ستفرز الانتخابات الإسرائيلية حكومة لا يمكن معها تحقيق السلام الذي توافقت عليه منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل في ( أوسلو) ووقعته في (البيت الأبيض)، وعليه، يجب مراجعة الأجندات الفلسطينية مراجعة دقيقة، بحساب الربح والخسارة الواقع على الشعب الفلسطيني منذ عام (1994 وإلى 2008) لتحديد إما الاستمرار في هذه العملية، وإما إيقافها، شريطة إعادة هيكلة كاملة لبرامج منظمة التحرير الفلسطينية بما يتناسب مع المصلحة العليا للشعب الفلسطيني، وصولاً إلى السلطة الوطنية الفلسطينية، وبما يتناسب مع المعطيات الجديدة، وتقديري ليتحقق هذا، لابد من إعادة التوافق الفلسطيني على أسس فلسطينية محضة لبناء تركيبة قوية قادرة على مواجهة الأخطار المحدقة بالشعب الفلسطيني، وهذا يتطلب الابتعاد عن الاستقطابات والمحاور المضرة للقضية.
لنبحث من اليوم وقبل مرور المدة المسموح بها لتشكيل الحكومة الإسرائيلية إلى إعادة تقييم عملنا بمسؤولية خلال المرحلة السابقة، ونبدأ في توافق فلسطيني مبني على أسس الاحترام المتبادل بين شعب واحد، حتى نفتح بوابة من الأمل للفلسطينيين الذين أرهقهم الانقسام أكثر من مآسي الحرب على غزة، للخروج بموقف فلسطيني مشرف يحظى باحترام الشعب الفلسطيني الذي واجه الدبابة والطائرة ولم تنحني له قامة.
لنبدأ وبسرعة من أجل مستقبل أفضل للشعب الفلسطيني الذي عانى وما زال من ويلات وضغوطات واستقطابات ومنازعات وتراكمات وفضائيات انعكست سلباً على مجمل القضية الفلسطينية وابعدتها عن مسارها الطبيعي الذي يهدف إلى إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس بل وأرجعتها إلى متاهات مظلمة.
إن ما ينغص حياة الفلسطيني اليوم الشقاق الفلسطيني حتى لو سجلنا في موسوعة ( جينس ) للأرقام القياسية عدد الاحتفالات بالانتصار على إسرائيل، فلا قيمة لاحتفال طالما أن الشعب منقسم على نفسه، وهذا لسان حال كل التنظيمات الفلسطينية، واسألوا أهل غزة فقط عن ذلك، ليس تقليلاً من شأن صمود غزة، بل الجرح أعمق من الانتصار، فكيف نجلو الجرح بانتصار مجبول بانقسام فلسطيني؟!
هب أن القيادة السياسية الفلسطينية أعلنت بأن اللحمة عادت إلى الوطن، فسنجد من تهدمت بيوتهم، واستشهد ابناؤهم، أول الخارجين للشارع للتعبير عن الفرحة، ولحظتها يمكن إعلان الانتصار الحقيقي على إسرائيل التي أسهمت بشكل كبير في هذه الفرقة والانشقاق.
إن المخاطر محدقة بنا، فالأسوأ من الأيام لم يأت بعد إذا لم نسمُ على تناقضاتنا، والفجوة ستتعمق إذا لم نوقف أبواق الحقد والضغينة، وفصل الضفة عن غزة قادم لا محالة إذا لم نتعامل بمسؤولية تجاه شعبنا.
أتعجب عندما أستمع إلى اشتراطات من الأطراف الفلسطينية للبدء بالحوار، وعندما يكون الأمر متعلقاً بإسرائيل لا اشتراطات من أي طرف على إسرائيل، فهل هذا يجوز؟!
ماذا بقي لنا من كرامة تَغنينا بها ومازلنا، ونحن نقتات على فضلات الدول، ويتسابق الجميع في طوابير للحصول على كيس من الدقيق.
ماذا بقي لنا من عزة ونحن نتسابق على المحطات الفضائية المختلفة للقذف والتخوين والتحقير، ونختار اقدح الكلمات، وأقساها وأقذرها للحط من مكانة شخص فلسطيني، أو آخر على مسمع ومرآى من العالم، والجميع ينظر لنا باحتقرار، ويقول : انظروا للفلسطينيين كيف يتعاملون فيما بينهم، وللحقيقة من يتكلم بمثل هذه الكلمات لا يحظى باحترام النخبة من المجتمع الفلسطيني والعربي والإسلامي.
