناس حقائق علمية.
[2] أبو الوليد خالد بن فتحي بن خالد بن حسين بن قاسم الآغا | تتمة الإيضاح | 31-07-2012
ومن أخطاء ابن رشد: كلامه في تقرير الحقيقتين، وأن الشريعة حق، والفلسفة حق، بل بلغ به الأمر أن يقول: كما أن الأنبياء يتقبلون الوحي فيبلغونه للشعب، فكذلك الفلاسفةُ وهم أنبياءُ الطبقة العالمَةِ!، وهذه مقولة شنيعة منكرة، والشرائع على - اختلافها وتناقضاتها – هي حق كلها عند ابن رشد، وعلى الفيلسوف أن يختار أفضلها، وهي وغيرها من أقواله تستلزم تعدد الحقيقة بالضرورة، وفي كلامه أيضا
ما يدل على القول بالحقيقة الواحدة، كاعتقاده أن الفلسفة الأرسطية هي الحق المطلق، وأنه من الضروري تأويل ظواهر الشرع المتعارضة - بزعمه - لتتفق مع الفلسفة الأرسطية التي جعل نظرها صحيحا فوق نظر جميع الناس واعتقد فيها العصمة!، ووحدة الحقيقة التي يقول بها هي الحقيقة التي قالت به الفلسفة الأرسطية المشائية، وليست الحقيقةَ التي جاء بها دينُ الإسلام، الذي جعل الحقيقة واحدة لا يمكن أن تتعدد، وليس للمسلم مصدر يأخذ منه عقائده وأفكاره وأخلاقه ومعاملاته سوى الإسلام، ولا يسع المسلم أن يعتقد الإسلام ثم يخالفه إلى مذاهب وأفكار تناقضه أو تتقدم عليه أو تزاحمه، وهو ما تدعو إليه أفكار ابن رشد وفسلفته، وممن قرر كونَ ابن َرشدٍ قائلاً بوحدة الحقيقة الفلسفية الأرسطية من المتقدمين أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، ومن الباحثين المعاصرين: الباحثة زينت محد الخضيري، والباحث: محمد عاطف العراقي، والباحث محمود
حمدي زقزوق، والدكتور خالد كبير علال، وغيرهم. ومما أُخذ عليه أيضا: مدحه طريقة الفلاسفة في إثبات وجود الله تعالى، ودعواه أنها طريق الخواص الموصلةُ إلى اليقين، وهي طريقةٌ تقوم على القول بأزلية العالم و أبديته ،و أن الله ليس خالقا له على الحقيقة ، و إنما هو معشوقٌ له، و علة غَائِيّةٌ له ، صدر عنه- أي عن الله- بالضرورة، فكان العشق هو علة الحركة الذي حرّك العالمَ الأزلي ،و ليست الإرادة الإلهية هي التي حرّكته و لا أوجدته، وهيَ طريقة ظنيّةٌ وَهْمِيّةٌ ، تخالف الشرع جملةً و تفصيلا. ومنها: موقفه من صفات الله تعالى، وحصرها بسبع صفات زعم أنها أوصاف الكمال الموجودة في الإنسان للإنسان، ثم زعم أن تلك الصفات موجهة لجمهور الناس من المتكلمين والفقهاء والعوام، ولا تعني الفلاسفة أهل البرهان!، وفي الجملة فابن رشد كما خالف الشرع والعقل في موقفه من الصفات الإلهية خالف كذلك ما كان عليه السلف الأول من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان. ومن أخطائه: موقفه من آيات الهداية والضلال في الكتاب، ودعواه التعارض بينها، وأنها لا تحمل على ظاهرها،
ونزوعُه إلى القول بالجبر، كما يشير إليه قوله في كتابه: الكشف عن مناهج الأدلة:
(فَهي المشيئةُ التي اقتضت أن يكون في أجناسِ الموجودات خلقٌ ضالون ، أعني: مَهَيّئِينَ للضلال بطباعِهْم و مَسُوقِين إليه، بما تكنّفَهم من الأسباب المضِلّةِ من داخل و خارج)، وهذا باطلٌ يستلزم اتهام الله تعالى بالظلم، وهو مناف لرحمته وعدله، ولا ظلم أعظم مما زعمه ابن رشد من أن الله تعالى خلق أناسا شريرين بطباعهم ثم أدخلهم النار من غير ذنب منهم ولا جريرة، ونصوص الشرع قاضية برد هذا كله
وإبطاله.
