مقالات

هؤلاء الأَعلام حضنتهم خان يونس-الشيخ عبد الكريم أحمد عبد الحليم الحسن- المشهدي- بقلم محمد سالم علي الأغا




كتب : محمد سالم الأغا *

ولد الشيخ / عبد الكريم أحمد عبد الحليم الحسن "المشهدي"، رحمه الله في قرية المشهد الفلسطينية التي تقع في الجليل الأعلى الفلسطيني المحتل، شمال مدينة الناصرة وعلى بُعد أربعة كيلومترات منها على طريق الناصرة طبريا، وقرية المشهد يقول أهلها : أنها تقوم على أنقاض قرية ( جت حافر ) الكنعانية القديمة وتقع على تلة وربوة عالية ولأن من يسكنها كانوا يشاهدون قطاع الطرق واللصوص أو الغزاة، من بعيد وقبل أن يهاجموا القرية وسكانها، ويروي أهلها أن سبب تسمية القرية بالمشهد هو أن القائد صلاح الدين الأيوبي كان قد شاهد معركة حطين من فوق تلال قرية المشهد، ويفخر بعض أهالي القرية أنهم يرجعون بالنسب الي القائد العربي الناصر صلاح الدين.

وأكد لنا الأخ والصديق الشيخ محمود عبد الكريم الحسن، نجل الشيخ عبد الكريم، أن والده رحمه الله قد ولد كفيفاً سنة 1925 من القرن الماضي، وتعلم في كتاب قرية المشهد على يد الشيخ عبد الرزاق حسن والشيخ رجا بركات رحمهما الله، ولأنه وحيد أبويه فقد لاحظا عليه أنه يتمتع ببصيرة وفطنة عالية جعلتهم يرسلوه الي بيت المقدس ليلتحق بمدرسة الأيتام الإسلامية الصناعية، وشفقة بحالة والده العجوز فقد وافقت المدرسة بقبوله، حيث أنه لم يكن يتيماً، ولمهارته وبصيرته فقد أتقن في هذه المدرسة بعض الحرف اليدوية كصناعة الفراشي والمكانس ، بالإضافة إلى بعض العلوم الشرعية، وأتم حفظ القرآن في سن مبكرة جداً.

ويذكر أن للشيخ عبد الكريم خال كان يعيش في مصر المحروسة، فبعثه والده الي خاله ليساعده في الالتحاق بالأزهر الشريف ولينهل من علومه، فاستعان هناك ببعض المحفظين للقرآن فأتقن علوم القرآن و القراءات وتلاوة القرآن الكريم " بالقراءات السبع " على يد شيخه محمد سليمان أحمد 1949، وقد حباه الله صوتاً جميلاً جعل كل من يستمع لصوته، يدعوه لقراءة القرآن الكريم في كل المناسبات الوطنية والشعبية وسماع قصة المولد النبوي الشريف وهو يصدح بها في أفراح عائلات خان يونس التي كانت تحترمه وتجله كأبن من أبنائها منذ وطئت قدماه أرضها .

وقد حدثني المناضل الأستاذ معاذ عابد وكيل وزارة التجارة والصناعة رحمه الله، أن عدداً من أعضاء رابطة الطلاب الفلسطينيين التي كان يرأسها القائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ــ منهم على سبيل الذكر لا الحصر الشهيد صلاح خلف والشهيد عبد الفتاح الحمود والشهيد فتحي البلعاوي وغيرهم ممن كانوا يدرسون بالأزهر، و بجامعات مصر الشقيقة حيث دعاهم أحد المطارنة المصريين الذين كانوا يناصرون القضية الفلسطينية 1954 لمائدة إفطار في شهر رمضان من تلك السنة في كنيسة العذراء بالقاهرة، وكان يرافقهم الشيخ عبد الكريم المشهدي، وجعلوه يقرأ ويرتل القرآن الكريم قبل الإفطار، وقد لاقت هذه التلاوة استحسان الجميع، وشاء الله بقدرته أن يجتمع الرئيس ياسر عرفات والشيخ عبد الكريم رحمهما الله ويذكره بذلك اليوم وبتلك المناسبة، ويقول له " لقد شجعناك لتكون أول قارئ للقرآن في كنيسة "، ورد عليه الشيخ يومها قائلاً : أسأل الله أن نقرأ ما تيسر من القرآن بمعيتك يا أخي أبو عمار في المسجد الأقصى .

وعن عودته الي خان يونس بعد إكماله لدراسته في الأزهر الشريف سنة 1958، فقد شجعه زملاء دراسته ممن كانوا يدرسون بالأزهر الشريف والجامعات المصرية، بالحضور معهم الي خان يونس كبلد وموطن له، بعد أن انقطعت سبل عودته الي وطنه فلسطين ومدينته المشهد بعد حرب فلسطين والنكبة التي حلت بها 1948، فرحبت به خان يونس وعائلاتها واحتضنته كابن من أبنائها وزوجوه بسيدة فاضلة من بناتها، من عائلة " صادق" ورزقه الله بذرية صالحة، كلهم على قدر كبير من الخُلق و العلم والدين ، ويحملون الشهادات الجامعية العالية، كما عينته دائرة الأوقاف بغزة عند وصوله للوطن سنة1958 قارئاً للقرآن في المسجد الكبير بخان يونس، وخطيباً في مسجد أهل السنة بها، وقد أختاره معهد فلسطين الديني التابع للأزهر بغزة محاضراً في الفقه و التفسير وعلوم الحديث، ثم اختير ليكون محاضراً في معهد القراءات بأزهر غزة مع رفيق دربه الشيخ حمدي مدوخ رحمهما الله حيث أقيم هذا المعهد على أكتافهما، وقد تخرج على يديهما رحمهما الله، علماء أجلاء كثر في شتي العلوم الشرعية والدينية والفقه والتفسير .

وعندما من الله علينا بإفتتاح الجامعة الإسلامية في أواخر السبعينات من القرن الماضي،أختاره الشيخ محمد عواد رئيس الجامعة الأول رحمه الله ليكون محاضراً بها، فعمل كمحاضر للفقه والحديث لفترة قصيرة ، لأن الظروف الصحية لسماحته لم تساعده على ذلك ، فأكتفي بإعطاء دروسه في معهد فلسطين الديني " الأزهر"، وأعتذر عن مواصلة عمله بالجامعة.

وبعد هذا العطاء وافته المنية عن عمر ناهز إل 77 عاما، فشيعته خان يونس ومآذنها كما شيعت علماءها ومشايخها رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته، وأن يسكننا معهم الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء، وأن ينفعنا بعلومهم أمين .


* باحث وكاتب وصحفي فلسطيني

اضغط هنا للتعرف على المرحوم أ. محمد سالم علي حمدان الأغا

يمكنك تلقي أحدث الأخبار أول بأول بانضمامك لإحدى مجموعات الواتساب الخاصة بالعائلة من خلال الضغط هنـا

اظهر المزيد