سعادة الأستاذ/ إبراهيم عيدان مدير المدرسة الأخوة أعضاء الهيئة الإدارية والتدريسية الأخوة والأخوات الحضور الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أشكركم على دعوتكم الكريمة بالحضور والمشاركة نيابة عن سفارة دولة فلسطين، في هذا الملتقى الفكري والإنساني، كما أثني بالشكر على هذا التوجه المتميز الذي ينتهجه قسم التربية الإسلامية بمدرسة اليرموك الإعدادية المستقلة والذي يُثري العملية التعليمية من جوانب مختلفة، فاستجابة المتحدثين لدعوتكم للتواصل والحوار في هذا الصرح الذي يقوده الأستاذ/ مدير المدرسة يمثل أبجدية جديدة في التعليم لمرحلة جديدة. واسمحوا لي الدخول من بوابة أعضاء برنامج( صُنّاع الحياة) الذين أقدّم لهم كل تقدير، إلى بوابة فلسطين والعراق، متضامنين سوياً لأجلهم، آملين أن نرفع بالكلمة أو بالقلب-وهو أضعف الإيمان- جزءاً من المعاناة، إيماناً بأن المسلمين جميعاً عون على من ظلمهم. أيها الأخوات والأخوة إن صناعة الحياة تبدأ من النفس، ومع النفس، ثم تنتقل للأخرين، ومن أجلهلم، ولكن نتساءل كيف ومتى نبداً، نقول : أولاً : بالانعتاق التام من أهوائنا، وملذاتنا، لنخرجها من دائرة الذاتية والأنا إلى الجماعية، لأنه لا يمكن أن ننطلق ونبدأ دون الكل الجمعي، وثانياً: بالخروج بها- إي النفس- إلى عوالم الإيمان الأرحب والأوسع لنحقق لذاتنا وللأخرين كل المعاني الإنسانية السامية المستمدة من ديننا وعقيدتنا وقيمنا وتراثنا وحضارتنا، وهنا يبرز أمامنا وبشكل كبير العنوان الرئيس لهذا اللقاء الخيّر وهو (التضامن مع الشعب الفلسطيني والعراقي) ، وهذا بطبيعة الحال يجعلنا أكثرإيجابية مع أنفسنا ومع الآخرين باعتبارهما قضيتين متشابهتين واقعاً. فالإنسان هو الذي يصنع الحياة، ويًنميّها، لأنه- أي الإنسان - حُرّ ومُكرّم كما نص القرآن، ومتميز عن غيره، ومسخر له كل ما في السموات والأرض، ولكن لا يمكنه الانطلاق منفرداً، بل مع الآخرين، ومن أجلهم. وإذا كان الأمر كذلك، فهل اليوم يوجد على الساحة العربية أكثر من أن يتضامن الإنسان أي إنسان مع شعبين يتعرضان لأبشع وسائل القهر والذل، ففي فلسطين يعيش في الداخل أكثر من ثلاثة ملايين نسمة، وفي الخارج حوالي ستة ملايين، وهنا أتساءل هل يوجد شعب ثلثيه خارج الوطن، ليس بحثاً عن رزق، بل لأن قوة غاشمة على الأرض منعته من العودة، ولأن صمتاً دولياً مطبقاً أغفل هذه القضية.، فتفاقمت وأصبحت عصيّة عن الحل من أجل عيون إسرائيل. ولكن قبل سنتين، طفت مشاكل في أسيا، ولكنها حُلّت بالطرق السلمية، وأقيمت دولة، وبضغط أممي لأن أطرافها ليسوا مسلمين! فهل يُعقل أنّ مشكلة عمرها نصف قرن ونيّف أوجدتها الأمم المتحدة، غير قادرة على حلّها، ومشلكة تطفو، فتحلّ مباشرة! أين العدل الأممي، ولكن إيماننا بأن عدلاً ربانياً أعلى سيكون له السيادة بإذن الله، وأخيراً برزت على الساحة العربية جمهورية العراق، التي خُطط لغزوها منذ سنوات طوال، لاعتبارات سياسية وجغرافية، واقتصادية، واستراتيجية. وكي لا أغرق كثيرا في موضوع سياسي، أستأذنكم الدخول إلى فلسطين من أحد بواباتها متحدثاً بإيجاز عنها، حتى نصل بكم سوياً إلى القدس لنصلي سوياً، ونحقق بإذن الله قوله