بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الثالث من مرادفات في القرآن الكريم وفي طيها ملاحظة هامة وخطيرة جدا
الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام , وأنعم علينا بنعمة القرآن فجعله لكل الأحوال والأزمان , فأنار به قلوبا غلفا ، وأعينا عميا , وهدانا به لما فيه صلاح أحوالنا , فله الحمد وله الشكر وله الثناء الحسن , وبعد أحبتي الكرام لقد تحدثنا فيما سبق عن الكلمات التي يشعر بها القارئ أنها مترادفة وفي حقيقتها ليست مترادفة , فكما قلت سابقا ليس في القرآن ترادف مطلقا , وإن لكل كلمة مدلولها , فمثلا كلمة (سعوا) آية (51) من سورة الحج رسمت هكذا فألحقت الألف بعد الواو, وفي سورة سبأ آية (5) رسمت كلمة (سعو) هكذا بدون ألف مع أن الخطاب في الآيتين كان للجماعة , ومعنى الآيتين واحد , وأن الآيتين اللتان قبل هاتين الآيتين معناهما واحد , ومعروف أن واو الجماعة دائما تلحق بها الألف , لكنها فصاحة وبلاغة القرآن , فإن لكل كلمة مدلولها ومعناها , وإنني أجزم أن هاتين الكلمتين (سعوا ) و (سعو) لكل كلمة مدلول يختلف عن الأخرى , وسأتطرق لذلك شارحا الكثير من معاني هذه الكلمات , كما سأتطرق إلى الاختلافات في رسم الكلمات وتفاصيلها بعد أن أنتهي من موضوعي الرئيسي المرادفات .
وكما وعدتكم أحبتي سأواصل معكم الحديث عن الجزء الثالث من مرادفات في القرآن , وسأتحدث في هذا الجزء عن عشرة كلمات فقط لأنني أطلت المقدمة التي وجدتها ضرورية حتى أوضح القارئ الكريم مدى صفاء ونقاء الكلمات القرآنية .
( السِّلْم , السَّلْم , السَّلَمَ )
1ـ ( السِّلْم بتشديد السين وكسرها وسكون اللام )
ولقد وردت مرة واحدة فقط في القرآن في سورة البقرة آية (208)
( يا أيها الذين ءامنوا ادخلوا في السِّلْم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ) الآية .
المقصود هنا بالسِلْم ليس السلام ولا الحل السلمي مع الأعداء , بل يتحدث عن الإسلام ، أي يجب أن نأخذ الإسلام كله بشموله وعمومه , فهو دين دولة , وتشريع , وهو بدوره يحقق السلام , وأن الخطاب هنا للذين آمنوا كافة أن يدخلوا فيه , فليس المطلوب من الذين آمنوا أن يدخلوا في السلام ولا الحلول السلمية , ولو كان قال ياأيها الناس لكان المقصود بها الحلول السلمية , لأن الحلول السلمية للناس كافة وليس للذين أمنوا فقط .
2ـ ( السَّلْم بتشديد السين وفتحها وسكون اللام )
فهو ميل أحد فريقي المعركة إلى الاستسلام ، ودليل ذلك أنها أينما وردت هذه الكلمة فقد وردت في سياق القتال بين المسلمين وأعدائهم , وقد وردت في القرآن الكريم مرتين , في الأنفال آية (61) وهي : ـ
( وإن جنحوا للسَّلْم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم ) الآية .
والحديث هنا عن الكفار فإذا بدءوا يشعرون بالهزيمة أمام المسلمين وأعلنوا خضوعهم يكونون قد مالوا إلى الاستسلام بسبب هزيمتهم , ففي هذه الحالة يجوز للمسلمين أن يستجيبوا لجنوح الكفار للاستسلام , وعندها يفاوضهم المسلمون على كيفية الاستسلام والمساومة .
والمرة الثانية في سورة محمد آية (35) :ـ
( فلا تهنوا وتدعوا إلى السَّلْم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم) الآية .
فالآية تنهى المسلمين عن الاستسلام , فإياكم أن تبادروا أنتم إلى عرض الاستسلام لأنكم الأعلون , لكن إذا شعرتم أن العدو جنح للاستسلام فلا مانع أن نفاوضهم على شروط استسلامهم , ولكن لا نذهب أو نبدأ نحن بالاستسلام , فكلا الآيتين تشير إلى قوة المسلمين وعزتهم , وعدم استسلامهم , وعدم الضعف والهوان .
3ـ ( السَّلَم بتشديد السين وفتحها مع فتح اللام )
فقد وردت في القرآن الكريم كالتالي : ـ
في المرة الأولى في سورة النساء آية (90)
( إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السَّلَم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا ) الآية .
