13/09/2006
قال تعالى" إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً" صدق الله العظيم
رسالة إلى سيادة الأخ الرئيس / محمود عبّاس
د/ يحيى زكريا الأغا
عالج بأغلى الأثمان وأقل الخسائر.
لك سيادة الأخ الرئيس أكتب رسالتي الثالثة، الأولى( العظماء يعرفون أن هناك قمماً أخرى يمكن الوصول إليها) والثانية بعنوان ( رجم محمود عباس يستحق المحاكمة)
وهذه الثالثة تقول: ( التاريخ الفلسطيني في حراك دائم، جديد ومتجدد، يختلف باختلاف العصور والأزمنة، والشخوص، فمنذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة وإلى اليوم، تسجل وقائع التاريخ الفلسطيني أحداثاًً تتناقلها الإجيال جيلاً بعد جيل، نُثني اليوم على بعضها فنقتدي ويقتدي بها البعض، أو نختلف في الرأي مع بعضِ منها، فنلوم ساستها وقادتها، لأنهم غلّبوا المصالح الخاصة على مصلحة الشعب الفلسطيني، وتلك هي الطامة الكبرى.
لهذا فإننا اليوم أمام حقبة تاريخية ربما تكون الأصعب في مسيرتنا، إما أن تسجّل بأحرف من نور ويُشاد بقادتها وساستها ورجالاتها وأنت على رأسهم، لأنهم عرفوا متي يتخذون القرار، وإما أن يختلف اللاحقون مع العصر، وينعتوا المرحلة باساليب مختلفة.
في اليوم التاسع من يناير عام 2005، قال الشعب الفلسطيني كلمته، بانتخابك رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية، واستبشرت – كغيري- بأن هذه المرحلة ستكون من أفضل المراحل في تاريخنا المعاصر قياساً بما تحقق عندما عُهدت إليك الوزارة التي استمرت ( 133) يوماً، وكانت من أفضل الوزارات على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني، وإن لم يتحقق إنسحابات وهذا بالوقائع، رغم التحديات الداخلية والخارجية التي واجهتك. وبعد عام من هذا التاريخ خرج الشعب ليقول كلمة أخرى بإصرار منكَ، لتجسّد الديمقراطية واقعاً، منفذاً ما وعدت به شعبك، لكنها أصبحت غير مقبولة لدى العالم، فحوصرت الديمقراطية وإفرازاتها حصاراً أشد وأقسى من حصار العالم للعراق، وأصبح الفلسطينيون والوزراء يقفون على أبواب العالم، يستجدون موقفاً مؤازراً، وديناراً لدفع رواتب الموظفين المغلوب على أمرهم، لشراء الدواء والحليب، لكن الأبواب غلّقت أمامهم، لتصبح الحكومة بما تمتلك من إمكانيات وقدرات ومواهب وطموحات - لا أحد ينكرها - عاجزة عن أداء واجبها بالشكل المناسب، بل وتم اعتقال العديد منهم بدعاوى باطلة.
بعد عملية أسر الجندي الإسرائيلي غير المحسوبة من وجهة نظري، تحوّل الوطن إلى سجن كبير وبدأت دوامة الاغتيالات والموت وعدم تحقيق الأمن تلاحق الجميع، وهذا يعكس حالة من حالات الفلتان الأمني الذي كنتم تطالبون سابقاً بوضع حدٍ له، ولكن الآذان حينها صُمّت.
عمارات تُهدّم، وبيوت تُزال عن الأرض، وسيارات تقصف، وبنى تحتية تدّمر، حتى تحولت الحياة إلى جحيم جحيم جحيم لا قِبل للشعب الفلسطيني به.
