كتب : محمد سالم الأغا *
مرج الزهور أيها الأخوة والأحبة، هي إحدى القرى اللبنانية من قرى قضاء حاصبيا في محافظة النبطية، في الجنوب اللبناني، والدكتور عبد العزيز علي عبد المجيد الرنتيسي هو أخٌ وعزيز وزميل دراسة، جمعتني فيه صفوف الدراسة بالمرحلة الثانوية بمدرسة خان يونس الثانوية للبنين بمدينة خان يونس بقطاع غزة التي لجأ أليها مع أسرته بعد نكبة فلسطين و تهجير شعبنا الفلسطيني غصباً عن إرادته 1948 ، وأخي د. عبد العزيز رحمه الله، ولد لأبوين فلسطينيين في مسقط رأسه بقرية يبنا الفلسطينية في 1947، وكان أخ لثمان أخوة وشقيقتين حيث أستقر بهم الحال في معسكر خان يونس للاجئين، وبعد نجاحنا في الثانوية العامة ألتحق بكلية طب جامع الإسكندرية وتخرج منها 1972، ثم عاد إلي الوطن المحتل، مع زملائه الخريجين حيث كانوا يعودون للعمل الوطني وخدمة شعبنا الفلسطيني حيث كان يفتقر للأطباء في تلك الأيام، وعمل أثناء ذلك طبيباً في مستشفى ناصر بخان يونس، ثم عاد إلي جامعة الإسكندرية لينال درجة الماجستير في طب الأطفال 1976.
ولا يخفي علي أحد أن الدكتور عبد العزيز الرنتيسي هو أحد مؤسسي حركة المقاومة الإسلامية حماس وأحد أبرز رجالها بعد الشيخ أحمد ياسين، وأحد الطلاب الذين تأثروا أثناء دراسته بكلية الطب بالإسكندرية بالجهورية العربية المتحدة بالشيخ محمود عيد الذي كان يشغل وظيفة واعظ بخان يونس قبل الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة 1967، والتي كانت تنتدبه حكومة الجمهورية العربية المتحدة للوعظ بمساجد قطاع غزة ، كما تأثر بالشيخ أحمد المحلاوي، حيث كان الشيخان يخطبان في مساجد محطة الرمل بالإسكندرية ويلهبان من يستمع لخطبهم حماساً وبث روح الوطنية فيهم ، وكانا يناديان بنصرة شعبنا الفلسطيني أيضاً.
كما لا يخفي علي أحد أن الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي بدأ نضاله ضد الاحتلال بعدما واجه مع أطبائنا الفلسطينيون رفض دفع ضريبة القيمة المضافة والمكوس لسلطات الاحتلال سنة 1981، وقد تنامت وتيرة المواجهة والصدام لشعبنا الفلسطيني مع الاحتلال بعد الغزو الإسرائيلي للأراض اللبنانية وصمود ثوارنا وصمود بيروت لأكثر من 84 يوماً وخروج مقاتلي الثورة الفلسطينية منها وقيام القوي الرجعية العربية مع العدو الصهيوني بمجزرتي صبرا وشاتيلا .
وقد أخذ الدكتور عبد العزيز رحمه الله بالتقرب من جماعة الاخوان المسلمين بقطاع غزة حتي أصبح فيما بعد أحد قادتها ومع اندلاع انتفاضتنا الفلسطينية المباركة ديسمبر 1987، انطلقت حركة المقاومة الإسلامية حماس كجناح عسكري لحركة الإخوان المسلمين بقطاع غزة سرعان ما توحدت في جناحي الوطن والخارج ليلحقوا بركب المقاومة والكفاح المسلح الفلسطيني الذي بدأ منذ الفاتح من يناير1965 بقيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح" والجبهات والحركات الفلسطينية المقاتلة للعدو الصهيوني، وبعد ذلك بأيام قام العدو الإسرائيلي بحملة اعتقالات واسعة في صفوف المواطنين بحجة التحريض علي الانتفاضة واشعال أوارها ، وكان الدكتور عبد العزيز رحمه الله أحد المعتقلين بتلك الحملة المسعورة التي كانت تهدف لكسر شوكة الانتفاضة المباركة التي قلبت المعايير وقلبت الموازين لصالح شعبنا الفلسطيني.
