19-01-2008
على الهاتف
بين فتح وحماس أواصر لن تنقطع
د/ يحيى زكريا الأغا
المستشار الثقافي
ستة أشهر مضت، والوطن فلسطين يعيش حالة من الانكسار لم يسبق لها مثيل في تاريخه، شعب شمالي وآخر جنوبي، قيادة في الشمال وأخرى في الجنوب، تنظيمات تحاول إعادة بناء جدار من الثقة بين أهله، لكن المحاولات جميعها تصطدم بجدار أقسى من جدار الفصل العنصري الذي بُني ليكون حدودا سياسية، ولكن هاتفية عّلها تذيب الجليد، أو تكسّر الجدار الذي صنعناه بأنفسنا، وهي قادرة إن صدق النوايا.
بالأمس حدثت مجزرة تضاف إلى مجاز إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، راح ضحيتها أكثر من خمسة وعشرين شهيدا، وعشرات الجرحى، وكان من بين الشهداء، نجل الأخ الدكتور/ محمود الزهار ( حسام) ولم يكن الشهيد الأول الذي يُستشهد للدكتور بل الثالث، حيث ارتقى نجله الأكبر( خالد) بتاريخ 10/9/2003 ، وزوج ابنته، وما أن اتصلت به مهنئاً برقي ابنه إلى عليين، حتى وجدته أكثر رابطة جأش، وقوة وصبراً، وتلك عزائم الرجال الذين صنعتهم المأساة، فهنيئاً باستشهاده وكواكب الشهداء السابقين واللاحقين. وإذا كان نجل الزهار كغيره من الشهداء الذين يعبدون الطريق إلى فلسطين، وهي العبارة التي نكتبها منذ سنوات، وأتمنى ألا نندم عليها بسب ما نرى من تزاحم على السلطة، فقد جاءت شهادته – وهذا أملي - لتمسح ما علق من شوائب في العلاقات الفلسطينية الفلسطينية خلال الأشهر العجاف التي يعيشها الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج بكل شرائحه، ولن أقول ما قاله أحد مراسلي القنوات( رُب ضارة نافعة).
كم سعدت عندما قرأت خبر اتصال الأخ الرئيس / محمود عباس به ليهنئه باستشهاد نجله، وفي ذلك قراءة لمن ألقى السمع، فأقول: يمكن للرئيس أن يرسل برقية تعزية، وإكليلاً من الزهور وكفى كما يفعل البعض، ولكن للاتصال مغزى، وفي تقديري أن الأخ الرئيس أراد من هذا الاتصال ليكون قراءة ومراجعة لكل الحسابات، وتحت بند ( الدم ما بصير ميه) فقرأه الأخوة في حماس كما قرأته كفلسطيني بشكل جيد، وتعاملوا معه بتقدير لم أفاجأ به، فالأخوة في حماس محتاجون إلى إعادة اللحمة للوطن بأي شكل لأن ما يحدث في فلسطين يؤلمهم، كما هو الحال عند الأخوة في فتح، في حاجة إلى التوافق أكثر، لهذا جاءت تصريحات جميع الأخوة في حماس تصب في هذا السياق، وكم نتمنى أن ينعكس اتصال الأخ الرئيس بردود فعل أكثر إيجابية على مجمل الأوضاع العامة في الضفة وغزة، وتحديدا في القطاع، خاصة وأن ما وصل إليه القطاع من وضع مأساوي لا يتلمس معاناة أهله إلا من له أهل بالوطن، وأنا منهم.
