وَاوُ...الأُمَمِ المُتَّحِدَة
بقلم:فتحي رَمَضَان الحَاجّ مُحَمَّد الأَغَا
حقوق الملكية الفكرية ليست محفوظة للكاتب.
بعد أن عُدّل الخطاب مرات عديدات تحدث المتحدثون ،وكتبت الكتبة،ومدحت المدَّاحة،وعقّبت المعقِّبة،ونال الخطاب نصيبه ،وقد أشبع نقدًا وتحليلًا وتعليلا،فهو يشبه موضوعَ تعبير ،عرضَ القضية كما يعلمها القوم ودارسو التاريخ،يبدو أن هناك جهدًا قد بذل ليتبلور ذلكم الخطاب في صورته النهائية،وهو تحصيل حاصل، وسردٌ لتاريخ القضية ومحاولة كسب تعاطفٍ معها ،ودعوة إلى إنهاء آخر احتلال في العالم،علمًا أنَّ المهمة المنوطة بالصهاينة هي مهمة وظيفية،لخدمة مصالح الغرب،والتعاون معه،ومشاركته في عملية النهب الكبرى لحياة وأمن وتاريخ شعبٍ بأكمله،هُجِّر قسرًا على مسمعٍ ومرأى من العالم المتباكي على الإنسان وحقوق الإنسان.
أولئك لا يمكن أن يؤثر فيهم خطابٌ،أو تحركهم كلماتٌ أو ترضيَهم تنازلات؟ذلك أن من يقول: "يد الله مغلولة"،و"إن البقر تَشَابهَ علينا"،و "إن الله فقير ونحن أغنياء"،و"ليست النصارى على شيء"، "عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ"،"لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيل"،"راعنا ليًّا بألسنتهم" من يقلْ ذلك ويعلنْه فقد كفى السامعَ والمتكلمَ والمصفِّقَ والبُكاةَ عناءَ الكلام والسمع والتصفيق والسلام.
ورد في خطاب أبي مازن 24-9 2011 في الأمم المتحدة قوله:(لم نيأس ولم نتوقف عن الحركة بعد ذلك وعن المبادرة والاتصال، وخلال السنة الماضية لم نترك باباً إلا وطرقناه، ولا قناة إلا واختبرناها، ولا درباً إلا وسلكناه، ولا جهة -رسمية أو غير رسمية لها تأثير ووزن -إلا وخاطبناها، وتعاطينا بايجابية مع مختلف الأفكار والمقترحات والمبادرات المقدمة من عديد الدول والهيئات ) .
توقف كاتب هذه السطور عند تلكم الفقرة في الخطاب الذي عُدّل مائة مرة وفق وسائل الإعلام: «تم ادخال تعديلات نحو مئة مرة على الخطاب حتى الدقائق الاخيرة قبل إلقائه» (فاللحظة تاريخية والخطاب يجري تعديله كل ساعة).
ما لفت الانتباه في هذه الفقرة أنها تبدو عادية ضمن السياق،لكنها استوقفت كاتب هذه السطور،رغم المائة مرة من التعديل،أو التعديل كل ساعة وفق رواية ناصر اللحام، وهذا جهد مشكور، والشكر متواصل لمن قرأ، وللكتبة،والمراجعين والمعدّلين،والبُكاة والباكين البكّائين والمُبكين في رحاب المنظمة الدولية؟.
يقول ناصر اللحام-الصحفي "المستقلّ المحايد" الذي حظي بشرف الصحبة: (وصرنا نشيح بوجوهنا عن بعضنا البعض حتى نخفي دموعنا .نظرنا الى وجه د.محمد اشتيه واذا به يبكي ، وصار اعضاء الوفد القيادي يحاولون اخفاء الدموع عن بعضهم حتى سألت اشتيه بصوت عال : هل انت تبكي ؟ فاعترف وقال نعم انا ابكي)؟!طوبى لخطاب أضحكَ وأبكى؟! طوبى لهمزة القطع التي لم يقطعها اللحام في موضوعه،ولهذه الصياغة البدائية.
رغم التعديلات والمراجعات ومنظومة البكاء المضحك من بعد العشاء الجماعيّ الذي يصفه ناصر اللحام.
ترى ما هي الحكمة البالغة من وقوع "الواو" قبل الفعل في الاستثناء المنفي :لم نترك باباً إلا (وطرقناه،) ولا قناة إلا (واختبرناها)، ولا درباً إلا (وسلكناه)، ولا جهة - رسمية أو غير رسمية لها تأثير ووزن -إلا (وخاطبناها) فالباب يُطرق،والقناة تُختبر،والدرب يُسلك،والجهة تُخاطب،فأنت أمام: طرْقُ بابٍ، واختبارُ قناةٍ،وسلوكُ دربٍ،وخطابُ جهةٍ؟.
