مقالات
رحمانيّات ربانية للآمة المحمدية (20) بين العدل والطغيان والاستبداد- بقلم : المنتصر بالله حلمي الآغا
بسم الله الرحمن الرحيم
( رحمانيّات ربانية للآمة المحمدية )
(20)
بين العدل والطغيان والاستبداد
الحمد لله رب العالمين الذي بنعمته تتم الصالحات فأنعم علينا وأكرمنا بنعمة الإسلام ، وأفضل الصلاة وأتم السلام على خير الأنام سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
جاء في الحديث الشريف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:‘‘ إذا رأيتَ الله يُعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يُحب فإنما هو استدراج ’’ ، ثم قرأ الآية الكريمة :‘‘ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أبْوَابَ كُلِّ شَيءٍ حَتَّى إذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أخَذْنَاهُم بَغْتَةً فإذَا هُم مُبْلِسُونَ ’’(سورة الأنعام آية44) ، ومبلسون تعني يائسون وقانطون من كل خير . والله تعالى لا يغفل عن الظالمين مصداقاً لقوله تعالى:‘‘ وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَل الظالِمُونَ إنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبصَارُ(42)مُهطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إلَيْهِمْ طَرَفَهُمْ وَأفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ(43)’’ (سورة إبراهيم 42) ، فالظالم لا ينجو من عقاب الله تعالى في الدنيا والآخرة .
وقد نجد ظالماً أعطاه الله تعالى استدراجاً من خيرات الدنيا عطاءً بلا حدود ، ولكنه لا يُفلته ، يمهِلْْه ويعطيه فرص التوبة والعودة عن ظلمه ، فالله تعالى العادل يحب عبادة التوابين ، وإن لم يفعلوا يأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، وفي الآخرة لا أعذار لهم ولا ينفعهم الندم . وقد مرَّ على هذه الأمّة الكثير من الظَلَمَة والمتجبّرين والمستبدين والطغاة ، ولم يتعظ مَنْ أتي مِن بعدُ بمن سبقه . وقد يكون الظالم أو المستبد حاكماً أو إنساناً عادياً .
والمؤمنون يأخذون العبر من نهاية الظالمين، ولهم قدوة حسنة في المحسنين الذين تخوّفهم الكلمة والنصيحة إذا نُصِحُوا فلا يعتريهم الكِبْرُ ولا تأخذهم العزّة بالإثم فسلكوا طريق العدل، وهم كُثُرٌ في تاريخنا المشرّف، وقد أخذوا عن المعلّم الأول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكان الخلفاء الراشدون وكان عمر بن عبد العزيز ، وكان هارون الرشيد الذي كان مثلاً طيّباً بالرغم من أن كثيراً من أعداء الأمّة عملوا على تشويه سيرته الإيمانيّة والطيّبة بالقصص الكاذبة عن الليالي الحمراء وألف ليلة وليلة ، وهو بريء من هذا ، فقد كان يغزو عاماً ويحجُّ عاماً . قال الفضل بن الربيع ( وزير هارون الرشيد ): حجَّ هارون الرشيد سنةً من السنين ، فبينما أنا نائم ذات ليلةٍ إذا سمعت قرع الباب فقلت : من هذا ؟ فقال: أجب أمير المؤمنين، فخرجت مسرعاً فقلت: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إليَّ أتيتك، فقال: ويحك قد حاك في نفسي شيءٌ لا يُخرجه إلاّ عالِم ، فانظر لي رجلاً أسأله عنه ، فقلت ها هنا سفيان بن عيينة ، فقال امضِ بنا إليه ، فأتيناه ، فقرعت علي الباب ، فقال من هذا ؟ فقلت: أجب أمير المؤمنين ، فخرج مسرعاً فقال: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إليَّ أتيتك ، فقال: جد لي لما جئنا له ، فحادثه ساعةً ثم قال له: أعليك دين ، قال: نعم ، فقال: يا أبا العباس اقضِ دينه ، ثم انصرفنا . فقال ما أغنى عني صاحبك شيئاً ، فانظر لي رجلاً أسـأله ، فقلت ها هنا عبد الرزاق بن همام ، فقال: امضِ بنا إليه ، فأتيناه ، فقرعت عليه البـاب ، فقال: من هذا ؟ قلت: أجب أمير المؤمنين ، فخرج مسرعاً ، فقال: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إليَّ أتيتك ، فقال: جِدْ لِمَا جئنا به ، فحادثه ساعةً ثم قال له : أعليك دين ، قال: نعم ، فقال: يا أبا العباس اقضِ دينه ، ثم انصرفنا ، فقال: ما أغنى عنّي صاحبك شيئاً ، فانظر لي رجلاً أسأله ، فقلت ها هنا الفضيل بن عياض ، فقال: امضِ بنا إليه ، فأتيناه فإذا هو قائم يصلّي في غرفته يتلوا آيةً من كتاب الله تعالى وهو يرددها ، فقرعت عليه الباب ، فقال: من هذا فقلت: أجب أمير المؤمنين ، فقال: مالي ولأمير المؤمنين ، فقلت: سبحان الله ، أما تجب عليك طاعته ، ففتح الباب ثم ارتقى إلى أعلى الغرفة ، فأطفأ السراج ، ثم التجأ إلى زاويةً من زوايا الغرفة فجعلنا نجول عليه بأيدينا ، فسبقت كف الرشيد كفي إليه ، فقال: أوّاه من كفٍ ما ألينها إن نجت من عذاب الله تعالى ، فقلت في نفسـي ليكلمنهُ الليلة بكلامٍ نقيٍ من قلبٍ تقيٍ ، فقال: جِدْ لِمَا جئنا له رحمك الله تعالى ، فقال: فيم جئت ، حملّت نفسك وجميع من معك حَمَلُوا عليك ، حتى لو سألتهم يتحملوا عنك شقصاً من ذنب ما فعلوا ، ولكان أشدهم حباً لك ، أشدهم هرباً منك .