حصار بري وبحري وجوي، تسببت في انتشار ظاهرة الفقر والعوز حتى بين الأغنياء، وساد ت حالات البؤس، والهم، والغم، والمعاناة بين الناس، واستشرت البطالة بين الشباب حتى وصل الفقر إلى 60./. ، وهنا أسوق إليكم فخامة الرئيس حواراً على الهاتف( فقد جمعني الهاتف الأسبوعي بشقيقتي الكبرى، وسألتها عن الأوضاع فقالت: أقسم بالله أنه لا يوجد لدينا كبريتة واحدة في البيت أضيئ بها شمعة لتزيل عتمة الليل، وعتمة الهم والذل والمهانة والمأساة عنا، فقلت لها : الصبر مفتاح الفرج، ولكن افتحي باب شقتي وخذي منها ما تشائين، حيث امتلك ربما خمس أو ست علب كبريت ، ووزعيها على اخوتي والجيران.....). إلى هذا الحد وصل بنا الوضع؟ فإلى متى يستمر الحال؟
أما معابر الذل والمهانة، وليس معبر الكرامة والحرية كما يُسمى، فحدّث ولا حرج، هل يُرضيك ما ترى وتشاهد على شاشات التلفاز، من ازدراءٍ للشعب لم يحصل في تاريخنا الفلسطيني عبر ثلاثة آلاف سنة، وهذا يتطلب إعادة النظر في كل الاتفاقيات الموقعة، بما فيها اتفاقية الذل الاقتصادية الباريسية الشخصية.
وزارات تهدمت لتعطيل عملها، ومباني حكومية وغير حكومية قُصفت، لشل الحياة، وقادة ميدانيون وما أكثرهم من كل التنظيمات، يُستشهدون، واعتقالات هنا وهناك، وحواجز طيارة تغتال حرية الشعب والأفراد، ووزراء لا يغادرون الوطن لأنهم يسعون من أجل أبناء الوطن، وحدود مصفدة، ولم يبق أمامنا إلا أن نستصرخ ونقول: يا الله.: يا الله، يا الله" ونِعم بالله".
توغلات إسرائيلية بعد الانسحاب الكلي من غزة، وأراضي زراعية من أفضل الأراضي جُرفت ومنع أهلها من الزراعة فيها، وأبار للمياه الجوفية سممت، لأن صاروخاً يسقط هنا أو هناك دون أن يُحدث أي أثر.
سيادة الأخ الرئيس: بكى الرجال في وطنك، لأنهم لم يتمكنوا من توفير لقمة العيش لأبنائهم، أو مسلزمات المدرسة، وبكت النساء لأن الحليب جفّ في صدورهن، وبكى الأطفال لأنهم بدأوا يبحثون عن لقمة في صناديق القمامة، وبكت البهائم لأنها لم تجد مرعى.
واليوم كان الشعب الفلسطيني بقيادته يحتفل بانتظام مليون طالب فلسطيني في الدراسة، أما اليوم، فماذا مصيرهم، هل يبقون على قارعة الطريق والحل بين أيدينا؟ ماذا يفعل المدرسون ولا يستطيعوا دفع إيجار تنقلهم من مكان إلى آخر لأداء واجبهم الوظيفي؟
أما الصورة الإكثر إيلاماً ما يدور من حوارات متلفزة، وعلى صفحات الجرائد اليومية، والإذاعات، ووسائل الإعلام الأخرى، يندى له الجبين ، تعدد للأراء والأصوات المنادية بحكومة وحدة وطنية، وأصوات نشاذ تطالب بحكومة ظل، وأصوات غير مسؤولة تنادي بإسقاط الحكومة، وأخرى غير واقعية تقول بحكومة منفى، وأخيراً بحكومة تكنوقراط، بالله عليك سيادة الرئيس يكفي هذا العبث بعقول الشعب المغلوب على أمره، والمقهور داخلياً وخارجياً، من حفنة من المتاجرين بدماء وقوت الشعب.
لقد تحول قادة الشعب الفلسطيني الجدد والقدماء في الداخل والخارج ومن سار في ركبهم إلى ساسة يحلقون في فضاء رمادي، يصيبون بكلامهم ما يستحق المحاكمة عليه، وتركوا جياع فلسطين يهيمون على وجوههم .فهل يمكن إيقاف نزيف الكلمات سيادة الأخ الرئيس؟.
سيادة الرئيس: لقد استمع وتجاوب الشعب إلى كلام الحكمة من سيادة الأخ رئيس الوزراء، بالصبر على المكاره، والالام والجراح والجوع والعطش وشُح المال، ولكن الزمن القاسي يتمدد، ليصيب كل شرائح المجتمع، وبدأت مصالح الناس تتضرر في كافة المجالاتن فهل من منقذ؟
إن الحكومة الحالية ورئيسها من الحكومات التي استبشر بها الشعب الفلسطيني - وأنا منهم - خيراً، ولكن الظروف المحيطة بها خارجياً حالت دون أن تواكب مسيرة النهضة والإصلاح الذي وعدت به الشعب الفلسطيني وهي قادرة على ذلك، لهذا فإن اي قرار إذا مسّها لا يقلل من مكانتها، ولا يمكن نعتها بأي لون من ألوان القصور والإهمال، لأن القائمين عليها مشهود لهم بالنزاهة والموضوعية والفكر والالتزام والإخلاص.
