عيد حسين الأغا
ابن خان يونس الذي شبّ وشاب على النضال
عصام شريح
مجلة أخبار الأسبوع - الدوحة
مقدمة
عندما توفي عمدة مدينة خان يونس المجاهد عيد حسين الأغا عام 1988م نعته منظمة التحرير الفلسطينية وكذلك حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) باعتباره «مناضلا عاش حياة حافلة بالجهاد والعمل الوطني الدؤوب».
وعندما اطلع صديقنا الصحفي الفلسطيني القدير عصام شريح على النعيين اتصل بأخي المرحوم أحمد خالد نعمان الأغا (1938-1989) - الذي كان يعمل يومئذ محررا بالقسم الصحفي بالديوان الأميري القطري - وسأله عن تاريخ المناضل عيد حسين الأغا.
ولأن أخي أحمد رحمه الله كان على صلة وثيقة به فقد فتح كتاب معرفته بأبي عدنان (1913-1988)، وأخذ يسرد على الصحفي عصام شريح معلوماته عنه فقال شريح: معلقا «من حق قراء مجلة أخبار الأسبوع ومن حق الفلسطينيين ايضا ان يتعرفوا على هذا الوجه المشرق».
وبتاريخ 17/12/1988م وفي العدد رقم (37) نشر الزميل شريح هذه المقالة التي غطت صفحة كاملة من صفحات المجلة، بينما غطت الصفحة المقابلة لها لوحة زيتية للمرحوم عيد الأغا رسمها الفنان المصري جودة خليفة، وبهدف التعريف بشخصية عمدتنا «أبي عدنان» ارتأينا اعادة نشر هذه المقالة في موقع النخلة حتى يتعرف أبناء شعبنا على هذه الشخصية المميزة. والله تعالى من وراء القصد وهو سبحانه الهادي الى سواء السبيل.
نبيل خالد الأغا - الدوحة
سبتمبر 2007
عيد حسين الأغا
ابن خان يونس الذي شبّ وشاب على النضال
في تاريخ الشعب الفلسطيني ونضاله الذي لم ينقطع منذ سبعين عاما، سواء ضد قوى الانتداب البريطانية، أو ضد قوى الاغتصاب الصهيونية، رموز عديدة معروفة من كاظم الحسيني الى عز الدين القسام الى فرحان السعدي والحاج أمين الحسيني وغيرهم الكثير قبل اغتصاب فلسطين في عام 1948. الى قوافل الشهداء الحافلة بالرموز من القادة منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية في أواسط الستينيات، منهم على سبيل المثال خليل الوزير ومحمد يوسف النجار وكمال ناصر وكمال عدوان.. لكن هنا ايضا رموز آثروا العمل بصمت، وخارج نطاق الأضواء. ومن تلك الرموز المجاهد عيد حسين الأغا، الذي لبى نداء ربه بمسقط رأسه مدينة خان يونس في مطلع الشهر الجاري، فقد نعته منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح، كمناضل عاش حياة حافلة بالجهاد والعمل الوطني الدؤوب وتميز بمواقفه الصلبة في مواجهة سلطات الاحتلال خلال العدوان الآثم على قطاع غزة في 1956، والعدوان الصهيوني الثاني في عام 1967.
ولقد نذر عيد حسين الأغا حياته منذ ريعان شبابه للعمل الوطني، دون ان تبهره اجهزة الاعلام ووسائل الدعاية وارتضى لنفسه سبيل الخدمة العامة أولا منذ تعيينه مختارا (عمدة) لمدينته خان يونس في عام 1944، وكان اكثر ما يؤرق نومه، المشاحنات والخصومات العائلية والقبلية، لذلك لم يترك وسيلة ايجابية الا واستخدمها لجمع ذات البين، وتوحيد الصفوف ونبذ الفرقة وعوامل التشتت والصراعات الجانبية، لأن تلك الصراعات العائلية والقبلية، خنجر في ظهر الأمة، يستخدمه الاعداء، لتمرير مخططاتهم العدوانية والاستيطانية في الأرض الفلسطينية، ولأن عيد حسين الأغا كان معروفا بجرأته في قول الحق والانتصار للعدالة، فقد كانت المحاكم في قطاع غزة تختاره محكما بين المتخاصمين، سواء أكانوا افرادا، أو جماعات، بعد أن تعلن عجزها عن حل القضايا والمشاكل المعلقة بين الجمهور ولأن عيد حسين الأغا كان مثال الرجل النزيه والقاضي صاحب اليد البيضاء، فقد كان حكمه يسري كالسيف القاطع دون أن يعترض عليه اي من الخصوم المتقاضين لديه.
حماية المزارعيين
ولأن الرجل كان من كبار الملاك والمزارعين في مدينته، بل وفي قطاع غزة، فقد حرص على مقاومة مساعي حكومة الانتداب، لدفع بعض الافراد لبيع اراضيهم او رهنها تحت وطأة الازمات الاقتصادية والمعيشية الطاحنة، وبفكره الثاقب وضميره النقي ونفسه الصافية، دعا الى انشاء جمعية تناط بها مهمة حماية المزارع، والقيام بتصدير المنتجات والمحاصيل الزراعية الى خارج قطاع غزة، لصالح صغار المزارعين والفلاحين، فكان له ما أراد، حيث اجتمعت حوله كوكبة من ابناء خان يونس، وتم تأسيس جمعية خان يونس الزراعية - التعاونية، وقد سجلت تلك الجمعية نجاحا باهرا في أداء المهمة المسندة اليها، وانتخب عيد الأغا رئيسا لها بعد وفاة رئيسها الأول وأحد مؤسسيها الحاج علي العبادلة في منتصف الستينيات. وقد واصلت هذه الجمعية نشاطاتها المتنوعة في حقل الزراعة والعمل الزراعي، بعد احتلال قطاع غزة والضفة الغربية في حرب عام 1967، وأدت خدمات جُلّى للمزارعين وأصحاب الأراضي، واعترفت بها اللجنة الأردنية - الفلسطينية المشتركة، وقدمت لها دعماً مادياً ومعنوياً كبيراً.
