الثقافة والتغيرات العالمية والعلمية
التغيرات العالمية والعلمية
حين نستعرض الثقافة العلمية واستشراف المستقبل نكون على وعي تام بما يحيط بنا من تلك المتغيرات العولمية التي تؤدي إلى أن كثيرا من نظمنا المجتمعية آخذة في تقوض وظائفها وشرعيتها التقليدية ’ وإلى أنها تلفظ آخر أنفاسها ’ وأن نظما جديدة تأخذ في التشكل ’يرافقها بل وبفضلها ما يحدث من انعطافات وتحولات فيما يعرف بالثورات العلمية والتكنولوجية والاتصالية والمعلوماتية وتفرض علينا هذه المتغيرات ضرورة إدراك أن عوامل التغير والتحول قد غدت من السنن الاجتماعية والعلمية ’ وما يترتب على هذا من توترات في الحياة والمجتمع ’ كما تؤكد أن التقوقع والثبات ضد حركة العلم والتاريخ بل ضد إمكانات البقاء والنماء.
ولست ممن يلمون بأطراف التطور والانعطاف في تاريخ العلم ونظرياته ’ وكل ما استطيعه الإشارة إلى النقلة من فهم ما يجري في العالم على أساس قوى خفية أو مجرد مواصفات مجتمعية ’ إلى ما أحدثته الرؤية الديكتاتورية النيوترونية من ترسيخ النظرة إلى العالم على أنه آلة ميكانيكية عملاقة تحكمها قوانين وعلاقات ثابتة مطلقة . ثم تلا هذه الرؤية الحتمية الفيزيقية ظهور النظرة التطورية للأرض وما عليها ’ متمثلة بقوانين الانتخاب الطبيعي والطفرة والبقاء للأصلح . ويشهد تطور العلم اليوم تداعيات وانعكاسات النسبية والكوانتم وما ترتب عليها من أن العالم ليس مجزأ ’ وإنما هو شبكة معقدة من الأحداث والعلاقات والتفاعلات .وقد تولد عن هذه الرؤى العلمية الجديدة أن ليس هناك حقائق وقوانين ثابتة مطلقة.
وغدت تقاليد العلم ونظرياته الفيزيقية خاضعة للتغير والتفنيد والمراجعة ’ وإلى أن العالم والحياة عمليات دينامية مركبة ومعقدة ومفعمة بالمفاجآت والفوضوية . والخلاصة ان تدفقات التغيير قد أدت إلى اعتبار الشك واللايقين هو اليقين الجديد.
الثقافة العلمية هدف ووسيلة
إن دور الثقافة العلمية في استشراف تشكيل مجتمع ديمقراطي يشارك الجميع في قراراته وفي إنجاز مهماته بالعمل المنتج ’ وبالعدل في تحمل مغانمه ومغارمه . وينطلق ذلك من اقتناعنا بأن النهج الديمقراطي ونظمه ومؤسساته قد غدت هدفا إنسانيا ’ وحاجة علمية راسخة . ويستند هذا الاقتناع أيضا إلى أن هذا النهج قد اختبره تاريخ الحضارات الإنسانية العالمية فلم يجد أفضل ولا أعقل منه بعد معاناة طويلة للنظم الاستبدادية والطائفية والفاشية والنازية . وهو السبيل إلى كرامة الإنسان وإمكانية العيش المشترك بين كل الشعوب . ويحتل الرصيد العلمي والمعرفي في سياق هذا النهج المجتمعي موقعا وموردا مهما في سيرورة المجتمع الديمقراطي وصيرورته ’ شأنه في ذلك شأن الأرصدة والموارد المادية . ويعتبر كل من الموردين في واقعنا العربي المتطور في حاجة ملحة ومطردة للاهتمام به إنتاجا وإتاحة ونشرا وتوزيعا وتوظيفا ’ وهما بذلك هدف ووسيلة في الوقت ذاته لتحقيق تماسك المسيرة الديمقراطية نحو مستقبل يستحق بذل أقصى الجهد ’ فكرا وفعلا ومسؤولية ’ نصنعه بأنفسنا ونقبل عليه ونقتحمه قبل أن يجيء إلينا أو يصنعه غيرنا ’ وتلك مسؤوليتنا ومسؤولية الأجيال من بعدنا . ورحم الله الصوفي القائل " إن لله عبادا إذا أرادوا أراد ".
تحيات
منار الأغا