تعالى( وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرّة، ويتبروا ما علو تتبيراً). فلسطين كما أحب أن أسميّها ( جنة الله في الأرض) ليس لكونها أرض مباركة كما ورد في القرآن والحديث والأثر فقط ، ولا لكونها- فقط- تحتضن صحابة رسول الله، ولا لكونها لأنها معراج رسول الله للسماء السابعة، بل لشعور أي إنسان عندما يدخلها حتى في أحلك الظروف، براحة نفسية لا يمكن أن يشعر بها إلا المتعلق قلبه بالله، باعتبارها بوابة السماء من الأرض، وكأن الصهيونية وعت قديماً هذا الإرث الإسلامي والحضاري والروحي والاقتصادي والنوعي لها، وفضّلتها على كثير من الدول التي عُرضت عليها ( أوغندا وكندا) حتى يتحقق قول رسول الله( إنهم في رباط إلى يوم الدين). لا أريد أن أغرق في الثورات الفلسطينية النضالية المتعددة الوجوه والقيادات، التي هي إما انعكاس لظلم دولي، أو ظلم لمحتل نعيشه الآن في كل من فلسطين، ولكن وقفة متبصرة أمام ما يحدث الآن في الأرض المباركة نستشعر معاناة وظلماً ليس له شبيه على وجه الأرض، ولكنه مصحوب بالأمل في الانعتاق منه مهما امتد الزمن. وعلينا في نفس الوقت أن نعترف بأن ما حدث ويحدث الآن نابع من عدم التضامن العربي، والتوحد الإسلامي، فأغرقنا أنفسنا في متاهات، وابتعدنا عن ديننا، وقيمنا، وتراثنا، فسهل على أعدائنا تحييدنا، بل والسيطرة علينا فكرياً وثقافياً، وعلمياً، وأصبحنا نستجي بعد أن كنّا أسياداً، ونتوسل، بعد أن أكرمنا الله بالعزة. أيها الأخوة والأخوات: كم شهيداً وجريحاً من الفلسطينيين والعرب والمسلمين ضحى من أجل فلسطين؟ وكم مشرداً في أصقاع الدنيا؟ وكم قرية هُدّمت، وبيتاً دُمّر ؟ وكم زيتونة اقتلعت؟ وكم وكم والقائمة تطول وتطول، إلى درجة لا يمكن لأي شعب أن يتحمل هذا مهما كانت قوته، ولكن هناك قوة أكبر تعين هذا الشعب هو إيمانه بأن الله ناصره دون تواكل، وهذا ما يُريح النفس، ويُثلج الصدر. أيها الأخوة ما دمنا في هذا الصرح التعليمي، فإنني سأقتصر في إبراز جزء من معاناة الشعب الفلسطيني على وزارة التربية والتعليم الفلسطينية فقط، فعدد المدارس التي تعرضت للقصف 315 مدرسة، وعدد المدارس التي تعرضت للاقتحام67 مدرسة، وعدد المدارس التي حولت إلى ثكنات عسكرية 43 مدرسة ، وعدد الطلاب الذين استشهدوا، 670 طالب، وعدد الطلاب الذين أصيبوا بالرصاص 4380، ولكن هل استسلم الطالب الفلسطيني رغم هذا للمحتل، لا والله، بل يقينا لن يستسلم، وأنتم شهود على هذا، بل وحتى أبناء الوطن الذين يحق لهم الإقامة يجدون معاناة شديدة في الوصول إليه، والالتحاق بجامعاته، والتواصل مع أهله، وأريد هنا أن أقول بأن لكل فلسطيني قصة مؤلمة، ويكفي أن يُشيّع الأب والأم إلى دار الخلد وأبناؤه لا يستطيعون حتى المشاركة في تقبّل العزاء. وبعد أتساءل: إلى متى سيبقى هذا العنوان ( التضامن مع الشعب الفلسطيني) شعاراً يُطلق بين الحين والآخر في مؤتمرات القمم العربية من عشرات السنين، والقمم الإسلامية، والندوات والمحاضرات، وغيرها من الحلقات الفكرية، ورغم يقيننا بأن هذا يمثل جزءاً من الواجب الذي يستشعره الجميع تجاه الشعب الفلسطيني، إلا أنه لا يمثل نهاية المطاف، ولا سدرة المنتهى لنا كشعب يعاني منذ أكثر