الأمل كبير إلا يقتصر الاتصال على هذه الجزئية، ونردد ما قالته الصحافة بأن الاتصال لم يخرج عن نطاق المجاملة التي لم يتبعها تغيّر في الأسلوب، وما يتمناه كل عاقل هو اغتنام الفرصة لإذابة الجليد، وهي دعوة لأصحاب النيات الصادقة، والدول التي بادرت لخلق أرضية مشتركة بين الطرفين في السابق، هي دعوة للقيادة الحكيمة في الطرفين لبناء الثقة، وجعل المستحيل ممكنا، والممكن واقعاً، والواقع حواراً يُفضي لعلاقات أكثر قوة ومتانة، وهذا ما يجب أن يسود بين أخوة النضال والدم والعقيدة والوطن، دون تخوين، أو مس للذات الإنسانية، فلا يوجد من الطرفين من يستطع أن يفرط في ذرة تراب من فلسطين، ولكن العلاقات السيئة تُفضي إلى تفسيرات تخوينية، حتى ولو أفضت إلى إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
وفي نفس السياق لم يكن اتصال أعضاء المجلس التشريعي من كتلة فتح، والقيادات الأخرى بأقل أهمية من اتصال الأخ الرئيس بالأخ إسماعيل هنية وبالدكتور الزهار، وجميعهم أبدوا في اتصالهم من ضرورة إعادة اللحمة للوطن، وعدم العبث بمقدراته لأي طرف من الأطراف، سواء كان بقوة السلاح، أم بأساليب غير قانونية، فالوطن كما أقولها دوما أسمى من أن يُقذف بكلمات من هنا وهناك، فتتعطل بسببها مسيرة الحياة كما هو حادث الآن.
وفي محور ثالث، لم يكن لقاء قادة من فتح وحماس على إحدى المحطات الإذاعية ( الشعب) سوى نقلة نوعية في إعادة صياغة المواقف بشكل أفضل مما هي عليه الآن.
وأقول هنا، إذا كان الجميع مجمع على إعادة اللحمة للوطن، ألا يستحق من الطرفين أن يتنازل، ويترفع.
فالترفع عن القذف غير المشروع- والذي يعتبره كل طرف مشروعا - بدءا من السباب على المحطات الفضائية التي تروج لهذا الانحطاط وخاصة عندما تستضيف أصحاب الألسن الجارحة التي لا تجيد إلا هذا الأسلوب، وإيقاف حملات التشهير على المحطتين في كل من جناحي الوطن، وفي تقديري سيكون هذا معبرا لأي لقاء مستقبلي، وأرضية متينة للخروج من مأزق اللقاء المشروط وغير المشروط، أما التنازل فيكون من أجل فلسطين والشهداء الذين يدفعون ثمن الكراسي التي يجلس عليها الجميع، فهل من متعظ، والتنازل يكون بأساليب عملية يرضى عنها الطرفان كي تكون محطة يعالج فيها كل طرف أخطاءه، بل خطاياه.
مَن يقل بأن الحصار مضروب على أهل غزة فقط، فكل فلسطيني في أنحاء العالم لا يستطيع التواصل مع عائلته في قطاع غزة، هو محاصر، فأنا كغيري من الفلسطينيين محاصر لأني لا أستطع السفر في الإجازة أو للعمل مع عائلتي أو منفرداً سواء للقطاع أم الضفة، تواصلاً مع أهلنا، ومحاصر كذلك لأني لا أستطيع أن أحوّل ريالاً واحداً لأي بنك من بنوك القطاع، كونه يفتقر إلى العملة التي سيتم تسليمها للشخص المحول إليه المال، وأهلنا كذلك محاصرون لأنهم لا يستطيعون السفر خارج الوطن سواء للعمل، أو العلاج، أو التعليم، أو التجارة، أو حتى لاشتمام هواء نقي، أو تناول طعام شهي في أي مكان.
لا أريد القول عفا الله عما سلف، ولكن علينا أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب الآخرين، وأقولها للطرفين، كلانا أخطأ في حق الآخر، ولكن هناك خطأ أدى إلى خطيئة، وخطأ يمكن معالجته بالحوار، أما الخطأ الذي يؤدي إلى خطيئة وخطايا فهذا ما يرفضه الجميع، ولكن يجب معالجته.
تحية للشهداء الأبرار في عليين، تحية للنساء التي تُنجب مشاعل التحرير، تحية للمبادرين بالخير، سواء كان على الهاتف، أم إنسانياً، أم خلقيا أم وطنياً، أم رغبة في إعادة اللحمة للوطن- ولا أستبعدها - تحية لكل الألسن الخيرة التي تدعو إلى اللحمة والوحدة الوطنية، تحية لكل الأيادي الخيرة التي سعت، وتحاول أن تسعى من أجل مصلحة الشعب الفلسطيني، تحية لكل الأقلام النزيهة التي تكتب كلمة صدق بعيدا عن عبثية الكلام غير المشروع، ولنتوحد تحت علم واحد، وبندقية واحدة، وقيادة واحدة، ولغة داخلية وخارجية واحدة، لنسمو بالوطن، ونسمو أمام أعين الناس.