منذ بداية العدوان الغاشم على غزة وانا اسارع الى القلم لأكتب، وبمجرد ان يلامس القلم الورقة، تتوقف الكلمات. حاولت مرة وعشرة وعشرين وفي كل مرة تستوقفني صور الاطفال والنساء والشيوخ وهم ينتشلون جثثا ممزقة من تحت الانقاض. لا كلمات يمكنها ان تصف المشهد، وهو ما اعجز القلم. لا اكتب الي6+وم لأتباكى او ابكي احدا على مشاهد الدمار وصور القتل في غزة، فهذا امر تخطيناه منذ زمن. اليوم اكتب لاني اشعر بالعزة مجددا، نار المقاومة التي تشتعل في صدر كل فلسطيني حر تنتشي وهي ترى شعبي المقاوم يتألق في مقاومته، وهو يدك معاقل شذاذ الافاق، يدك اراضينا المحتلة وفي مناطق كان يظنها الاحتلال آمنة وبعيدة عن التهديد.
اليوم الكل يردد حولنا في الاعلام "غزة اليوم ليست كما كانت بالامس"، هي كذلك. بالامس القريب كنت امتعض غيظا من ادارة "حماس" لقطاع غزة، كان هناك الكثير لينتقد، والكثير ليقال، وعلى رأسها "ما لهذا ندعم حماس". يوم قررنا دعم "حماس" منذ انطلاقتها لانها انطلقت مقاومة، بديلة لمشاريع التسوية الهزيلة، ولهذا دعمها مئات الالاف في الداخل والخارج من ابناء فلسطين. لكن منذ اليوم الذي طرقت فيه باب الادارة السياسية كان الامر مختلفا تماما، وحق لنا ان ننتقد اي امر لا يعجبنا ولا يتوافق مع نظرتنا لحماس.
لم يكن هذا الانتقاد يعني اننا نلفظها، لكنه تقويم، يبلغ مداه ما قال به سيدنا عمر بن الخطاب "قوموني بسيوفكم"، وهذا اقصى درجات التقويم ان تطلب الامر. لكن المقاومة التي نحن دوما الى ان تحيا بيننا وتتجول في حاراتنا، وتتخندق في بياراتنا، وتزحف بين اشجارنا، هي مبعث حبنا ودعمنا واساسه.
للمرة الاولى، نرى تماسكا قويا بهذا المستوى لصفوف المقاومة وهي ترد العين بفقأ العين للاحتلال منذ اليوم الاول حتى بعد اغتيال قيادي بوزن القائد احمد الجعبري رحمه الله. لم يتطلب الامر سوى سويعات، لينزل المحتلون الى ملاجئهم، للتوقف حياتهم، لتدوي صفارات الانذار بلا انقطاع، وتدخل الرعب الى قلوبهم، منخلعة افئدتهم من دوي سقوط الصواريخ.
وفيما اكتب هذه الكلمات، اطل القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام ليوجه رسالة مشبعة بالرموز لدولة الكيان المسخ.
للمرة الاولى، اعلامنا في مواجهة اعلام الصهاينة يبدو متفوقا، مواقع الاعلام الاجتماعي تعج بالنشاط من قبل الفلسطينيين واشقائهم العرب، تخاطب العالم بكل اللغات تقريبا، وينشرون الصور ومقاطع الفيديو من دون كلل او ملل. نشاط على مدار الساعة ليس له من دافع سوى حب المقاومة. ما اجمل فلسطين وهي في ثوب المقاومة.
للمرة الاولى، يرتقي خطابنا الوطني الداخلي لنجد لحمة واحدة وصوتا واحدا في مواجهة خطاب المحتل الذي ينصب على تشجيع مزيد من القتل والقصف ونباح بعضهم، داعيا الى مسح غزة من الوجود، او اعادة احتلالها.
للمرة الاولى، يسبق فعل المقاومة قولها، ويصدق القول ما ثتبته الوقائع على الارض. المقاومة هي التي تملي شروطها ودولة الكيان المسخ هي من تستجدي التهدئة. كانوا يظنون ان الفلسطينيين كالمعتاد يتلقون ضربة الاغتيال برشقات من الصواريخ، تصدها قبتهم الورقية ثم تتدخل دول كالمعتاد وتكون هدنة. ويادار ما دخلك شر، وتكسب دولة الكيان المسخ الجولة تلو الجولة، في حين ينطلق اعلامهم يروج لرغبة حماس في الحفاظ على مكتسابتها والبقاء بعيدا عن التصعيد. هي هذه الصورة التي خلقت الانطباع لديهم انهم قادرون على اغتيال اي كان في اي وقت من دون "شوشرة". اليوم لم يعد الامر كما كان والى الابد، كما نرجو.
مرة اخرى وانا اسطر هذه الكلمات، وللمرة الاولى، يصل وفد وزراء الخارجية العرب يرأسه الامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي. هذه الزيارة غير مسبوقة على الاطلاق لوفد بهذا المستوى وبهذا العدد، لقطاع غزة. تضامن غير مسبوق من الاشقاء العرب رسميا وشعبيا. الوفود المصرية الشعبية تحديدا لم تنقطع. هذا ما كان نظام المخلوع مبارك يمنعه عن اهل غزة، عليه من الله ما يستحق.
للمرة الاولى، تصل صواريخ المقاومة الى الضفة الغربية وترعب مستوطنيها، شذاذا الافاق. هكذا نرعبهم من سرقة اراضينا، وليس باستجدائهم واستجداء الغرب ان يتدخل لوقف تغولهم على اراضينا. ما سرقوه بالقوة سنسترده بالرعب والخوف.
للمرة الاولى، نمتد بتوقعاتنا الى اين سيكون الهدف التالي لصواريخ المقاومة، بدلا من توقع ماذا ستدمر دولة الاحتلال من منشآتنا وماذا ستقصف لاحقا. اليوم نغزوهم ولا يغزوننا، كما تقول مقاومتنا. اليوم نعود ونجدد البيعة للمقاومة اننا معكم لطالما التزمت هذه الطريق، وغير ذلك لا يعنينا. دولتنا ستقوم يوم نكنس دولة الكيان المسخ، لا كيانات ممسوخة ومشوهة تحت رحمة الاحتلال.