من خمس وخمسين سنة، بل نحن بحاجة إلى تفعيل هذه الكلمات على أعلى مستوى بحيث يلتقي القرار المسؤول الأمين والصادق مع التوجه الشعبي في كافة أنحاء الأمة الإسلامية، للوصول إلى نهاية حتمية لهذا الاستنزاف الذي يُرهق الشعوب الإسلامية والعربية أكثر مما يُرهق الشعب الفلسطيني لأنه في رباط إلى يوم الدين. فالدول المجاورة لفلسطين، تأثرت سلباً بشكل مباشر وغير مباشر بما يحدث في فلسطين، وتحمّلت الكثير من الأعباء، بل وامتد هذا التأثير إلى الدول الأكثر بعداً عن الخارطة السياسية لفلسطين كدول الخليج وصولاً إلى موريتانيا، بل وأُجبرت بعض الدول إلى إسقاط المحرمات من القاموس السياسي والأخلاقي، ولكن كيف السبيل إلى إيقاف الاستنزاف المادي، واستثماره في دولهم، أو لصناعة حياة جديدة في مكان ما من عالمنا الذي يُعاني ظلماً اقتصادياً بفعل حروب فُرضت علينا. الإجابة تكون بسيطة جداً إذا بنينا جسراً تصالحياً مع أنفسنا، فنوحد رؤانا وقراراتنا ومواردنا وإمكاناتنا، فيتوحد المصير والهدف، في مواجهة التحديات صغرت أم كبرت، حينها وبالتأكيد يكون التضامن مع الشعبين الفلسطيني والعراقي، وسيعرف العدو أن هناك قوة ستواجه أي قوة إذا فكر سلباً تجاه إي دولة، وهنا يمكننا أن نصنع الحياة لمستقبل واعد أكثر إشراقاً وأملاً وسلاماً ليس في فلسطين وحدها، بل ولكل الأجيال العربية والإسلامية. إن فلسطين أيها الأخوات والأخوة تحتاج منّا جميعأً إلى وقفة ولو لمرّة واحدة مع النفس، ومراجعة حساباتنا الدنيوية، وصولاً إلى محاسبة الضمير، ونرى هل نحن فعلاً صادقين في توجهاتنا من أجل فلسطين لتحريرها من الاحتلال الإسرائيلي بالوسائل التي كفلها القانون الرباني أو الوضعي أم لا؟ بالأمس كان الشعب الفلسطيني، وانتظر الفلسطنيون في دول الجوار التي تستضيفهم ( الأردن وسوريا ولبنان والعراق ومصر) العودة إلى ديارهم، ولكن أحفادهم اليوم تسلموا مفاتيح البيوت، وإنني أخشى على الشعب العراقي ألا ينعتق من هذا الكابوس الكبير إلا بعد حين. وماذا بعد العراق أيها الأخوة والأخوات، هل هناك دولة أخرى تنتظر، أم أن قطار الظلم توقف، لا أعتقد، فالأيام القادمة كقطع الليل المظلم، والكثير من دول العالم في سُبات عميق، حتى وصل بنا الأمر ألا نولي اهتماماً لِما يحدث بالقرب منّا، ولا نتحرك إلا إذا أصابت النيران طرف الثوب الذي نرتديه! أيها الأخوة: إن فلسطين اليوم تستنجد، فهل من منقذ؟ إن فلسطين اليوم لا تحتاج لمعتصمٍ، أو صلاح الدين، أو ابن الخطاب، بل تحتاج إليكم أنتم صُنّاع الحياة، فهل أنتم أهل لها؟ أقول نعم بإذن الله. إن العراق يستصرخ اليوم فهل من منقذ له، إن الدم المسفوح يومياً في أرض الرافدين يجب أن يتوقف، حتى لا تتكرر مأساة الشعب الفلسطيني، أو تتكر ر مأساة أخرى. إيها الأخوات والأخوة أختم فأقول: أدعوكم للصلاة في الأقصى إنْ كان هذا يمثل لكم أملاً، وأعتقد هذا، ولكن علينا جميعاً أن نحدد التاريخ الذي يجب أن نضعه بأيدينا، ولن يكون إلا بعد أن نطبّق قوله تعالى ( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم). والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د/ يحيى زكريا الأغا المستشار الثقافي سفارة فلسطين- قطر