[3] أبو الوليد خالد بن فتحي بن خالد بن حسين بن قاسم الآغا | خاتمة الإيضاح. | 01-08-2012
ومن أعظم أخطائه: موقفه مما تصير إليه النفوس بعد الموت، لأنه قرر أولا أن الإيمان بالمعاد الأخروي واجب شرعا، ثم ذكر أن أهل العلم اختلفوا في المعاد: هل هو مادي وروحي معا، أم معاد روحي فقط، واعتذر للفريقين، دون ترجيح ولا انتصار لقول فريقٍ منهما، وهذا بين البطلان، فإن الإيمان بالمعادين المادي والروحي من أصول الإسلام وقواعده المعلومة من الدين بالضرورة، ومن أنكرهما معا أو أحدهما فقد خرج عن أصل الإسلام، وكان عليه أن يبين ذلك تصريحا دون مداراة أو غموض، ولذا ذهب الإمام تقي الدين بنُ تيمية إلى أن ابن رشد كان مظهرا للوقف في مسألة معاد الأبدان، أَمْيَلَ في باطنه إلى سلفه الفلاسفة القائلين بالمعاد الروحي فقط، وممن أيد هذا من الباحثين المعاصرين: الباحث محمد يوسف مرسي، والدكتور خالد علال. وعلى كل حالٍ فليس الكلام عن الفيلسوف ابن رشد الحفيد أمرا يسيرا، وقد ترك الرجل نحو مائة وعشرين مصنفا، بعضها في الفقه والأدب، وأكثرها في الفلسفة اليونانية عامة والأرسطية خاصة، والحق أن الرجل كان أذكى وأنبغ من أن يقيد نفسه بتقليد أرسطو والدفاع عن آرائه ومذاهبه، ولو أنه تجاوز ذلك لأثرى الفكر الفلسفي حقا، وأتي بما ينفع دينه وأمته، بل والبشرية بأجمعها، ولكنه لم يفعل، فكثر غلطه وتحريفه، كما اضطر في كثير من المواطن إلى عدم الإفصاح عن مواقفه التي انتصر فيها لتأويلات الفلاسفة، وساقه فكره إلى التنظير لفصل الفلسفة عن الشرع، وتقديمها عليه، وجعلها خادمة له، وبهذا كان من أوائل من قنن للعلمانية الفكرية، ولهذا بالغ العلمانيون والليبراليون المعاصرون في تعظيمه وتوظيف فكره للانفلات من الشرع والطعن فيه، مع أن في كتب ابن رشد من التمسك بالشريعة ولزومها عمليا وتعظيمها في الفقه والقضاء والفتيا ما لا يرتضيه هؤلاء ولا يبلغون منه مُدَّ ابنِ رُشدٍ ولا نَصِيفَه. ومن رغب في المزيد فليطالع غير مأمور كتاب العقل والنقل عند ابن رشد لمحمد أمان بن على الجامي عميد كلية الحديث والدراست الإسلامية في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. ومن أحسن من كتب في نقد فكر ابن رشد الدكتور خالد كبير علال وهو حاصل على دكتوراه دولة من جامعة الجزائر، في كتابه: نقد فكر الفيلسوف ابن رشد الحفيد على ضوء الشرع والعلم والعقل. وإنما كتبت هذه الجمل المختصرة هنا نصحاً وتنبيها، وإلا فالكلام في الباب يطول، والله من وراء القصد، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
[4] محمد سالم علي الأغا | شكر وتقدير وقبول | 02-08-2012
أخي العزيز ابن العزيز أبو الوليد حفظك الله ورعاك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومغفرته ورضوانه .. أما بعد ،،
بداية أبعث بتحياتي بواسطتكم للأخ والعزيز والمعلم والأستاذ فتحي " أبو الوليد" والأسرة الكريمة بكامل هيئتها، ونسأل الله أن يجمع شملنا بكم، وبكل أهلنا في ديار الغربة، فوق أرضنا الطهور فقد اشتاقت الأرض الفلسطينية المباركة، لأبنائها و طيورها المهاجرة .
ثم ، أشكرك علي مرورك الكريم علي مقالي " هذا هو الفيلسوف العربي الإسلامي أبن رشد ألحفيد "، وأقدر وأثمن تنبيهاتك وتوضيحك بأن شخصية أبن رشد الحفيد هي من الشخصيات التي أثارت في أفكارها وكتاباتها جدلاً بعدما قام المستشرقون بترجمة أعمال هذا لفيلسوف العربي والإسلامي .
وعندما كتبت عن أبن رشد قصدت أن يتخذه شبابنا قدوتهم في الجد والمثابرة وحفظ القرآن وتحصيل العلوم الدينية والدنيوية، لا أن تكون قدوتهم انحرافاته العقائدية والمنهجية لا سمح الله .
كما أود أن أشكرك كثيراً علي توضيحك لنا ما جهلنا، و سنبحث عن " كتاب العقل والنقل عند ابن رشد" الذي نصحتنا بقراءته والإطلاع عليه، وسنأخذ ونعتبر من نصائحك وتنبيهاتك بعين الاعتبار والعظة .
جازاك الله خيراً، و أشكركم مرة ثانية ، وأسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صلاتنا وصيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا، وأن يُعجل بفرجه وأن نلتقي بكم فوق ثرى وطننا الطهور المحرر من دنس محتليه .
وأخيراً وليس بيننا آخر بإذن الله، أستودعكم الله علي أمل اللقاء بكم فوق ثرى وطننا الطهور عاجلاً غير آجل.
أخوكم ومحبكم في الله
أبو علي محمد سالم الأغا .
[5] فتحي خالد حسين الأغا | تحية ومحبة | 03-08-2012
أشكرك وأقدر لك
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله محمد واله وصحبه وسلم وبعد فإني أقدم لك شكري وتقديري بالسؤال عنا وتبليغ سلامك لنا وإن كنا مقصرين في حقكم
فنعم الصديق الوفي ونعم الرجل وطابت أعمالكم الخيرة ونسأل الله أن يجمعنا على أرض الوطن الحبيب وتقبل تحياتي