فهذه الآية تحدث عن استسلام الكفار للمسلمين استسلاماً عملياً تاماً , فان حدث واستسلموا لكم أيها المؤمنون فلا يحق لكم أن تقاتلوهم وإنما عليكم الكفّ عنهم , فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السَلَم فلا يحق لكم قتلهم بعد استسلامهم التام وإنما اقبلوا استسلامهم .
وفي المرة الثانية تليها مباشرة في النساء أيضا آية (91) وهي : ـ
( ستجدون ءاخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كل ما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السَّلَم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئك جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا ) الآية .
هذه الآية تقرر أن الكفار إذا لم يستسلموا للمسلمين فعلى المسلمين قتالهم أينما كانوا فهم يدّعون بلسانهم أنهم يريدون السلام ولكنهم لا يفعلون ذلك عملياً لذلك على المسلمين قتلهم (فخذوهم واقتلوهم). إذا هو استسلام الكفار الذليل بين يدي المسلمين .
وفي المرة الثالثة في سورة النحل آية (28)
( الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السَّلَم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون ) الآية .
وهذه الآية تدل على استسلام الكفار الذليل يوم القيامة وإلقائهم اللوم على شركائهم الذين أضلوهم واستسلام الكفار للملائكة عند الاحتضار .
وفي المرة الرابعة أيضا في سورة النحل آية (87)
( وألقوا إلى الله يومئذ السَّلَم وضل عنهم ما كانوا يفترون ) الآية .
تتحدث هذه الآية عن استسلام الكفار الذليل يوم القيامة .
فنلاحظ في هذه الآيات التعبير عن السَلَم استخدام كلمة ألقوا من الإلقاء وهو المبالغة في الاستسلام والخضوع والذل والانكسار .
إذا المقصود بكلمة ( السَّلَم ) استسلام الكفار الذليل وانكسارهم .
4ـ 5 ( العيون والأعين )
أينما وردت كلمة عيون في القرآن فإن معناها عيون الماء وقد وردت كذلك : ـ
( إن المتقين في جنات وعيون ) , ( فأخرجناهم من جنات وعيون ) .
وإن كلمة أعين أينما وردت في القرآن فإنها تعني العين الباصرة وقد وردت كذلك :
( وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا ءامنا فاكتبنا مع الشاهدين) الآية .
هنا الأعين هي التي تدمع أو تفيض من الدمع .
( قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءو بسحر عظيم ) الآية .
فالعيون جمع عين أي العين المبصرة فهم لم يسحروا الناس بل سحروا أعينهم .
( يسألونك – يستفتونك - يستنبؤنك )
6ـ يسألونك : ـ
( ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ) الآية .
( ويسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ) الآية .
فكلمة يسألونك هنا تأتي للاستفسار أو السؤال عن شيء لا نعرفه , أو شيء لا نعرف حكمه , يسألونك عن المحيض , فلم يكن أحد قبل الإسلام يعرف ما هي علاقته مع زوجته أثناء محيضها , قل لهم يا محمد ما موقفهم من نسائهم أثناء المحيض , فقد كان الرجل قبل الإسلام يأتي زوجته وهي حائض , فجاء السؤال عن المحيض , ولو كان الرجل يعرف علاقته بزوجته وهي حائض لما سأل أحد عن الحيض .
يسألونك عن الخمر والميسر, فقد كان الخمر قبل الإسلام كالماء بالنسبة لنا وحتى مع بداية دخول الإسلام كان الصحابة يشربونه حتى نزل تحريمه , فقل لهم يا محمد أن الخمر والميسر حرام , ولو كان معروفا حكم الخمر ما سأل عنه أحد .
يسألونك عن الساعة , فقل لهم يا محمد متى الساعة , فهل كان أحد من الناس أو من الصحابة يعرف متى الساعة ؟ لم يكن أحد يعرف فجاء السؤال عنها , ولو كانت معروفه ما سأل عنها أحد , وهكذا في جميع الآيات التي وردت فيها كلمة يسألونك وهي كثيرة فجميعها للسؤال عن شيء لا نعرف حكمه , إذا أنا لا أعرف حكم الخمر وأنت تعرفه فأجبني عن حكمه , والجواب هنا لا جدال فيه .
7ـ يستفتونك : ـ وهي للسؤال عن أمرين اختلطا على الناس , واحد يقول هكذا والثاني يقول ليس كذلك بل هكذا , فهي تأتي للفصل بين أمرين اختلف الناس فيهما ، أو هي للمشورة , أشر علي , أنا أستشيرك بحكم خبرتك وعلمك , ( ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن) الآية .
فقد نزلت هذه الآية عندما اختلف الناس في أمر اليتيمة التي هي تحت رعاية رجل هل يتزوجها هو أم يزوجها إلى غيره , وقالوا أن مالها حلال له , ومنهم من قال أن مالها حرام عليه .
( قالت يا أيها الملؤا أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ) الآية .