ماذا بقي لنا من مستقبل وأطفالنا يدرسون في خيام اقتلعتها الرياح الشديدة، وأزالتها الأمطار.
ماذا نقول ولم يبق أحد إلا وتطاول علينا بكلمة من هنا أو مقال من هناك، ويُدعى الصحفيو ن والكتاب وأنصافهم للمحطات الفضائية من أجل ( الردح) العلني ليكسب لقمة عيشه ويشفي قلوب فئة من الناس.
ماذا بقي لنا من وجود ونحن ننتظر الدول المانحة لمؤتمر سيعقد في مارس من أجل البناء والإعمار، لمن تهدمت بيوتهم ويعيشون في خيام طُليت بالسواد حتى لا يتخللها المطر، وتقديري أننا سننتظر حتى مارس ما بعد القادم حتى يُشرع في عملية البناء بعد أن نتوافق على الكيفية والأسلوب ومن سيتسلم الأموال، ومن لا يتسلمها طالما التخوين والاشتراطات موجودة.
متى سننفض غبار الذل الذي نعيشه اليوم كفلسطينيين، لنتوافق على كلمة سواء، متى ستتحرك فينا النخوة العربية لنفجر ثورة من جديد اسمها (الوحدة الفلسطينية).
متى سنواجه الحكومة اليمينية المتطرفة بحكومة فلسطينية (مقاومة سياسيا) ؟
متى سنواجه حكومة توافق إسرائيلية بحكومة توافق فلسطينية؟
متى ستتوحد الإرادة الفلسطينية في مواجهة الإرادة الإسرائيلية ؟
متى سنولي (الأحزاب) الصغيرة ثقلا يتوازى مع تضحياتهم الكبيرة، فهل نتعلم درساً في احترام ( الأحزاب )الفلسطينية الصغيرة ونفعلها بشكل كبير في المجتمع.
إننا أمام مرحلة من أخطر المراحل وتقديري أنها ستستمر لأكثر من عقد من الزمان إذا لم نتوافق، فالتناقضات الفلسطينية تطفو على السطح وبقوة، واختلاف في البرامج لن يحق لنا مستقبلاً مشرقا، ووضع مأساوي في غزة، وبطالة تجتاح فلسطين كاملة، واعتماد على المساعدات الخارجية كبير، وحواجز قطعت أوصال الضفة، ومعابر مغلقة، واعتقالات هنا وهناك، ومصادرات للأراضي مستمرة، ومطار تحول إلى أرض مهجورة، وميناء مع وقف التنفيذ، وطلاب يدرسون في الخيام، ومستشفيات في العراء، وشعب غزة يعيش تحت الأمطار، ونساء تلدن بأطفال مشوهين، وموت بطيئ يستشري في أنحاء الوطن، وقيادات ووفود فلسطينية تتنقل من مكان إلى آخر تبحث عن ضالتها، وأرض فلسطين تقلصت إلى أقل من الثلث!
وبالمقابل وعلى الجانب الآخر نجد توافقاً إسرائيلياً بين الأحزاب من أجل إنهاء حماس كما قال ( ليبرمان) ، وأخر يقول: لابد من إيقاف العملية السلمية، وتوافق إسرائيلي من أجل إطالة العملية ( السلمية) ، وثالث يقول: لابد من الانتهاء من الجدار السياسي العازل في الضفة وغزة، ونحن نراقب ونتناحر ونتقاذف الكلمات، ونضع الاشتراطات، ونرفض الجلوس مع بعض.
هل هان عليكم الدم الفلسطيني أيها القادة؟، هل رؤيتكم للخيام في العراء والأمطار والرياح تتقاذفها لم تحرك ساكنا؟ هل رؤيتكم للنساء الفلسطنيات لا يدمي قلوبكم؟! هل تقطيع الأوصال بفعل القذائف الفسفورية لا يدعوكم للمهزلة الإعلامية التي لا تخدم إلا أعداء فلسطين.
عودوا إلى رشدكم جميعاً، وباسم الشعب الفلسطيني بأكمله والأحرار في العالم أخرجونا من هذا المأزق من خلال صوت الشعب الفلسطيني المتمثل في كلمتين فقط ( الوحدة الفلسطينية) فهل يمكن أن تتحقق؟