أما في حقل النضال ضد الغزاة الصهاينة، فقد لعب عيد الأغا دوراً هاما كحلقة وصل بين الهيئة العربية العليا التي اتخذت من القاهرة مقراً لها، وبين المناضلين الفلسطينيين، فكان عضواً بارزاً في «اللجنة القومية» التي تشكلت إثر إعلان بريطانيا جلاء قواتها عن فلسطين في أواخر عام 1948، وكانت الأسلحة - على شحها ورداءتها - ترد من الهيئة العربية العليا عبر مصر، أو عن طريق سماسرة السلاح، وكان لعيد الأغا باع طويل في هذا المضمار.
شهامة عربية
وخلال العدوان الثلاثي على مصر، لم يبخل عيد الأغا بماله الخاص وجهوده المعنوية، لمساعدة الضباط والجنود المصريين والأطباء والموظفين الذين كانوا يعملون في قطاع غزة، عندما سقط القطاع في يد العصابات الصهيونية، وساهم في تسهيل سفر هؤلاء الى مصر عن طريق صحراء سيناء سراً، بعد أن زودهم بالأدلاء والمرشدين، وحال بذلك دون وقوع عدد كبير من الضباط والجنود المصريين في أسر قوات الاحتلال الصهيونية، وحتى جلاء قوات العدو في مارس 1957، رفض عيد الأغا مقابلة أي مسؤول صهيوني، كما رفض أن يتبوأ منصباً مهما كان شأنه.. لكن حين عادت الإدارة المصرية الى القطاع في مارس 1957، كان عيد الأغا أحد الرموز بمدينة خان يونس المناضلة، وعندما تأسست منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1964، انتخب عيد الأغا اميناً عاماً لإحدى مناطق التنظيم الشعبي، نظراً لما يتمتع به من مكانة عالية وتقدير كبير بين مواطنيه، وسقط قطاع غزة ثانية بين براثن المحتلين والغزاة الصهاينة في عام 1967، فكان عيد الأغا أول معتقل بمدينة خان يونس، وعندما طلب منه الجلادون الصهاينة تقديم كشف بأعضاء التنظيم الشعبي الذين تسلموا أسلحة قبل معارك عام 1967، رفض بإصرار مدعياً أن الكشوف حُرقت أو فقدت أثناء العدوان، فكان لموقفه الوطني الصَلب هذا أثر كبير في نفوس المناضلين، الذين تمكنوا بذلك من الاحتفاظ بأسلحتهم الى الأيام الحبلى بالأحداث الجسام، واستخدموها فعلاً خلال عمليات المقاومة الشعبية الباسلة التي اشتهرت بها غزة بصفة عامة، ومدينة خان يونس بصفة خاصة.
لقاءات مع عرفات
وبعد انطلاقة الثورة الفلسطينية، دأب عيد الأغا على عقد لقاءات مع المسؤولين في منظمة التحرير الفلسطينية، خصوصا مع السيد ياسر عرفات، فكان عيد الأغا يحضر لمقابلة ابو عمار كلما وردته اشارة منه لتنسيق الجهود داخل القطاع المحتل، وعلى وجه التحديد في خان يونس، وكانت اللقاءآت بينهما تتم في شقة تقع في حي مصر الجديدة بالقاهرة، وفي احد اللقاءات امتد الحديث والنقاش حتى طلوع الفجر، حيث أدى أبو عمار صلاة الفجر مع رفيقه وصديقه عيد الأغا، وكانت هذه اللقاءات تتم في سرية تامة، ولا يعلم بها إلا شخص واحد تربطه مع ابو عمار علاقة مصاهرة ومع الأغا علاقة قرابة، وكان عيد الأغا يحمل الى الزعيم الفلسطيني مطالب المواطنين والمناضلين في خان يونس، فيبادر ابو عمار الى تلبيتها لثقته الكبيرة بالرجل القادم من وسط المعركة مع العدو الصهيوني، وفي آخر لقاء بينهما في القاهرة، حمّل السيد عرفات، عيد الأغا امانة، وهي ان يذهب لدى وصوله الى خان يونس ليقرأ الفاتحة على روح والده، والمدفون في مقبرة آل الأغا هناك، وكان والد السيد عرفات، ابو جمال قد توفي بمدينة خان يونس في عام 1955. ودفن في مقبرة الشيخ يوسف وهي المقبرة الخاصة بآل الأغا، وقد رحل أبو جمال واسمه الكامل عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني من مصر في عام 1949 الى خان يونس حيث أقام في منزل صهره (زوج ابنته) المربي المعروف جرير نعمان القدوة، ولكن أبو جمال عاد الى القاهرة بعد ان قدم التماساً بذلك الى اللواء محمد نجيب خلال زيارة قام بها لقطاع غزة، بيد أن أبو جمال عاد ثانية الى خان يونس في عام 1955، حيث ادركته المنية، فدفن الى جوار ابن عمه المرحوم نعمان عرفات القدوة إمام مسجد خان يونس الكبير قبل وفاته.
وبعد، فهذه صفحات مضيئة وحافلة بالنضال الوطني الصامت والبعيد عن الأضواء، لمجاهد صادق ووطني مخلص هو عيد حسين الأغا.
عصام شريح