يا قومي أشيروا علي ماذا أفعل أفتوني في هذا الأمر .
8ـ يستنبؤنك : ـ
( ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين ) الآية .
وهي للسؤال عن أمر تنفرد أنت به وحدك , لا يعلمه ولا يعرفه أحد غيرك , فهو شيء خطير لا يمكن أن يعلمه أحد , ويستنبئونك أي يسألونك عن الأجسام بعد أن تصير ترابا هل ترجع , وعن ميعاد يوم القيامة هل هو حق , هل فعلا سيحدث هذا يوما ما ؟ فقل لهم يا محمد نعم إي وربي إنه لحق .
إذا يسألونك تستخدم للسؤال عن مسألة لا يعرفونها ويريدون منك الإجابة .
يستفتونك تستخدم للسؤال عن مسألة فيها اختلاف بينهم ويريدون منك فتوى لهذا الاختلاف .
يستنبئونك تستخدم للسؤال عن مسألة لا يعلمها إلا أنت لأنك نبي وهي مسألة محسومة لا خلاف فيها .
( تبدَّل ، تتبدَّل )
9ـ تبدل بفتح التاء والباء وتشديد الدال مع فتحها : ـ
( لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تَبَدَّل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا ) الآية .
في هذه الآية كان الخطاب مقتصرا وموجها فقط لمحمد صلى الله عليه وسلم وليس لغيره من عامة الناس فقال الله تعالى : يا محمد لا يحل لك النساء من بعد نسائك اللاتي تزوجتهن , ولا يحل لك أيضا أن تستبدلهن بزوجات غيرهن , حتى ولو أعجبك حسنهن , فإن الله قد قصره عليهن جزاء لهن لأنهن اخترن الله ورسوله عندما خيرهن رسول الله , وقد نسخت هذه الآية حكما وبقيت رسما , فقد نسختها الآية التي قبلها , وقد رفع الله عنه الحرج وأذن له بالزواج إن أراد ذلك , لكن رسول الله لم يتزوج بعد , وتوفي صلى الله عليه وسلم على ذلك , ولم يكن الخطاب ممتدا ولكنه ينتهي برفع الحرج عنه بالزواج , ولو لم يرفع الله عنه الحرج بنسخ الآية لانتهى الحكم بوفاة محمد صلى الله عليه وسلم لأن الحكم كان مقتصرا عليه وحده .
تنويه / عندما أقول نسخت حكما أي أنه لا يعمل بها , وبقيت رسما أنها بقيت مكتوبة في المصفح , وسأتطرق فيما بعد إن شاء الله للناسخ والمنسوخ من القرآن .
10ـ تتبدّل
( وءاتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا ) الآية .
الخطاب هنا للناس كافة فيقول الله تعالى : أعطوا اليتامى أموالهم ولا تأكلوها , ولا تبدلوا أموالكم الحلال بأموالهم التي هي حرام عليكم , فالخطاب لم يكن مقصورا على أحد بل هو عام وشامل وممتد منذ أن بدأ الله الخلق إلى يوم القيامة .
إذا فالآية الأولى كان حدثا صغيرا مقتصرا على محمد صلى الله عليه وسلم بعينه فأخذ الصيغة الصغيرة القصيرة ( تبدل) , والآية الثانية فيها حدث كبير ممتد ومستمر فأخذ الصيغة الممتدة وهي تتبدلوا .
وأكتفي بهذا القدر لعدم الإطالة .
أما الملاحظة التي أود الإشارة إليها هي : الأخطاء الكبيرة التي وردت في الكثير من المصاحف الإلكترونية والتي لم ينتبه لها الكثير من الناس , فإنني وجدت أربعة مصاحف الكترونية كلها أخطاء إملائية ونحوية ولا توافق رسم المصحف مطلقا , لذلك فلا يجوز الأخذ منها في عملية النسخ واللصق لمن أراد أن يستخدم آية قرآنية في مقال مثلا , ولا يجوز القراءة منها بأي حال من الأحوال , ولا يتسع المجال هنا لعرض بعض الآيات التي وردت فيها الأخطاء , لكنني أحذر الجميع بعدم التعامل مع المصاحف الإلكترونية إلا إذا كنت تثق بهذا المصحف ، أما القراءة فلا تجوز منها مطلقا , والله من وراء القصد , وهو يهدي إلى سواء السبيل , هذا ما وفقني الله إليه , فإن كنت قد أصبت فمن الله , وإن كنت قد أخطأت فمن نفسي والشيطان , ولا أدعي الكمال فإن الكمال لله وحده , وكما يقولون إن لكل شيء إذا ما تم نقصان ,
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[1] فتحي خالد حسين الاغا والعائلة | أفادك الله | 08-11-2010
[2] احمد محمد احمد الاغا | بارك الله فيك | 08-11-2010