ثم قال: إن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لمّا وُلِّيَ الخلافة دعا سالم بن عبد الله ، ومحمد بن كعب القرظي ، ورجاء بن حيوة ، فقال لهم: إنِّي قد أُبتُلِيتُ بهذا البلاء ، فأشيروا عليَّ ، فعدَّ الخلافة بلاءً ، وعددتها أنتَ وأصحابكَ نعمةً . فقال سالم بن عبد الله : إن أردت النجاة غداً من عذاب الله فَصُمْ عن الدنيا ، وليكن إفطارك فيها الموت ، وقال محمد بن كعب: إن أردت النجاة غداً من عذاب الله تعالى فليكن كبير المسلمين عندك أباً ، وأوسطهم عندك أخاً ، وأصغرهم عندك ولداً ، فبرَّ أباك ، وارحم أخاك ، وتحنن على ولدك . وقال رجاء بن حيوة: إن أردت النجاة غداً من عذاب الله تعالى فأحبَّ للمسلمين ما تحب لنفسك ، واكره لهم ما تكره لنفسك ، ثم متى شئت مُتْ . وإني لأقول هذا ( والكلام للفضيل بن عيّاض ) وإني لأخاف عليك أشدَّ الخوف يوم تَزِل الأقدام ، فهل معكم رحمك الله مثل هؤلاء القوم من يأمرك بمثل هذا ، فبكى هارون الرشيد بكاءً شديداً حتى غُشِيَ عليه ، فقلت له : أرفق بأمير المؤمنين فقال: يا بن الربيع قتلته أنت وأصحابك ، وارفق به أنا .
ثم أفاق هارون الرشيد ، فقال: زدني ، فقال : يا أمير المؤمنين بلغني أن عاملاً لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه شكا إليه سهراً ، فكتب له عمر يقول : يا أخي اذكر سهر أهل النار في النار ، وخلود الأبدان ، فإن ذلك يطرد بك إلى ربك نائماً ويقظان ، وإيّاك أن تزل قدمك عن هذا السبيل فيكون آخر العهد بك ، ومنقطع الرجاء منكم ، فلما قرأ كتابه طوى البلاد حتى قَدَمَ عليه . فقال له عمر : ما أقدمك ، فقال له : لقد خلعـت قلبي بكتابك ، ولا وُلِيت ولايةً أبداً حتى ألقى الله عزَّ وجلَّ ، فبكى هارون الرشيد بكاءً شديداً ثم قال : زدني ، قال : يا أمير المؤمنين أن العباس عمَّ النبي صلّى الله عليه وسلّم جاء إليه فقال: يا رسول الله أمرّني أمارة ، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم : يا عبّاس نفسٌ تحييها خيرٌ من إمارة لا تحصيها ، إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة ، فإن استطعت أن لا تكون أميراً فافعل ، فبكى هارون الرشيد بكاءً شديداً ، ثم قال: زدني يرحمك الله ، فقال : يا حسن الوجه أنت الذي يسـألك الله عن الخلق يوم القيامة ، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فافعل ، وإيّاك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غشٌ لرعيتك ، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ‘‘ من أصبح لهم غاشّاً لم يرح رائحة الجنّة ’’ ، فبكى هارون الرشيد بكاءً شديداً ، ثم قال له: أعليك دين ، قال: نعم دينٌ لربي يحاسبني عليه فالويل لي إن ناقشني ، والويل لي إن سألني ، والويل لي إن لم يلهمني حجّتي ، قال هارون: إنما أعني دين العـباد ، قال : إنَّ ربي لم يأمرني بهذا ، وإنما أمرني أن أصدق وعده ، وأطيع أمره ، قال تعالى:‘‘ وما خلقت الجنَّ والإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِن رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أن يُطعِمُونِ إنَّ الله هُوَ الرَزَّاق ذو القوّة المتين ’’(سورة الذاريات آية 51) فقال له هارون الرشيد : هذه ألف دينار فخذها وأنفقها على عيالك ، وتقوَّ بها على عبادة ربك . فقال : سبحان الله ، أنا دللتك على سـبيل الرشاد تكافئني أنت بمثل هذا ، سلّمك الله ووفقك ، ثم صـمت ولم يكلمنا ، فخرجنا من عنده ، فقال لي هارون: إذا دللتني على رجل فدلّني على مثل هذا ، فإنه سيّد المسلَكين اليوم .
والشبه بين الأمس البعيد واليوم لا يكاد يُرى لا من البطانة ولا من سيّدها إلاّ من رحم ربي . نسأل الله تعالى السلامة وأن يثبّت العدل والخوف منه في قلوبنا ، وأسأله بقدرته وحفظه أن يتولانا برحمته وكرمه وجودِهِ وعزّته ومغفرته وهو أرحم الراحمين ، وأن يغفر لموتانا وشهداء المسلمين في الوطن والغربة ، ومن كان سبباً في هذا الزاوية من الرحمانيّات الربانية ، ونسألك يا الله يا كريم أن تمن عليهم بكرمك وعطفك وجودِك فتجعلهم في أعلى الجنان في عليين ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين
[1] محمد حسين محمد الداية | مبروووووووووووووك | 02-02-2011
[2] حسام عثمان محمد الأغا | جزيت خيراً | 02-02-2011
[3] Helmi almotasim Helmi Al agha | Baraka alllah feek | 11-02-2011