نظرة الناس إلى الطب النفسي
بعد دراستي لمساق الطب النفسي، والذي استمر لمدة خمسة أسابيع، تغيرت فكرتي عنه، والتي كانت لربما قريبة إلى حدٍّ ما من أفكار الناس، فأحببت أن أشرككم هذا التغيير؛ لأهميته، ولأنه يمس جانباً مهماً من حياتنا، ولأنه لا يمكن أن ندركَ أهميته إلا عند معرفتنا به، فالذي لا يدرك وجود الشيء لا يعرف أهميته. بادئ ذي بدء، يجب أن نُقِرَّ أنَّ ما لدينا من معلومات وأفكار عن المرض النفسي إنما هو جزء يسير، وعممناه على الكل، وأنَّ الجزء الآخر هو المنتشر والأكثر شيوعاً، ولا عجب إن قلت أنه ما من أحدٍ إلا ومرَّ بعرض من أعراض المرض النفسي، كالتوتر، والقلق، وقلة النوم، فقدان الشهية، الندم، عدم إدراك أهمية الحياة، الشعور بالذنب، عدم الشعور بالمتعة عند القيام بعمل ما، تقلب المزاج ... الخ، وغيرها الكثير التي تأتي بعد حدث معين يمر به الإنسان، وهذه الأعراض هي عبارة عن طاقة.
وكما هو معروف أنَّ الطاقة لا تفنى ولا تستحدث من العدم- فهي لم تأت من فراغ، ولن تنتهي إلا بسبيل لذلك، فإن بقيت لفترة من الزمن، ستسبب العديد من الأمراض فيما بعد، والتي تشبه في أعراضها أعراض المرض العضوي، كالصداع وآلام المفاصل والعمود الفقري، وآلام الصدر والبطن، وغيرها والتي يكون سببها نفسي –طبعاً بعد استثناء الأمراض العضوية بالفحوصات اللازمة والكافية-، وكثيرة هي الحالات التي سمعنا عنها والتي كانت تعاني من أعراض جسدية، حيَّرت الأطباء، وتم صرف الأموال الطائلة على الأدوية والسفر للخارج، ولكن دون جدوى، وفي النهاية يكون السبب نفسياً، ولكنَّ الأدهى من ذلك والأمرّ، عندما يعلم المريض أن السبب نفسي يذهب إلى أُناس لا صلة لهم لا من قريب ولا من بعيد بالطب، كل ذلك حتى لا يُقال عني أني ....... يجب علينا أن نعلم أن المرض النفسي كالمرض العضوي، فمثلاً، عندما يصاب الواحد منا بالإنفلونزا أو ألم في الصدر أو ما شابه يذهب إلى طبيب باطني متخصص، أو عندما يلجأ لعمل عملية جراحية يذهب إلى طبيب متخصص في الجراحة، فمن البديهي أن يذهب إلى طبيب نفسي إذا دعت الحاجة لذلك، فكما ذكرت آنفاً، ما من شخص إلا ومرَّ ببعض الأعراض، وهذا طبيعي، أما إذا استمرت هذه الأعراض لمدة معينة، وأثرت على جوانب حياة الشخص (العملية والاجتماعية والأكاديمية ... الخ)، وتم استثناء المرض العضوي، فهذا بلا شك لا يجب السكوت عنه.
وحتى لا أطيل عليكم، أضع بين أيديكم بعضاً من نماذج الحالات المرضية الشائعة على شكل تساؤلات، وأترك لكم الإجابة عليها:
- هل من يشكو من آلام جسدية نتيجة صراعات الحياة النفسية هو كما يقول عنه الناس أنه ... ؟
- هل من تعرض لحادث فظيع ومؤلم (كالحرب مثلاً، أو حادث سيارة مرعب) وساءت حالته النفسية هو كما يقول عنه الناس أنه ... ؟
- هل من يعاني من الخوف من الأماكن المرتفعة أو المصاعد أو التحدث أمام الناس هو كما يقال عنه أنه ... ؟
- هل من يفقد شخصاً عزيزاً على قلبه وتظهر عليه بعض الأعراض، وتتطور حالته هو كما يقال عنه أنه ... ؟
- هل من يشكو من الوسواس القهري هو كما يقال عنه أنه ... ؟
- هل من تعاني / يعاني من عدم القدرة على الكلام نتيجة الصراعات النفسية هو كما يقال عنه / عنها أنه / أنها ... ؟
وفي النهاية، الله أسألُ أن يتمَّ علينا الصحةَ والعافيةَ، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً.
والحمد لله رب العالمين
[1] جواد سليم إبراهيم سليم | بوركت على طرق هذا الباب | 15-03-2013
ابن العم العزيز إبراهيم (د. إبراهيم قريبا إن شاء الله ) ...
اشكرك وأقدر لك هذا الطرح وهذه الإيجابية التي وددت من خلالها إحداث بعضاً من التغيير في نظرة الناس تجاه الأمراض النفسية.... لا شك ان هذا التغيير يحتاج لوقت وجهد لكن بوجود أمثالك فإن التغيير ممكن...
وفي هذا السياق فإنني أود الإشارة إلى نقطتين:
أولاهما أن الالتجاء إلى الله والقرب منه والمداومة على العبادات والطاعات والإيمان بأن القدر والأمور تجري بقدر الله هو العلاج الأكثر فعالية للأمراض والأعراض النفسية.
أما النقطة الثانية فهي مرتبطة بأن الله عزوجل في سورة الناس قد امرنا ان نستعيذ من شر وساوس النفس به فهو رب الناس ... ملك الناس ... اله الناس (ثلاث كلمات وصفات لله للاستعاذة من شرور النفس) أما في سورة الفلق فقد امرنا ان نستعيذ به عزوجل فهو رب الفلق من شر ما خلق .... ومن شر غاسق إذا وقب ... ومن شر النفاثات في العقد .... ومن شر حاسد إذا حسد (لفظه واحدة فقط من صفات الله للاستعاذة من 4 أخطار) وهذا يدل على عظم وخطورة وساوس النفس التي تترجم إلى أمراض وأعراض نفسية... أكرر شكري لإبراهيم ودعائي بأن يزيده الله علما وامل ان يستمر في إطلالاته المفيدة في جوانب طبية متنوعة.