واشتدت الانتفاضة بفضل الله ومنته بمقاومة للاحتلال يوماً بعد يوم وتوالت الاعتقالات علي ثوارنا ومجاهدينا الأبطال، حتي كانت ليلة 17 ديسمبر 1992 التي تم إبعاد 416 ناشطاً فلسطينياً غالبيتهم من حركة المقاومة الاسلامية حماس إلي مرج الزهور بجنوب لبنان، حيث قاموا بالمرابطة في مخيمهم الذي أسموه " مخيم العودة " واحتساب عملية طردهم وتهجيرهم رباط في سبيل الله، وقد تضافرت الجهود الفلسطينية وتضامنت مع صمود المبعدين الأبطال حتي أجبروا العدو الصهيوني علي كسر قرار إبعادهم والعودة ألي أرض الوطن ، وإغلاق باب الأبعاد إلي الأبد، وكان آخر المُفرج عنهم الدكتور عبد العزيز الرنتيسي رحمه الله.
وبعد عودة السلطة الوطنية للأرض الفلسطينية المحررة بقيادة الأخ أبو عمار زاد التعاون بين التنظيمات الفلسطينية لمقاومة الاحتلال ومنها حركة المقاومة الإسلامية حماس التي أولاها الرئيس أبو عمار اهتماماً خاصاً ولا سيما بعد الأفراج عن الشيخ أحمد ياسين.
وبعدما أغلقت إسرائيل كل باب لتكملة مشروع سلام الشجعان الذي بدأته منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل 1994، وانسداد كل القنوات التفاوضية بعد قمة كامب ديفيد صيف 2000 ، اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية 28 سبتمبر 2000 واشتدت مقاومة الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتعالت وتيرة الأجرام الصهيوني، فأعادت احتلال الضفة الغربية وشددت الحصار علي الرئيس ياسر عرفات وقامت بعدة مجازر في جنين وغيرها من المدن والقري الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما قامت باستهداف الشيخ المناضل بعد صلاته فجر 22 مارس 2004 بصاروخ أودي بحياته، وتولي الدكتور عبد العزيز الرنتيسي قيادة حركة المقاومة الإسلامية حماس، وفي أول خطاب له علي الملأ ظهر حاملاً " كلاشنكوف " وقال يومها : " هذا هو حوارنا مع الصهاينة وهذه هي المقاومة المسلحة وهذا هو طريقنا لتحرير الأقصى وفلسطين " .
وقد كُشف النقاب في الأيام الأخيرة عن " مكالمة بين الشهيدين ياسر عرفات والدكتور عبد العزيز الرنتيسي بعد تولية قيادة حماس ،فقد أجمع عدد من المحللين السياسيين أن هذه المكالمة قد عجلت بعملية اغتيال الرنتيسي نظراً لما أتفق عليه الشهيدين رحمهم الله علي : " تشكيل جيش فلسطيني وطني لترسيخ الوحدة واللحمة الفلسطينية تشارك فيه الأجنحة العسكرية لكل التنظيمات الفلسطينية بما فيها كتائب القسام ومهمته حماية الوطن من الأخطار الخارجية .
ولمن لا يعرف الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي نقول : أن ميوله الأدبية وحبه للشعر قد لمسناه في النشاطات المدرسية التي كان يشارك فيها، كما عرفناه قائداً من قادة حماس المفوهين حيث لم تخلو خطاباته من ثقافته الدينية التي اكتسبها خلال مشواره الكفاحي و النضالي.
وبعد توليه قيادة حركة المقاومة الإسلامية حماس ومبايعتها له، بعد اغتيال قائدها الشيخ أحمد ياسين رحمه الله أصبح الرنتيسي الهدف الأول لحكومة العدو الصهيوني فترصدته أجهزة مخابرات العدو وعملائها مساء السبت 17 إبريل نيسان2004، وأطلقت عليه مروحية الأباتشي الإسرائيلية صاروخ جو أرض علي سيارته فقتل مرافقه رحمه الله علي الفور، ثم لحقه الدكتور عبد العزيز الرنتيسي وهو علي سرير غرفة الطوارئ بمستشفى الشفاء بمدينة غزة .
رحم الله أخي الشهيد عبد العزيز الرنتيسي في ذكراه التاسعة، ورحم الله كل شهدائنا الذين رووا بدمائهم أرضنا الفلسطينية ونسأل الله أن يُلحقنا بهم شهداء في سبيل الله ثم الوطن .
• كاتب وصحفي فلسطيني
• m.s.eagha47@hotmail.com
[1] مهند محمد توفيق شبير | رحمه | 13-09-2013