إنَّ الفعل الماضي الواقع بعد (إلا) في أسلوب الاستثناء المنفيّ، أيّا كان حرف النفي (ما- لا- إنْ )في كتاب العربية الأكبر لم يرد مسبوقًا بهذا الصنيع من الواو،وقياسًا عليه تكون "لم"،ومن اليسير تدبر ذلكم الفعل الواقع بعد إلا في الآيات الكريمات التاليات، فهو لم تسبقه الواو،مع ملحظ أن مابعد حرف النفي هو فعل مضارع،وتم اختياره عن قصد وفهم ليتواكب مع تلكم الفقرات المفعمات بالواوات،أمَّا ما بعد إلا فهو فعلٌ ماضٍ لم يُسبق بالواو العجيبة المثيرة الأثيرة؟واو الأمم المتحدة؟!لاحظ أنّ الأفعال الماضية الواقعة بعد "إلَّا" في أسلوب الاستثناء المنفي لم تسبقها واو الأمم المتحدة:
-{وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ} الأنعام4 2-إِلَّا كَانُوا
-{وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} الحجر11.إِلَّا كَانُوا
-{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ} .الأنبياء24- إِلَّا اسْتَمَعُوهُ
-{وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ} الشعراء5 5- إِلَّا كَانُوا
-{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} يس30. إِلَّا كَانُوا
-{وَمَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون }الزخرف7 6- إِلَّا كَانُوا
-{مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ }الذاريات42 إِلَّا جَعَلَتْهُ
-{ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} التوبة120.إِلَّا كُتِبَ
-{وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ} التوبة121. إِلَّا كُتِبَ
-{وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا} يونس61 إِلَّا كُنَّا
-{لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ} يوسف37 إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا
-{لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} الكهف49.إِلَّا أَحْصَاهَا
-{وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً }الفرقان33 إِلَّا جِئْنَاكَ
-{إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} هود54. إِلَّا اعْتَرَاكَ
لقد كان حَرِيّا بالمراجعين والمعدّلين وفريق الصحبة وأولي الحظوة والخبراء ونشطاء السلام ومحبيه أن يلتفتوا إلى هذه الظاهرة الفريدة،وأن يفيدوا السائلين والعاملين عليها وفي الرقاب، عن قيمة وماهية تلكم الواو ،وقد حاول كاتب هذه السطور الاستئناس بعيّنة من القوم فأنكرها الشيخ الكحلوت،وصمت الشيخ سلامة،بينما زكي سلامة(مع حفظ الألقاب) -على عجل- لم ير فرقا بين وجود أو غياب الواو،أما الأستاذ عمر عودة، فلم أتمكن من طرح المسألة عليه، وآمل أن يدون موقفه على هذه الشاشة (وقد استمعوا إلى الآيات الكريمات) فهي ليست لجمعٍ ولا جماعة ولا لعلةٍ ولا لعطفٍ ولا لحالٍ ولا معيةٍ ولا قَسَم ولا...من الواوات الكثيرات، ولم تُعرف هذه "الواوة"،كيما تدرج ضمن منهج النحو الفلسطيني ّالعتيد؟ ! إنّ خطابًا كذاك،عُدّل مائة مرة ليُلقى مرة واحدة،هو خطابٌ مُحْكَم،وكان الأمل أن تتضافر الجهود والخبرات ،لتحاشي هذه الصياغة، لو تضافرت شاعرية الطيب عبد الرحيم مع حنكة أبي مازن ورِقّة أبي شعث،وفطرة المالكيّ،وفلسفة عريقات، وصوفية الهباش، وشفافية فياض ،وزهد فتوح،ووجاهة وصرامة ياسر عبد ربه ،وألمعيَّة وشطارة وفصاحة اللحام الذي غطّى الرحلة من رام الله إلى "رام نيويورك"،ولم يَدَعْ أحدًا من المرافقين يعتب عليه،وهنا العناية بالمرافقين لأنهم السبيل إلى المُرَافَق؟!:
(على طاولة العشاء كان يجلس نبيل شعث ورياض منصور ومجدي الخالدي) - سعيد اللحام- الاخ شحادة وهو مرافق الرئيس منذ 32 عاما-وزير خارجيتنا د. رياض المالكي ، وهنا يمشي وزير الخارجية مع 7 حراس ومرافقة امنية مشددة -د.محمد اشتيه-الاخ محمد دعاجنة الحارس الشخصي للرئيس ، دخل التاريخ اليوم - ) انتهى الاقتباس.هكذا سخَّر ناصر اللحام- الصحفي المستقل جدا قلمه ،ووظَّف قريحته،وأدخل "أخوَيْه": شحاته،محمد دعاجنة التاريخ فقط لكون أحدهما مرافق الرئيس،والآخر الحارس الشخصيّ للرئيس إياه،وتلكم بعض مؤهلات وموجبات دخول التاريخ وفق براعة اللحام وشطارته؟ ووصف الجالسين على طاولة العشاء وصفًا يليق بالمقامات،فخصَّ المالكي بحرف د وشتية بالأخوَّة وبحرف د آخر،وتغاضى عن شعث ورياض منصور، فسلب منهما حرف الدال، استعان بالأرقام ، ولم يكتبها بالحروف "على طريقة عرض أسعار السلع والبضائع والنفط والذهب والفضة"وحين يقول اللحام:"يمشي مع 7 حراس"،وما يدري كاتب هذه السطور أيهما أفصح:يمشي مع 7حراس،أم :7 حراس يمشون معه، وأي التعبيرين أليق بالمقام؟.
على أيِّ الأحوال،يقال:إن هذا الخطاب يفوق بيان النائب العامّ الذي وجَّهه إلى الأطباء، ولا وجهَ للمقارنة،حبَّذا لو حظي بيان النائب العامّ بمِعْشار ما حظي به خطاب أبي مازن من تعديلات ومراجعات، إذًا لفهمه القوم!.
خطاب الأمم المتحدة: الرابط
وبيان المغنّي: الرابط