بسم الله الرحمن الرحيم
مفارقة عجيبة
في لحظات .. استلمت جواز سفري مختوما بختم المغادرة واجتاحتني لحظتها مشاعر غريبة .. مفارقة عجيبة .. فهذا الشخص الذي كان منذ قليل يجاهد ليعبر هذه البوابة ها هو الآن يتردد في عبورها كأنه على مفترق بين طريقين ، أحلاهما مر، فمن جهة تراءت لي ملامح احبتي واصدقائي ومرت بخاطري سريعا كلمات وداع أهلي ونظرات أطفالي وأسرتي، مشاعر مؤلمة وموجعة يختلط فيها الفراق بالاشتياق ، وفي نهاية هذا الطريق تتراءى لي صورة هي الاغلى والاعز والافضل والاروع عندي .. صورة اهلي واولادي .. صورة بقدر ما هي جميلة بقدر ماهي مؤلمة تسل الروح من جسدي وتكتم انفاسي ، وفي الطريق الاخر تراءت لي صورة البلد الجميل ماليزيا ورأيت نفسي وأنا ارتدي ثوب التخرج واحمل شهادة الدكتوراه .. هل أعود واحتضن عائلتي أم اكمل طريقي نحو مجهول لا أعلمه بعد ... خيارين أحلاهما مر...
ركبت الطائرة وتلك الصورة لا تغادر ذهني رغم احتضان الطائرة للغيوم وابتعادها تدريجيا عن الأرض وكأن قلبي لم يغادر الأرض معي وطار حيث من احب ، أرخيت جسدي المنهك من رحلة السفر على كرسي الطائرة .. جسد بلا قلب ، وفكر معلق بتلك البلد المقدس التي تركتها خلفي.
حطت بنا الطائرة على جنة الأرض ماليزيا وبدى الكون كله غريبا ، وجوها غريبة ولهجات مختلفة بالكاد كنت أستطع تمييزها .. تقدمت مسرعا لختم جواز سفري ولسان حالي يقول لم جئت بنفسك الى هذا السجن الكبير الغريب وعقلي يرد مسرعا لا تقلق فصديقك في الخارج ينتظرك ، ويقطع الصراع بين قلبي وعقلي صوتا بدا قريبا جدا الى قلبي .. أنه يتحدث العربية .. يا إلهي انها نفس اللهجة أيضا.. " انت فلسطيني " وبدون تردد قلت له " نعم والله انا فلسطيني " فرد مسرعا وكأنه يشعر بالصراع القوي بداخلي .. " انا السفير الفلسطيني هنا في ماليزيا الدكتور أنور الأغا " واخذني بالأحضان وكانه يعرفني منذ زمن وبدأت بالحديث معه كغريق بدأ يتعلق بقشة ، عرفته بنفسي وسألني ما اذا كنت بحاجة لأي مساعدة و والله كان صادقا في سؤاله ، فنبرة صوته ونظرة عينيه أخبراني بذلك ،حيث كان قادما لحل مشكلة مع طالبين محتجزين في المطار لأسباب اجرائية ، وكأنه كان يحمل بيده عصا سحرية فسرعان ما تقلص عندي الشعور بالغربة والوحشة شيئا فشيئا ، وواصلت طريقي للقاء صديقي في الخارج ، الكتف الذي سأرتمي عليها حين أميل أو تميل بي الظروف لا قدر الله في هذه البلد الغريبة.
بعد يومين من اقامتي كنت أجلس مع صديقي حين تلقى اتصالا من سيادة السفير الخلوق الدكتور / أنور الأغا ، يبلغه انه يقيم مأدبة افطار لابناء الجالية ويدعوه للحضور ، استأذنه صديقي بان لديه ضيف إن كان من الممكن ان يصحبه معه وبلا تردد قال " بالتأكيد .. من هو؟ " وبمجرد أن سمع اسمي تذكرني ورد مرحبا " بلا شك ، اهلا وسهلا بكم " ، ذهبنا ودخلت منزله المتواضع الجميل .. ابتسم ورحب بي واستقبلني بحرارة وكأنه يعرفني منذ زمن .. ، احسست مرة اخرى باني لست غريبا ، كأنني بين اهلي فجميعهم ابناء وطني وديني وقوميتي، وبنفس العصا السحرية انتزع منا الشعور بالغربة ،، بلطفه وببساطته رحب بنا جميعنا وحادث كل الحاضرين بأسمائهم ..
كان هذا ما دفعني للكتابة وهي المرة الاولى التي اكتب مادحا لشخص ولكنه يستحق منا كل التقدير والاعتزاز ، بأخلاقه الراقية وتعامله البسيط المتواضع مع ابناء وطنه وجاليته، له أسلوب رائع لم المس فيه التكبر والتعجرف والاستعلاء ولا الفوقية المقيتة الموجودة عند البعض ممن هم في مثل منصبه.
اخيرا ، أتمنى أن تصل كلماتي البسيطة هذه لسيادة الرئيس /محمود عباس .. ابو مازن حاملة له شكري وتقديري له على كل جهوده، وكذلك اتمني من سيادتكم ان يكون كل سفرائنا في العالم بلطف و دماثة خلق سفيرنا الدكتور / انور الأغا .. فهو يعكس صورة مشرفة لوطننا وقضيتنا .. تجعلنا بفخر نذكر اسم فلسطين أينما حللنا..
ابنك وابن فلسطين
هيثم محمد جودة
طالب دكتوراة
[1] وليد سعيد سالم القتيل | ونعم الاختيار | 21-08-2016