لهذا، فإنني وغيري من المؤمنين بعملية الإصلاح الجذري لكل الأوضاع المأساوية في فلسطين، واستناداً إلى البند العاشر من البرنامج الانتخابي الذي فزت على أساسه يطالبوك اليوم وليس غداً وضع نهاية من خلال ما نص عليه الدستور والقانون.
إن برنامج العمل الوطني الذي انتخبك الشعب على أساسه، والذي نجتزئ منه هذه الفقرة( وفي هذا الإطار سنعمل بحسم وبسرعة لتعزيز سيادة القانون وحماية استقلال القضاء ومنع التدخل في شؤونه، وإنهاء الفوضى الأمنية، وضمان الأمن للمواطن، ووقف أية تجاوزات من مؤسسات السلطة وأجهزتها ومحاسبة المتجاوزين، وطرح قوانين تنظيم عمل هذه الأجهزة لإقرارها من قبل المجلس التشريعي"
أستحلفك بخالق السموات والأرض، وبدماء بريئة على شواطئ غزة، وبأشجار الزيتون المباركة، وبأنّات الثكالى، والمعوقين، ومَن فقد عزيزاً ، أو صديقاً، أو أرضاً، أن تضع حداً لهذا الوضع المأساوي يُرضي جميع الأطراف بما فيهم الأغلبية في المجلس التشريعي، لأنهم يستحقون وبعد نضالات لهم، أن يساهموا في بناء الوطن، ولكن ليس على حساب الوطن والأرض والأفراد والمؤسسات.
وإن تحقق ذلك، لابد من وضع أسس متينة لقيام الدولة الفلسطينية، بعيداً عن تجار الدماء، وسماسرة العصر ، حتى ولو كانوا من أقرب الناس، لابد من فرز تام لكل الشخوص حتى لا يبقى جاهل في أي مكان، ولا حامل بطاقة نضالية مكتبية وهو ابن سادس ابتدائي أو حتى ثانوية عامة، وجحافل المتعلمين والمثقفقين تطرق الأبواب دون مجيب، لابد من عملية إصلاح شاملة بدءاً من فتح، مروراً بكل مؤسسات الدولة، سواء كان ذلك في الداخل أو سفاراتنا ومؤسساتنا في الخارج، وكفى معاناة ، فشعبنا لا يمكنه الصبر على ذلك أكثر مما يعيش فيه.
لابد من الضرب بيدٍ من حديد على كل مَن يحاول أن يبتذ الوطن والشعب والقيادة، وإلا فقدنا هيبتنا ومكانتنا بين الأمم والشعوب، واصبح الجزء يتحكم في مصائرنا.
لابد من وضع نهاية لكل محاولات العبث بمقدرات شعبنا الفلسطيني بشخوص مشهود لهم بالحكمة والاتزان والعقلانية والمحبة للوطن والمواطن.
لابد من وضع حدّ للفلتان الأمني، والعودة إلى ما ناديت به، لا سلاح شرعي غير سلاح السلطة.
لابد من جمع الأسلحة من أيدي تجار الدماء في أنحاء الوطن، لينعم الوطن بالأمن والأمان، وكفانا مزايدات على حساب الدماء البريئة.
لابد أن ينعم الشعب بالأمان والاستقرار، ولا يمكن أن يقبل بدراهم أو دنانير تغير الوضع القائم إن تغيّر مستقبلاً الإصلاح الشامل والسريع كما وعدت، ووعدت الأغلبية في المجلس التشريعي.
إذا كنت قادراً – وأنت قادر - على إنهاء هذا الوضع المأساوي لمصلحة الشعب الفلسطيني كاملاً، باعتبارك رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية، وبناء الغد المشرق الذي وعدت به، ألا تتوانى وتترك المركب يغرق، وبتوافق منهجي مع الجميع، و إذا كنت تستشعر أن خطراً داهماً يحيط بنا، فعالج بأغلى الأثمان وأقل الخسائر.
اللهم فاشد، اللهم فاشهد.
مَن رأى منكم منكراً فليغيره بلسانه أو قلبه، وهو أضعف الإيمان.